لا تعكس التطورات الجارية على الساحة اليمنية، وخصوصا في محافظة مأرب الاستراتيجية، ما تسعى إيران لإشاعته من أجواء إيجابية للمحادثات بينها وبين السعودية، والتي جرت على امتداد أربع جولات.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها سعيد خطيب زاده الاثنين أن “الجولات الأربع للمفاوضات مع المملكة جرت في أجواء إيجابية وودية، تمت فيها متابعة القضايا الثنائية والإقليمية”.
وقال خطيب زاده في مؤتمر صحافي “لقد بيّنا (خلال المفاوضات) سلسلة من النقاط باعتبارها نقاطا ذات أهمية، والاتصالات مازالت مستمرة”، مضيفا “أعتقد أن الكلمة التي يمكن وصف أجواء المفاوضات بها بصورة جيدة هي أنها محترمة، وبطبيعة الحال فإنها بالقدر ذاته كانت جدية أيضًا ونأمل في أن تصل إلى نتيجة”.
وبدأت السعودية منذ أشهر مسارا تفاوضيا مع إيران، لم تتبلور معه أي صيغ عملية لحلحلة القضايا الشائكة بين الطرفين، باستثناء التهدئة الإعلامية.
ويرى متابعون أن تصريحات الخارجية الإيرانية بشأن الأجواء الإيجابية للمباحثات ليست جديدة، مستبعدين أن يتحقق أي خرق حقيقي على صعيد العلاقات الثنائية حيث أن طهران لا تزال على نهجها التصعيدي في المنطقة، وخصوصا في اليمن.
ويشهد اليمن وضعا معقدا بالتزامن مع إصرار الحوثيين الموالين لإيران على خيار الحل العسكري، وهو ما ترجم في زيادة نسق استهدافهم لمحافظة مأرب الاستراتيجية في مواجهة قوات الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية منذ بداية الشهر الجاري.
ويؤكد مراقبون أن تعنت الحوثيين وإصرارهم على بسط سيطرتهم على مأرب -بالرغم من الدعوات الدولية لوقف التصعيد في المحافظة الغنية بالنفط والغاز- ما كانا ليتحققا لولا الدعم الإيراني.
وسبق أن ربط مسؤول إيراني إحلال السلام في اليمن، الذي يمثل الحديقة الخلفية للسعودية، بسيطرة الحوثيين على مأرب، حيث قال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “حرية مأرب” هي مفتاح حل الأزمة في اليمن.
وترافق ذلك مع تجييش إعلامي كبير من قبل طهران وأذرعها في المنطقة، ازداد نسقه خلال الفترة الأخيرة في سياق عملية تسويق إنجازات تحققها جماعة الحوثيين في المحافظة، ولاسيما في أطرافها الجنوبية.
وتكتسب مأرب أهمية كبرى بالنسبة إلى الحوثيين؛ ذلك أن السيطرة على هذه المحافظة -التي تتوسط اليمن وتملك مقدرات طاقية وزراعية هامة جدا، فضلا عما تضمه من إرث حضاري وتاريخي كبير- من شأنها أن تقلب موازين القوى في الحرب اليمنية الدائرة منذ نحو سبع سنوات.
ويضع الاستيلاء على هذه المحافظة المتمردين الحوثيين في طريق شبه مفتوح لإقامة مشروع دولتهم في شمال اليمن، وهو ما تحرص إيران على الدفع باتجاهه لمحاصرة السعودية وإضعافها. وتحاول السعودية عبر الضربات الجوية المركزة والقوات الحكومية على الأرض قطع الطريق على الجماعة المتمردة.
وأعلن التحالف العربي بقيادة السعودية الاثنين مقتل 150 متمردا في غارات جديدة جنوب مأرب، ليتجاوز بذلك مجموع المقاتلين الذين لقوا حتفهم في أسبوع 1100 عنصر، في الوقت الذي حث فيه زعيم الحوثيين على مواصلة الحرب رغم الخسائر البشرية.
وأفاد التحالف في بيان بأنّه نفّذ 38 “عملية استهداف” أدّت إلى تدمير 13 آلية عسكرية للمتمرّدين ومقتل 150 “عنصرا إرهابياً” في العبدية على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب مدينة مأرب.
وكثف الحوثيون في فبراير عملياتهم العسكرية للسيطرة على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة المعترف بها في شمال البلاد، وبلغت العمليات أوجها منذ بداية أكتوبر الجاري.
وأوقعت المعارك مئات القتلى من الجانبين وتسببت في نزوح أكثر من 55 ألف شخص من منازلهم، وفق ما أعلنته المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الخميس.
ورغم هذه الخسائر حثّ زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي مقاتليه على مواصلة القتال. وقال في خطاب متلفز بمناسبة ذكرى المولد النبوي “أدعو شعبنا العزيز إلى مواصلة الجهود في التصدي للعدوان”، معتبرا أنه “يتوجب علينا شرعا التصدي للعدوان بكل ثبات حتى رفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال”.
ويدور النزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ عام 2015 تحالف عربي بقيادة السعودية، والمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ 2014.