دخول اتفاق الرياض الإنعاش يضعف الانتقالي شعبياً

كان الظن أن اتفاق الرياض الذي أخذ أكثر من عام على ولادته المتعسرة، أن يكون خارطة طريق لمكونات الشرعية ويحدث اختراقا في بعض الملفات واجتراح حل للمشكلة الاقتصادية وفي مقدمتها تدهور العملة.. لكن لا شيء يبدو حدث حتى الآن، وهناك تعثر في شقيه العسكري والأمني وفي تفاصيل عودة الحكومة والتزامات الأطراف.

ورغم كل الزخم والإطراء المبالغ فيه، والآمال التي علقت عليه والتأكيد بأنه سيدفع بمعطيات جديدة تعيد إنتاج الشرعية بروح جديدة تتوجه صوب التحرير والخدمات معا، رغم ذلك كله، لكن الأمر والمشهد العام سبات تام في كل دواليب الشرعية وملف التحرير، ويبدو أن الجميع في موت سريري، فقط ينتظرون الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية عبر الحوثي جنوبا وغربا وشمالا وشرقا.

شهد الشهر الأول لتوقيع الاتفاق حركة سريعة كانت تعطي مؤشرات جيدة، لكنها سرعان ما تكلست في وقت وجيز.

الشارع الجنوبي كما هو في الشمال، يغلي الآن كالمرجل لا سيما عدن وهي مفتاح الفعل الغاضب، وتزيد حرارة الطقس مشكلة انقطاع الكهرباء وتردي الخدمات حرارة الغضب الذي قد يتنامى قادم الأيام، بعد هدنة طويلة للشارع في انتظار وعود اتفاق الرياض التي علق عليها شيئا من أمل.

هل أصبح اتفاق الرياض وثيقة نظرية فقط؟

هكذا يقول البعض، إنها أضيفت إلى المرجعيات الثلاث لتكون أربع تحسبا لأي اتفاق شامل قادم، وأنها تعطي الجنوب شرعية الحضور والانتقالي أحقية التمثيل، هذا فقط ما يبدو حتى اللحظة،

فرغم مضي وقت طويل على الاتفاق واللجان التي تم تشكيلها والمواقيت التي بدت صارمة لتنفيذ الاتفاق، لكن الأمر لم يتم بحسب الآلية والتزمين، والأهم ليس هناك نتاج منظور أو محسوس واقعا على صعيد الاقتصاد والخدمات والأمن وغيره.

أثناء وبعد الاتفاق طرحت بعض المخاوف يتضح الآن أكثر من أي وقت مضى أن تلك المخاوف التي انتابت البعض كانت صحيحة، البعض كان يراهن على مشاركة الانتقالي للمرة الأولى في الحكومة على ضخ دماء جديدة في شرايين الشرعية المثخنة بالفساد، لكن يبدو أنه رهان خاسر حتى يثبت العكس.

لعل أفضل ما في الاتفاق حينها أن كل الأطراف اجتهدت في بث خطاب سياسي مستجيب للتحديات الكبرى التي تواجه اليمن وضرورة توحيد الصف نحو التحرير وإنهاء الانقلاب.. وصحيح أيضا أن ظاهر هذا الخطاب غلبت عليه روح المسؤولية والانفتاح والدفع باتجاه كسر التشرذم والتشظي الذي تشهده مكونات الشرعية، لكننا الآن وبعد كل هذا الوقت الطويل علينا الاعتراف أننا بحاجة إلى نقد هذا الموت السريري لمخرجات الاتفاق وبنوده وقبل ذلك أهدافه المنشودة ووعوده الكبيرة.

كما أننا بحاجة إلى طرح مقاربات جديدة لإنعاشه أو إنقاذه أو دفنه والتفكير بخارطة حل واقعية على الأقل في الجانب المعيشي إذا لم يعد في المستطاع حاليا الحديث عن التحرير وما شابه.

وعلينا الاعتراف أنه حتى الآن يبدو الاتفاق نوعا من أنشطة العلاقات العامة ليس إلا..

كما أن المجلس الانتقالي إذا استسلم أمام “غواية” السلطة في عدن تحديدا فإنه الخاسر الجديد شعبيا، وهذا ما تقوله المظاهرات والمسيرات وكل أشكال الاحتجاج الشعبي في الجنوب وتحديدا في عدن في الأيام الماضية.

الخروج الشعبي بذلك السقف من الخطاب يعني عدم الرضا عن الخدمات والتذمر من كل قيادات السلطة المحلية والانتقالي هو في واجهة المشهد الآن في عدن، وهو يلحق بباقي الأحزاب ومكونات الشرعية من حيث السخط الشعبي عليها، ولعله في قادم الأيام سيفقد الكثير أيضا من شعبيته وحاضنته.

تكفي مشكلة الكهرباء وحدها لتكون سببا وجيها لأبناء عدن لأي خروج، ذلك لأنهم يعذبون بسبق إصرار وترصد، منذ سنين رغم أنها مشكلة تستطيع الحكومة مع التحالف حسمها ولو جزئيا أمام كل تلك الأرقام الأسطورية التي صرفت من التحالف في مشاريع صغيرة.

خلاصة القول.. الانتقالي بات الخاسر الأكبر جنوبا وأسهمه ربما تشهد انحسارا لصالح قوى جنوبية أخرى مترصدة، ذلك أن باقي مكونات الشرعية محروقة شعبيا ومحروقة خارجيا وهو بذلك يضيف جثة جديدة إلى مقبرة الشرعية.

لست متأكدا أن الانتقالي له مطبخ خاص يعمل على خط الخطوط العريضة والاستراتيجيات، أو أنه يعمل بواقع اللحظة فقط، وإذا كانت الفرضية الأولى هي الصحيح فأعتقد أن هذا المطبخ إن وجد، فهو يعي ما معنى الانخراط في “لعبة المحاصصات” التي تجيدها النخبة السياسية اليمنية القديمة منذ عقود وهي متمرسة عليها ولا تخاف تبعاتها القاتلة، فليس لديها ما تخسره فقد خسرت كل شيء.

ليس هذا تحريضا مني على الانسحاب من اتفاق الرياض، لكن من حقي كمواطن كنت أعتقد أن هذه المشاركة التي أسميت مناصفة سوف تقينا من سيطرة علي محسن والإخوان وسوف تعمل على تحجيم قوى نفوذ أخرى، وسوف تقلل منسوب الفساد، لأن الكل سيراقب الكل وهنا تكمن مصلحتي كمواطن. لكن لا شيء من ذلك حدث.

ولذلك على القوى السياسية مثل المؤتمر والناصري والاشتراكي وقبل ذلك الانتقالي، العمل على تغيير قواعد اللعبة في الشرعية بالانسحاب أو الاشتراط لتحقيق قضايا محددة في الجانب الخدمي والأمني والعسكري في أسرع وقت، وفرصة الانتقالي وثقل الجنوب قادر على إحداث شيء من ذلك.

ذلك أن كل النتائج تقول إنها محاصصة بائسة، ولا تزال البقرة تحلب من نفس الراعي القديم رغم تغيير الحظيرة…

Exit mobile version