الحديدةالحوثي جماعة ارهابيةالرئيسيةانتهاكات المليشياتتقاريرمحليات

مصيدة التجنيد.. مآسي يمنيين قذفهم الحوثي لمحارق الموت

فتحت حرب مليشيات الحوثي، مآسي عديدة على اليمنيين، تنوعت بين القتل والتهجير والحرمان من حق التنقل والعمل بحرية والاختطاف والتعذيب.
لكن هناك مأساة أخرى غابت كثيرا عن وسائل الإعلام، وتتمثل باختطاف مليشيات الحوثي مدنيين وعمال كانوا في طريقهم، لكسب الرزق، وإجبارهم على القتال ضمن صفوفها.
البعض منهم عاد جثة هامدة، فيما لا يزال مصير المئات مجهولا، إذ ترفض المليشيات الإفصاح عن مصيرهم، لتجعل أسرهم تعيش في حزن وقلق دائمين.

مأساة فتيني

ذات مساء شديد الحرارة من شهر أغسطس الماضي، قرر أمين فتيني وهو أب لطفلين السفر إلى محافظة الضالع، جنوبي البلاد، مفضلا مغادرة قريته النائية الواقعة في مديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة، غرب اليمن.
قرار فتيني البالغ من العمر نحو 28 عاما بالسفر إلى تلك المحافظة البعيدة جاء لطلب الرزق من خلال العمل في مزارعها الكثيرة، لكنه اختطف من حاجز أمني للحوثيين في ذات المحافظة التي ما تزال أجزاء منها خاضعة لسيطرة المليشيات المدعومة إيرانيا.
وبحسب أقوال أدلت بها عائلة فتيني لـ”العين الإخبارية”، بعدما أبلغها الشاب البالغ من العمر نحو 28 عاما بما حدث له قبل مقتله، أن المسلحين الحوثيين في حاجز التفتيش اقتادوه إلى مبنى في بلدة “قعطبة” في ذات المحافظة، وأخضعوه لدورة تطلق عليها مليشيات الحوثي “ثقافية”، وهي في الواقع تعبئة فكرية طائفية، قبل الدفع به إلى جبهات القتال.

إحدى أمهات المختطفين

لم يمض سوى أسبوع واحد على مكوثه في تلك الدورة، حتى دفعت به مليشيات الحوثي إلى مأرب وهناك قاتل لأسابيع دون أن تتمكن عائلته من الاتصال به.
ربما كان ذلك جزءا مما تفرضه المليشيات على من يقاتلون معها “لا استخدام للهواتف النقالة ولا تواصل مع العائلات”، في إجراء يهدف لمنع معرفة جرائمها لدى عائلات المختطفين.
ولقي الرجل حتفه أثناء القتال ولم يعرف مصير جثته حتى اليوم إذ تلقت أسرته اتصالا من عنصر حوثي أبلغهم بمقتله، لكنه لم يتحدث عن مصير الجثة، وإمكانية إيصالها إلى عائلته، لتلقي عليها النظرة الأخيرة.

مصيدة الدورات

في حادثة مشابهة، استيقظ “عامر السلامي” على أصوات قرع شديد على باب الغرفة التي يسكن فيها في بلدة ريفية بمحافظة البيضاء، حدث ذلك عند الرابعة فجرا وهو توقيت ليس بوسع أي زائر عادي المجيء في ذلك الوقت، إلا لشيء يحمل نبأ سيئا.
كانت توقعات السلامي الذي يعود إلى محافظة الحديدة صائبة، إذ من كان من يقف خلف الباب الخشبي للغرفة الوحيدة، عناصر قوة أمنية تتبع مليشيات الإجرام الحوثي.
واقتيد الرجل بطريقة مهينة على متن دورية حوثية، ووجهت له تهمة العمل مع التحالف والحكومة الشرعية، من أجل إخضاعه ودفعه للاستسلام والقبول بما يطلب منه.
وكما روى لأسرته لاحقا، ما جرى له، فقد أخضع لدورة فكرية طائفية، بهدف غسل دماغه، وجعله يؤمن بالادعاءات الحوثية الخرافية، قبل أن يجد نفسه متقبلا لفكرة القتال ضمن صفوف العصابة الإرهابية.
وتم الدفع به إلى معارك البيضاء قبل أشهر، أثناء احتدام القتال محتدما هناك ، لكن أخباره انقطعت عن عائلته التي يراودها شكوكا كثيرة بمصرعه.
ومع تمنياتها له بالبقاء على قيد الحياة، يدفعها ذلك للاعتقاد باحتمال تعرضه للأسر، أو أنه قد جرح بطريقة تجعله غير قادر على التواصل معها باعتباره وحيدا لا أحد بجانبه يستطيع إبلاغها بالمأساة التي حلت به.

تجنيد إجباري

لكن في حقيقة الأمر لم يكن ما جرى له سوى مثال للعديد من اليمنيين الذين كانوا في طريق عملهم لكسب أرزاق أطفالهم، قبل أن تختطفهم مليشيات الحوثي وتزج بهم في أتون معارك دموية، لا أفق لنهايتها.
في واقعة لا تذهب بعيدا عن مآسي العمال الذين تفرقت بهم السبل، بعد أن فقدوا كل شيء بسبب حرب مليشيات الحوثي العبثية، وذهبوا لطلب الرزق لكنهم ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم وسط معركة ليست معركتهم.
ويقول أقارب أحمد عايش وهو عامل بناء من مديرية الدريهمي الواقعة جنوب محافظة الحديدة، إن “أثره فقد على نحو غريب أثناء تواجده في مدينة ذمار للبحث عن عمل”.
كان ذلك في سبتمبر/أيلول الماضي عندما أخبره أحد قيادات مليشيات الحوثي بضرورة الالتحاق بالدورة الثقافية، عندما زار مجموعة من العمال في بناية كانت قيد الإنشاء.
حاول ذلك الرجل، إقناع “المشرف أو القيادي الحوثي”، بأن لا وقت له يتيح له الدخول في دورات ثقافية، إذ أنه في الواقع يعمل من أجل كسب المال لإطعام أطفاله الجوعى.
لكن نبرات المشرف الحوثي كانت تحمل وعيدا مبطنا وتهما بالعمل لصالح التحالف وهي تهم الهدف منها إرهاب الضحية ودفعه للاستسلام، ورغم إدراك الرجل البالغ من العمر نحو 30 عاما الطريقة الخاطئة التي يمكن أن توصله إلى حافة الموت، قبل على مضض تنفيذ ذلك على أمل العودة بعدها للهدف الذي جاء من أجله.
لكن عناصر مليشيات الحوثي الذين كانوا يديرون الدورة الطائفية، لم يسمحوا له ولرفاقه العشرة بالمغادرة بعد الانتهاء منها، إذ سرعان ما تم أخذهم إلى إحدى جبهات القتال المشتعلة.
لم يعرف مصير الرجل حتى الآن هل ما يزال حيا أم فقد روحه في حرب المليشيات العبثية، وهو الترجيح الذي يعتقد، إذ أن أخباره انقطعت بعدما أبلغ أسرته في آخر اتصال له بأنه “أجبر على الذهاب للقتال، بزعم واجب الدفاع عن الوطن” .
وكعصابة إجرامية تتحاشى المليشيات المدعومة من إيران الحديث عن تلك الجرائم أو الاعتراف بحدوثها وتلتزم الصمت حيال ذلك، مثلما تتعامل مع الجرائم الأخرى التي ترتكبها بحق المدنيين اليمنيين.

ويقول الإعلامي عبدالله عسيلي إن أخذ العمال البسطاء للقتال ليست حالة خاصة في الحديدة، وإنما يسري ذلك على مناطق عديدة في البلاد.
وتابع: “لكن عدم وجود منظمات حقوقية تتولى رصد المفقودين ممن دفعت بهم المليشيات إلى الموت ضمن صفوفها، يعتقد كل أبناء منطقة أو مدينة، أنهم وحدهم من تم خداع أبنائهم واختطافهم”.
يضيف العسيلي أن “مليشيات الحوثي لا يهمها إن كان هذا الرجل عسكريا أم لا، فعناصرها يتولون تدريب المدنيين لأيام محدودة على السلاح الخفيف، وعندما يكونون في جبهات القتال يتم إعطاؤهم منشطات تجعلهم يقاتلون بلا شعور، وهذا ما يفسر تعرضها لخسائر بشرية مهولة”.

زر الذهاب إلى الأعلى