لا أحد يحرّك ساكناً، السياسة أصبحت لعبة “مكاسر” ومساومة، لا يهم من هم ضحاياها وعددهم ومعاناتهم، العملية بالنسبة للاعبين السياسيين تنحصر داخل غرف المفاوضات، أما أثرها وأثر تعطيلها فلم يعد مهما.
المتاجرة بمعاناة البشر وعدّهم أوراق ضغط سمة من سمات اللعبة السياسية، كل ذلك الاستهتار بآلام الناس وموتهم وخسائرهم يتدثر بعناوين لا علاقة لها بواقع الحال، تتخذ من الشعارات الجوفاء غطاء لها، تارة باسم حقوق الإنسان، وتارة باسم المبادئ والقيم الإنسانية.
أكبر شاهد على ذلك لعبة المجتمع الدولي مع النظام الإيراني، ها هو العالم كله يقر بأن إيران هي من يدير الحرب في اليمن ضد المملكة العربية السعودية، وأنها لا تريد إنهاءها.
المبعوثان الأمريكي والأممي الاثنان متفقان على أن إيران هي المسؤولة عن تأجيج الحرب في اليمن، وأنها هي من تحاصر مأرب وهي من تمنع المساعدات الإنسانية، وهي من تتسبب في معاناة ملايين اليمنيين.
وحتى المبعوث الأمريكي ليندركينغ أكد أن إدارة بايدن مصرة على إنهاء الحرب في اليمن، ومثله أكد المبعوث الأممي هانس غروندبيرغ أن اتفاق الرياض هو الحل.
ما الذي ينتظره العالم إذاً؟
ينتظر مزيدا من جولات المفاوضات وكل يوم يموت طفل وتُقتل امرأة ويهلك مُسن.
هناك مساومات لا علاقة لها باليمنيين وما يعانونه، ولا بجوعهم ولا بموتهم ولا بحاجتهم إلى الدواء والغذاء والطاقة، هناك جلسات للمفاوضات تجري في غير موقع في القارة الأوروبية على نجاحها ممكن أن تكون نهاية مأساة اليمنيين، هناك مفاوضات حول أسعار للنفط القابلة للارتفاع، وهناك شتاء صعب ستواجهه الولايات المتحدة، والحل في السعودية كما أقر “بايدن”.
ذلك ما ذكره “بايدن” يوم الخميس الماضي في لقاء متلفز! على اليمنيين أن ينتظروا ما الذي ستفسر عنه لعبة المكاسر الأمريكية حول أسعار النفط حتى يقرروا ما سيفعلونه في اليمن.
أي حتى معاناة الناخب الأمريكي.. ويدعون أنها مسألة مبدأ، هذا المبدأ سقط وقبل الجلوس مع الإيرانيين للتفاوض حول الاتفاق النووي، وهم متيقنون أن النظام الإيراني من أكثر الأنظمة دموية واستبداداً، سواء مع شعبه أو مع دول الجوار، وهو من يقف خلف معاناة العراقيين واليمنيين واللبنانيين والسوريين، والمدنيين السعوديين الذين يستهدفهم الحوثيون بالصواريخ الإيرانية.
دعك من الأقوال والشعارات والمبادئ، التي يكررها المبعوث الأمريكي لليمن، والتي تؤكد الحل السياسي وعدم سماحهم لاستهداف المدنيين، وإدانتهم للأعمال الوحشية التي يرتكبها الحوثيون، ووقوفهم مع حلفائهم و… و… و… فلم تعد كافية لتغطي بشاعة المشهد والمسافة الفاصلة بين الأقوال والأفعال.
الفتق، الذي أحدثه النظام الإيراني في النظام العالمي كله، أكبر من الراتق، حتى فرنسا لم تعد قادرة على مسك الرُّمّانتين مع النظام الإيراني، فاللغة الناعمة، التي تدعو فيها فرنسا إيرانَ للعودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا، يقابلها تعنت ورفض إيراني بعنجهية ممجوجة، وحين عجزت فرنسا عن إقناع الإيرانيين رمت كرة المحاولات على الصين، فقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، آن – كلير لوجاندر، في أثناء مؤتمر صحافي افتراضي عقدته في الأول من أكتوبر/تشرين الأول: “نعول على الصين كي تستخدم الحجج الأكثر إقناعا في حوارها الخاص مع طهران”!!
أما وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، فقال إن الكرة الآن في الملعب الإيراني، لكنها لن تبقى طويلا هناك، وإن الإدارة الأمريكية انخرطت في الحوار بحسن نية مع الإيرانيين! ذلك قيل قبل شهر وما زالت الكرة مسترخية تتثاءب في الملعب الإيراني.
خلاصة القول: على كل ضحايا النظام الإيراني من الشعب الإيراني أو من اليمنيين أو العراقيين أو اللبنانيين أو المدنيين من مواطني دول الخليج الذين تضرروا من التدخلات الإيرانية، أو من المسيّرات المفخخة الإيرانية أن ينتظروا نهاية المفاوضات في فيينا وهي لم تبدأ بعد، وأن ينتظروا الاتفاق على أسعار النفط، وأن ينتظروا موقف النظام الإيراني من الصراع الصيني-الأمريكي، وأن ينتظروا قائمة طويلة أخرى من المصالح لا علاقة لها بنهاية معاناتهم.