من قتل عبد الملك أنور السنباني، ولماذا قتلوه، ما الجرم الذي ارتكبه؟ هل القتلة هم أولئك الذين ظهروا في الصور، أم هناك شركاء آخرون، ومن خوّلهم بقتل إنسان أعزل حتى لو كان ينتمي للعصابة الحوثية؟
يقال قتلوه لكي يستولوا على ما بحوزته من الدولارات التي كسبها من عمل مشروع في الولايات المتحدة الأميركية خلال فترة غربته التي تجاوزت عشر سنين؟ لا نعتقد ذلك، فالمسألة أكبر، ولذلك لا بد من لجنة تحقيق محايدة في هذه الجريمة وجرائم سابقة مشابهة لها علاقة بلهجات المواطنين وانتماءاتهم الجغرافية، وكاتب هذه السطور غُيب يومين وكاد يلقى نفس المصير في أوائل ديسمبر 2017، على يد بدر وجماعته في نقطة مصنع الحديد، لولا تدخل شكري الصبيحي في اللحظة الأخيرة.
الحكومة هي المسؤول الأول، والانتقالي مسئول بالتبعية بحكم أنه شريك في الحكومة، وبحكم أن اللواء التاسع صاعقة الذي صعق اليمن بالسنباني، يعتبر من الألوية التابعة له.
أي لجنة تحقيق مستقلة، محايدة يمكن الوثوق بها؟ أولاً ينبغي التذكير أن اللواء التاسع صاعقة غير موثوق به.. إلى الآن قدم ثلاث روايات متنافرة حول قتل السنباني، وفيها أيضا من الخفة ما يكركر الجمل.. يوم الأربعاء (8 سبتمبر) تباهي بأن نقطته العسكرية في مديرية طور الباحة تمكنت من القبض على مشتبه به أنه حوثي.. ودلائل الاشتباه هي: أنه أثناء وجوده في محطة مفرق الفرشة كان يتصرف تصرفا مريبا (يتجول، يصور مواقع عسكرية، بحوزته أموال بالعملة الأميركية)، فلما وصل إلى نقطة اللواء في طور الباحة اعتقل بفضل يقظة رجال النقطة وقائد القطاع العقيد محمد الناشري وركن عمليات الكتيبة الأولى العقيد حكيم المليشي، لولا هذه اليقظة (لتمكن من الهروب) لكنهم طاردوه، وبعد ساعات من المنازلة!! وتبادل الرمي بالحجارة قبضوا عليه، وأثناء القبض عليه رفض تسليم نفسه!!! كما رفض الإدلاء بمعلومات، ورفضه تفتيش حقائبه، أما بعد القبض عليه بالقوة فقد وجدوا فيها مبالغ مالية بالدولار. أما يوم الخميس (9 سبتمبر)، فكان للواء الصاعقة شأن آخر.. قال لم نعتقله، وإنما أسعفناه إلى مستشفى المصافي بالبريقة، بعد أن سقط من فوق السيارة التي كان يركبها.. وفي وقت لاحق تعهدت قيادة اللواء أنها سوف تحقق مع كل من له علاقة بقتل السنباني.
المعروف إلى الآن هو إما أن السنباني ركب حافلة بيك أب مع مسافرين آخرين من عدن إلى تعز، وإما أنه استأجر سيارة خاصة، ولم يسقط من فوقها، وتظهره واحدة من الصور مستسلما لشخصين يرتديان زيا عسكريا واثنين آخرين بزي مدني، أحدهما يقيد يديه من الخلف، ولم تبد عليه أي آثار تدل على التعذيب، بينما ظهر في صور أخرى وكان وجهه يدل أنه قد عذب بعد اعتقاله.. يضاف إلى ذلك أن رواية إسعافه إلى مستشفى بي بي، تنقضها رواية اقتياده إلى سجن اللواء في رأس عمران، وأن (المبالغ المالية بالعملة الأميركية) التي عثروا عليها في حقائبه اختفت بعد مقتله!! وقد نسب إلى العميد فاروق الكعلولي قائد اللواء أنه أمر باحتجاز المسؤولين عن الفعلة الشنعاء التي اعتبرها حالة وفاة، ليتم بعد ذلك (فتح تحقيق شامل)، في الحالة.
ما سبق يجعلنا ميالين للاعتقاد أن اللواء لا يصلح لمهمة كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.. وهذا العميد حمدي شكري الصبيحي قائد اللواء الثاني عمالقة والسابع مشاة ذكر في البيان الذي وزعه مكتبه الإعلامي (السبت 11 سبتمبر) يقول: لقد أبلغنا مراراً وتكراراً بما تقوم به النقطة العسكرية التابعة للواء التاسع صاعقة من تعسف وابتزاز على عابري السبيل، واقترحنا بأن تُسلم النقطة للحزام الأمني ليقوم بدوره وتحت مسؤوليته، لكن للأسف لم يستجب لنا أحد من قيادتهم، وها نحن نجني ثمرة النقطة!!
والمسألة ليست مجرد تصرفات من (همج يعملون مع الانتقالي، بينما هم جزء من التآمر على قضية الجنوب والانتقالي)، حسب تفسير أحمد بن فريد.
لقد قلنا قبل قليل إنه لا بد من لجنة تحقيق محايدة، غير اللجان التي يجري الكلام عنها الآن، فهي من التضاد والكثرة بحيث تميع القضية، وانظروا ماذا لدينا:
النائب العام للجمهورية طلب من رئيس النيابة الجزائية المتخصصة بعدن تكليف الأجهزة الأمنية المتخصصة بإعداد محضر وجمع الاستدلالات في الواقعة، وضبط المتهمين وإحالتهم إلى النيابة، بينما النائب العام غير مسموع الكلمة..
وزير الخارجية في الحكومة طالب بضرورة التحقيق في هذه الجريمة، وتقديم (المدانين) للعدالة!! وهذا كلام من جملة الكلام الذي ينثره كل يوم؟
ووزير الداخلية يأمر مدير الأمن في محافظة لحج بضبط القتلة وإحالتهم إلى النيابة والقضاء، ثم بعد ذلك يوجه محافظ لحج ووكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن والشرطة، بالتحقيق في الواقعة، ضبط الجناة وتقديمهم إلى العدالة..
ومحافظ محافظة لحج أصدر قراراً (يوم 9 سبتمبر) بتشكيل لجنة بحث وتقصي حقائق يترأسها مدير عام الأمن القومي بالمحافظة، وتضم مدير جهاز الأمن السياسي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، مدير البحث الجنائي، ومدير الشؤون القانونية في ديوان المحافظة، وكلف هذه اللجنة النزول إلى النقطة العسكرية التي وقعت فيها الجريمة، وأن ترفع إليه تقريرا، في (أسرع وقت ممكن)، بينما المشتبه وكل من لهم صلة بهم بهم قد اختفوا..
ومن جهته وجه رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، بتوقيف أفراد النقطة، وتشكيل لجنة للتحقيق، وإحالة المتهمين إلى المساءلة أمام الجهات المختصة في النيابة العسكرية!!
كل هذه مؤشرات تعني شيئاً واحداً.. تعني تمييع القضية.. لذلك قلنا لا بد من لجنة تحقيق مستقلة، محايدة نزيهة.