مقالات

صفعات الداخل وصفقات النووي

أصدق المواقف تلك التي تأتي عفو الخاطر، رغم كل الخطر الذي يحيط صاحبها من كل اتجاه.
فكيف بمواطن إيراني يتجرأ على أن يصفع شخصية مثل عابدين خرم، الحاكم الجديد لمحافظة أذربيجان الشرقية، شمال إيران، وأحد قادة الحرس الثوري الإيراني، وبحضور أحمد وحيدي، وزير الداخلية الإيراني والقائد السابق لفيلق القدس، مع ما يمثله الاثنان من رمزية تمثيل لرأس نظام الملالي.
إنّ هذه الصفعة، مهما كانت أسبابها ودوافعها، تأتي لتعبّر عن غضب متنامٍ لدى غالبية الشعب الإيراني في الداخل، امتعاضاً من ممارسات نظام الولي الفقيه في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن.
ما من صفعةٍ إلا وتحمل في دلالاتها الكثير من الحنق والاختناق، الذي يحتاج إلى التنفيس، ولو بصفعة، في ظل ما تعيشه إيران داخليا من أزمات سياسية واقتصادية وتحديات عسكرية تستعصي على إيجاد مخارج لها، من مراوحة الهجمات الحوثية في مكانها رغم حشد كل طاقات المليشيات الخارجة عن القانون في اليمن، ومن الحرائق والحوادث الكيماوية المتنقلة في الداخل الإيراني، إلى تصاعد النقمة في لبنان ضد ممارسات “حزب الله” الإرهابي واستقوائه بسلاحه غير الشرعي ودعمه الإيراني، وصولاً إلى الرفض الشعبي ممارسات مليشيات ولائية من أتباع إيران في العراق وتهديداتها بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة، التي أقرت كل الجهات الرقابية بنزاهتها.
إنها مرحلة السقوط والتراجع، التي لا تُبقي لنظام الملالي خياراً سوى الرهان على صفقة الاتفاق النووي لتعويم صورته أمام شعب إيران، بل والانتقال إلى سياسة الجزَرة، في إدراك تام لدى هؤلاء بعجز سياسة الترهيب والتهديد، كأن تقوم إيران مثلا بإيهام اللبنانيين بصدق وعودها في توفير الوقود اللازم لتوليد الكهرباء في بلدهم، أو بقيامها بالأمر نفسه في العراق، رغم ما تقوم به من سرقة مقوّمات الحياة وتغيير مسارات الأنهار العراقية، التي تنبع من أرضها في مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي.
هنا يجب التوقف أمام حقيقة أن إيران اليوم لم توفّر جهدا لإيجاد مصادر مالية متنوعة طوال فترة انتظارها الاتفاق النووي المرجو لإنقاذها وإخراجها من عنق الزجاجة، الذي وضعها به موقف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحازم ضد طهران وسلوكها العدواني في المنطقة.
فهذه الدولة، وعلى مرأى من البشرية جمعاء، باتت مصدر زعزعة لاستقرار المنطقة والعالم، فهي مثلا ممر لتجارة المخدرات وصولاً إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بهدف تصديره إلى أوروبا وأمريكا، كما كانت راعية لأنشطة مليشيات في زراعة حشيشة القنب وصناعة حبوب الكبتاغون المخدرة، في الوقت الذي يرتفع فيه معدل الوفيات الناجمة عن إدمان المواد المخدرة في إيران إلى أكثر من 23%، بحسب أرقام جديدة رصدتها منظمة الطب الشرعي الإيراني مؤخراً، علاوة على نشاطها في جرائم غسل الأموال وغيرها من الجرائم، التي تقع غالباً في أماكن تعبث باستقرارها مليشيات الحرس الثوري الإيراني وأذرعه.

زر الذهاب إلى الأعلى