لم تكن المسألة بحاجة إلى اعتراف “الشرعية” نفسها مؤخراً بفشلها (فشلا ذريعا على مختلف الجوانب: سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا، وعلى كافة المستويات: محليا وإقليميا ودولياً).
كان كل شيء واضحاً سلفاً. منذ سنوات، وبأكثر مما يكفي لدفع المكونات الوطنية المتشظية في اليمن للاعتراف بخسارة رهاناتها على حكومة الشرعية والمجتمع الدولي في إسقاط الانقلاب.
هذا الاعتراف كان وما زال مهما للغاية بالنسبة لهذه القوى للتعاطي مع الواقع بموضوعية، والمفاضلة بين الخيارات المتاحة للقيام بمسئولياتها الأخلاقية، وفي كل حال. لم يعد أمام هذه المكونات اليوم غير خيارين لا ثالث لهما:
- أما التفاهم مع الجماعة الحوثية. بمعنى: الاستسلام لها وتسليمها السلاح ومناطق السيطرة، والدخول في بيت الطاعة.
- أو تفاهم هذه المكونات فيما بينها، كمحاولة أخيرة، في الوقت الضائع، للشراكة الوطنية وتوحيد الصف الجمهوري.
الخيار الأول أسهل. إذ لا يتطلب من قيادات هذه الكيانات والمكونات الوطنية غير الاتصال بأي قيادي في الجماعة الحوثية، والطلب منه التوسط لدى السيد لإصدار عفو عام.
بينما الخيار الثاني. صعب ومعقد. لأنه يتطلب من بعض هذه المكونات، مراجعة النفس، وإعادة النظر في رؤاها ومواقفها وخطاباتها من بعضها طوال عشرة أعوام من الثورة والمقاومة.
التصالح مع الحوثي أسهل بكثير على بعض هذه المكونات من هذه المراجعة:
- شرائح يسارية كثيرة ما زالت تفكر بطريقة ثورية، وترى مثلا. في “قوات الساحل الغربي” التي تقاتل معهم في نفس الخندق. عدوا. وجوديا.. فقط لأن قائدها “طارق صالح” له علاقة بزعيم النظام القديم.!
الإخوان من جهتهم -بافتراض أنهم من المكونات الوطنية- حالة خاصة من الاستعداء والحقد وفجور الخصومة بغباء لدرجة الانتحار:
هؤلاء الناس خسروا نهم والجوف لصالح الحوثي من أجل انتزاع عدن وأبين من يد “المجلس الانتقالي”، ومؤخرا سلموا مناطق شاسعة من شبوة للحوثي، وتوجهوا بالشتائم لمن يسمونهم “العفافيش”.!
لم يقبلوا حتى بشركائهم في الثورة والمقاومة من اليسار والسلف والمستقلين.. بل “طربلوا” خطوط النار بينهم وبين الحوثي، في معظم الجبهات، وأشعلوا نار الحرب والتناحر بين مكونات المقاومة!
لم يبق من محافظة مأرب سوى مديريتين على وشك السقوط، بينما يحتفل هؤلاء اليوم بخبر محرف عن سقوط مناطق من “الساحل الغربي” بيد الحوثيين.!
هل يمكن لمثل هذه الكيانات المؤثرة المحسوبة على الشرعية، والتي تتخادم مع الحوثي بوعي أو بدون وعي. أن تتخلص من أحقادها التاريخية وتتنازل عن مشاريعها الانتهازية الصغيرة لصالح الوطن والشراكة والصف الجمهوري.؟!
يمكن.. لكن بين بعض القوى والمكونات الوطنية لا غير، في حين لا يمكن لبعض المكونات الأخرى أن تنخرط في هذه الشراكة إلا مضطرة في حالة ضعف وانكسار أو للحصول على مكاسب وامتيازات خاصة.
في الأخير. لا وقت للمزيد من الصراعات والمناكفات البينية، بين هذه القوى، إذا لم يعترف ويعتبر الجميع بالفشل والهزائم المتلاحقة حتى الآن، وتتغير العملية بشكل جذري وشامل، فالأسوأ قادم. الحوثي متربص بالجميع، وحسب مقولة “مارتن لوثر كنج”:
“يجب إما أن نتعلم كيف نعيش معا كإخوة، أو سنهلك جميعا كأغبياء”.