في كل مرة تؤكد اليمن لأبنائها المطعفرين في بلدان الدنيا؛ أنها بلاد مستلبة، وأن العيش فيها مغامرة كبرى غير محسوبة العواقب، وانه لا جدوى مرتقبة من الحنين إليها.
وكم هو مؤلم يا أخي اليمني أن تسافر إلى كل بلدان الدنيا وأنت آمن بأمان الله ومطمئن على روحك وعلى مدخراتك عدا وأنت مسافر إلى بلادك وإلى مسقط رأسك، تجد نفسك محاطًا بالمخاوف وبالمخاطر، وتضرب روحك مشاعر الغربة الحقيقية وسط أهلك وناسك.
عاد الشاب اليمني عبدالملك السنباني من أمريكا في زيارة يفترض بها أن تكون سريعة سيقوم بها لأهله وعزوته وفي ظنه أنه سيفتهن له شوية ويأكل له عودين قات حالي ويرجع إلى أمريكا من بعدها وعاده ملبب وعاد قلبه ما شبع من بساطة العيش في بلاده التي تركها الآباء والأجداد من قبل وعاد قلوبهم ما شبعت منها ولا من أنسامها، ولكن أبالسة الطريق في خط عدن خطفوا روحه في نقطة تفتيش ليس لليمني فيها الحق في أن يركب سيارة “إنجيز”.
والسؤال المنطقي:
– ليش الفقيد السنباني يركب سيارة إنجيز والدنيا كلها شكوك والنقاط كلهن طول الطريق ما يدورين أي مخلوق غير اليمني بس؟!
كان من اللازم عليه وهو عائد من أمريكا إلى بلاده اليمن ألا يتزود بمهارة المغامرة فقط، وأن يتزود ببعض أرقام الهواتف لعدد من المسؤولين في كل محافظة سيسير فيها، وأن يحتاط ببعض الظنون السيئة عن البلد المنعوث أصلاً عشان يعرف كيف يتصرف وكيف يتخارج إذا جنب في أي نقطة تفتيش.
كان على الفقيد السنباني أن يعتصم بحبل جوازه الأمريكي فقط وأن يعرف جيدًا وهو عائد إلى اليمن الكسير المنحْطل أن المواطن اليمني وبس هو المطلوب وهو المشكوك فيه وهو المراقب والملاحق.
وأنو ما فيش أي هدف غيره من كل الاحترازات الأمنية التي في طول وعرض البلاد.
كان على عبدالملك السنباني مثلاً أن يدخل إلى شبكات التواصل الاجتماعي من قبل العودة بشهر، ويجلس يقرأ عن طبيعة الحوادث المتكررة والمتكاثرة التي تنبع لكل عائد إلى البلد ليعرف أقلها أي الطرق التي يفترض به أن يسلكها ليصل إلى بيتهم وهو سلم.
كان عليه أن يفكر جيدًا بشكل اللباس الذي يفترض به أن يرتديه وهو عائد في الطريق إلى وجهته المعلومة في البلد وكان عليه أيضًا أن يتعلم إتقان أكثر من لهجة يمنية يتكلم بها لمواجهة مخاطر الإجابة عن السؤال المتكرر لكل مسافر في الخط الطويل:
– من أين أنت؟
لا يكفي أن تكون يمنيا، ولا يكفي أن تكون مواطنًا صالحًا، ولا يكفي أن تكون مفلّتا لهم البلاد كلها وعايش حياتك على باب الله ومش مخسر الدولة شيء.. هذا مش كفاية ولازم تقولهم من أين أنت؟!
ومش كذا وبس..
لازم تكون المدينة أو المحافظة أو القرية التي أنت منها عاجباهم في النقاط وقلوبهم مبسوطة منها عشان تجزع الطريق من دون لوك وعشان توصل بيتكم، وأنت سلم ما لم فإنك ستكون هدفًا جيدًا للتهم الجاهزة التي عادة ما تكون جزافية وتسبب للواحد القهر ومشاعر التذمر وتقود أناسًا كثر إلى السجون دون رادع.
كان على الفقيد السنباني، الله يرحمه، وهو قادم بالجواز اليمني ألا يركب سيارة إنحيز مطلقًا وألا يفكر بذلك حتى ولو مجرد التفكير فقط.
ذلك الإنجيز في الخط الطويل رفاهية، والرفاهية في اليمن هذي الأيام جريمة محفزة للقتل بدم بارد لأنو ماعد فيش مواطنين يمنيين يركبوا إنجيز في الخط الطويل هذي الأيام، وهذه أشياء مثيرة للشكوك.
كان على الفقيد السنباني أن يسافر من عدن إلى وجهته الأخرى فوق باص مزحوم بالناس، وأن يجلس في مقعده وهو ضجر ومجعوث.
وأن يتزود بكيس كبير ملانه روشتات وعلاجات وأشعةx وأن يظل يكح ويسعل ويتطروش طول الطريق عشان يوصل بيتهم سلم.
وأنتم أيضًا يا كل اليمنيين المطعفرين في كل بلدان الدنيا عليكم من الآن وصاعدًا إن كنتم مشتاقين لزيارة بلادكم المنعوثة أن تحتاطوا جيدًا لوعثاء الطريق، والأهم من هذا كله أوبهوا تركبوا إنجيز.
- نقلا عن موقع اليمني – الاميركي