اخبار الشرعيهاخبار المقاومةالحوثي جماعة ارهابيةالرئيسيةانتهاكات المليشياتتعزتقاريرمحليات

تعز.. كيف حوّل حصار الحوثي الدقائق إلى ساعات من العذاب؟

يمن الغد – توفيق علي:
بدلاً من قطع المسافة من منطقة الحوبان، المنفذ الشرقي لمدينة تعز اليمنية، إلى وسطها خلال 15 دقيقة، يحتاج أبناء المحافظة (وسط البلاد) إلى نحو ثماني ساعات للوصول إلى الوجهة نفسها في المدينة الكبيرة التي تضم ملايين السكان، ما تسبب في تداعيات إنسانية فادحة على المدنيين وخصوصاً المرضى.
هذا ما يمكن وصفه ببساطة واختزال لواحدة من تداعيات الحصار المطبق على تعز منذ سيطرة مليشيا الحوثي على أجزائها الشرقية بداية عام 2015.
الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي جاء على إثر المعارك العنيفة التي شهدتها ثالث أكبر مدينة في البلاد، عقب عمليات عسكرية شنتها قوات الجيش والمقاومة الشعبية ضد مسلحي الجماعة التي كانت تسيطر على بعض مناطقها، قبل أن يتم تحريرها في وقت لاحق من قبل القوات الحكومية.

مكابدات إنسانية

هذا الحصار الذي حول أكبر مدينة إلى سجن كبير، تسبب في مأساة إنسانية حقيقية بعد أن ساءت الأوضاع المعيشية والصحية، خصوصاً مع منع دخول المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى المدينة المكتظة بمئات الآلاف من الفقراء والمعدمين، على الرغم من نجاح القوات الحكومية في أغسطس (آب) 2016، في كسر الحصار جزئياً، من الجهة الجنوبية الغربية، وتأمينها الطرق التي تربط تعز بالمحافظات الجنوبية، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن.

الدقائق تتحول إلى ساعات من العذاب

كان اليمنيون القادمون إلى مدينة تعز من المحافظات الشمالية، يصلون إلى منطقة الحوبان شرق المدينة، ومن ثم ينتقلون خلال 15 دقيقة إلى قلبها.
لكن بعد فرض الحصار الذي فرضته جماعة الحوثي، يضطر المواطنون إلى اتخاذ طرق وعرة بديلة وخطرة من أجل الوصول إلى تعز، تمر بمنطقة الحوبان وحتى منطقة دمنة خدير، ومن ثم المرور في قرى نائية جنوبي المحافظة، ثم الوصول إلى وسط المدينة.
وفي بعض الأحيان تتضاعف المدة بسبب ظروف الطقس والمناخ، التي تتسبب في العديد من الحوادث المرورية المروعة، فضلاً عن الخسائر المادية التي يتكبدها المسافرون، حيث يدفعون أجرة نقل أعلى بستة أضعاف مما كانوا يدفعونه قبل الحصار.
الحالة نفسها تتكرر مع من يقرر السفر إلى المحافظات الجنوبية والعاصمة المؤقتة عدن. إذ يضطر لسلوك طرق جبلية وعرة غير ممهدة تستغرق نحو ثماني ساعات وربما أكثر، بعد أن كانت مدة الوصول إليها قبل الحصار لا تزيد على ساعتين.

الجنوب لا يكفي

وعلى الرغم من فتح المنفذ الجنوبي للمحافظة، فإن المليشيا استمرت حتى اليوم في غلق بقية المنافذ، وأهمها المنفذ الحيوي الأكبر الواقع في ناحيتها الشرقية، الذي يربط المدينة بمنطقة الحوبان، ويصل إلى المحافظات الشمالية بما في ذلك مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرتها.
وتعد محافظة تعز، من أكبر المحافظات اليمنية سكاناً، وتقع 60 في المئة من أراضيها تحت سيطرة الحكومة الشرعية، بما في ذلك مركزها، فيما تسيطر المليشيات الحوثية على 40 في المئة منها و70 في المئة من الإيرادات، كونها تجبي كثيراً من الضرائب من عشرات مصانع المواد الغذائية والاستهلاكية الواقعة في منطقة الحوبان، التي تملكها مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية الأهلية، أكبر مجموعة تجارية في اليمن.

أبشع انتهاك

السلطة المحلية والمواطنون يتهمون ميليشيا الحوثي بخنق المدينة وقتل وجرح آلاف المدنيين في عمليات قصف صاروخي ومدفعي مستمر وعمليات قنص تستهدف المدنيين، فضلاً عن رفضها فك الحصار عنها، فيما ينفي الحوثيون كل هذه الجرائم.
يقول مدير البحوث في ديوان عام محافظة تعز، عزيز السامعي، إن الحصار واحد من أبشع الانتهاكات الإنسانية لانقلاب مليشيا الحوثي على الدولة، وهو ملف مفتوح منذ نحو سبع سنوات، نتيجة تعنت المليشيات، وتجاهل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمأساة الأهالي.

إخفاق الوساطات

عن الجهود الرسمية والأهلية لفك الحصار عن مدينة تعز، أكد السامعي أن كافة الوساطات المحلية فشلت في إقناع مليشيا الحوثي بإنهائه.
ويتحدث عن محاولات عدة سعت إلى فتح الطرق الرئيسة والسماح لقوافل الإغاثة الإنسانية بالعبور، لكنها اصطدمت في كل مرة برفض الحوثيين في اللحظات الأخيرة، فضلاً عن شروطهم التي تهدف إلى استعادة السيطرة العسكرية على كامل المدينة.
السامعي تطرق إلى المساعي الدولية والأممية الرامية لفك طرقات المدينة، وقال إنه “على الرغم من تعاقب المبعوثين إلى اليمن، فإن الحصار استمر، وهو انعكاس لفشل أممي ذريع في إنهاء المأساة بشكل عام، وإيقاف الحرب اليمنية التي دخلت عامها السابع من دون حلول تلوح في الأفق”.

صور قنص الأطفال

مأساة تعز كانت حاضرة في مختلف الفعاليات والمنتديات الدولية التي تنادي بالنظر إليها والضغط لضخ شرايين الحياة في عروق “محافظة السياسة والمثقفين”. ففي يونيو (حزيران) الماضي، قال المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث في إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي “في مدينة تعز العريقة، يرزح المواطنون تحت وطأة الحرب منذ ست سنوات عجاف، ورأينا العديد من الصحافيين الذين قاموا بتغطية الوضع هناك… القنص على الأطفال هو من الصور التي تراودني غالباً، وأنا متأكد أنها تراودنا جميعاً، وتسبب لنا الصدمة”.
وأضاف “لقد عانى هؤلاء الناس من القصف المستمر على منازلهم ومدارسهم ومن صعوبة في الوصول إلى مدارسهم ومن الألغام على طريق مدارسهم ودور عبادتهم والمعوقات الكبيرة للوصول إلى أماكن عملهم لتأمين حاجات عائلاتهم الأبسط”.
وشدد غريفيث على أنه “لا ينبغي أن يعيش أي أحد في ظل ظروف كهذه. ومن المخجل لنا جميعاً ألا يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ستوكهولم حول تعز قد أتى بنتائج”.

الحوثي لا يسمع الاستغاثة

يقول الناشط الحقوقي اليمني، باسم العبسي، إن حصار تعز جريمة حرب تقود مرتكبيها إلى المحاكم الدولية، موضحاً أنه تسبب في وفاة العديد من السكان الذين فقدوا حياتهم في سفرهم بالطرق الوعرة، وهم يبحثون عن العلاج في المدينة المخنوقة من الحوثيين.

كما أدى الحصار، وفقاً للعبسي، إلى ارتفاع حاد في أسعار مختلف المواد وفقدان بعض المواد الحيوية، بسبب كلفة النقل الكبيرة مقارنة بالسابق.
ويخلص إلى أن ما تعانيه تعز بعيد عن كل معاني الإنسانية ومخالف لكل القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، لذا يفترض أن يكون هناك تحرك دولي أممي فعال وعاجل لإنهاء مأساة الحصار كي يعيش أبناء المدينة في أمان بعيداً عن المأساة الإنسانية المستمرة.

الغلاء قضية أخرى

ارتفعت الأسعار في المحافظة المحاصرة، نتيجة الزيادة الكبيرة في أجور النقل والتوزيع لمختلف المواد الغذائية والاستهلاكية الواصلة إليها.
ويوضح فادي الشرعبي، وهو تاجر تجزئة، أن الناقلات التي تحمل البضائع من ميناء الحديدة (غرب)، أو ميناء عدن (جنوب)، كانت تمر قبل الحصار عبر المنفذ الشرقي، ولكنها تضطر اليوم لسلوك المنفذ الجنوبي الغربي الذي يستغرق قطعه ساعات طويلة تصل أحياناً إلى أيام، وهو يتطلب ناقلات من نوع خاص تتناسب مع وعورة الطرق الجبلية.
ووفقاً للشرعبي، نتج عن ذلك ارتفاع كبير جداً في أجور النقل، يجري تغطيته بأسعار المواد الغذائية المقدمة للمواطنين الذين يعيش أغلبهم تحت خط الفقر، وهو ما فاقم الأحوال الإنسانية الصعبة.

ألم على مرض

إلى جانب الغلاء الكبير في الأسعار، وصلت معاناة الحصار إلى غالبية مرضى المحافظة، خصوصاً المصابين بالأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوي والسكر وجرحى الحرب وغيرهم.
ويؤكد، نبيل الحمادي، أن الآلاف ممن يسكنون في ريف تعز يتلقون علاجهم في المدينة، كما هو حال شقيقته التي تعاني من فشل كلوي. ولهذا يتعرضون لضرر فادح صحياً ونفسياً، فضلاً عن ظروفهم المادية الصعبة وصعوبة سفرهم المتكرر لساعات طويلة من وإلى المدينة.

تفاهمات ستوكهولم

وفي مسعى دولي لإيجاد معالجات فعلية لهذه المأساة الإنسانية، وقعت الحكومة اليمنية في العاصمة السويدية اتفاق ستوكهولم في ديسمبر (كانون الأول) 2018، تضمن بنوداً إنسانية حيوية، من بينها “تفاهمات” بشأن فك الحصار عن المدينة.
وحينها، اتفق الطرفان على تشكيل لجنتين من الحكومة والحوثيين، مهمتها النقاش حول آلية لحل الوضع الإنساني في تعز، وعودة الأوضاع إلى ما قبل الحصار، غير أنها لم تعقد حتى اجتماعاً واحداً.

احتجاجات متكررة

نتج عن هذا التعثر، الذي فاقم الأحوال المعيشية المروعة، احتجاجات شعبية شهدتها المحافظة نددت باستمرار الحصار.
إضافة إلى ذلك، نفذ ناشطون حملات إلكترونية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نشروا خلالها صوراً تجسد المعاناة جراء الحصار، مطالبين بضغط أممي أكثر جدية على الحوثيين لفك الحصار.
وتشهد اليمن منذ نحو سبع سنوات، حرباً عنيفة سببها انقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة، الذي أدى إلى مقتل نحو 250 ألف شخص وجرح مئات الآلاف، فيما بات 80 في المئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى