مقالات

تأثير الحروب والصراعات على النساء في المنطقة العربية

الحرب هي الحرب في كل مكان والصراع هو نفسه الصراع وإن اختلفت الأماكن الجغرافية والأدوات، إلا أنه يشمل الجميع دون استثناء، لكن تأثيره على النساء والأطفال أكثر حدة، أولاً لكونهم بشر يعيشون في مناطق الصراع، وثانيا لكون النساء نساء وأقصد هنا بنوعها الجندري، بينما الأطفال باعتبارهم الفئة الأضعف.
بالمختصر كأن جميع أطراف النزاع المختلفة سياسياً في كل مكان اتفقوا على شيء واحد؛ وهو تهميش وقمع وإقصاء واستغلال النساء.
في الحقيقة تلعب الحروب والصراعات بشكل كبير في تغيير الأدوار النمطية الاجتماعية والاقتصادية للنساء، ولكن هذا التغيير لا يأتي ضمن حراك مجتمعي، بل هو تغيير اجباري وضعت فيه النساء نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية الناتجة عن الصراع، تغيير الأدوار عملت على إضافة أعباء جديدة بالإضافة إلى الأعباء السابقة التي على عاتقها في المنزل، حيث أصبحت المرأة هي المُعيل الوحيد للأسرة نتيجة مقتل الزوج أو اختطاف الأب أو ذهاب الرجال بشكل عام إلى جبهات القتال، فالحروب هي زمن الرجال بجدارة، فتجبر النساء على القيام بأعمال خطيرة قد تؤثر على سلامتها البدنية كما قد تؤثر على هُويتها وحرية تنقلها، ينتج عن ذلك تأثير نفسي ناجم عن شعور عدم الأمان خصوصا للنساء اللواتي لا يعرفنّ مصير أزوجهنّ، أو من فقدنّ أحبائهن، فضلاً عن ذلك الآثار النفسية والاجتماعية بعيدة المدى على تنشئة الأطفال دون وجود أب.
خلال فترة النزاعات يزداد العنف الموجه ضد النساء و تزداد معه جرائم الانتهاكات أكثر، من بين تلك الجرائم القتل على خلفية ما يسمى بجرائم الشرف، والتي ارتفعت بشكل كبير خلال فترة الصراع خصوصا في المناطق التي تلتزم بالأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تتبع النظام القبلي، وذلك بسبب غياب الأمن وعدم تفعيل دور المؤسسات القضائية، فخلال يناير من العام ٢٠٢٠ إلى فبراير ٢٠٢١ م رصد سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما لا يقل عن ٢٤ حادثة قتل فتيات على يد أقارب لهن بحجة تطهير الشرف، أبرز تلك الجرائم هي قضية قتل فتاة الحسكة في يوليو الماضي، التي قُتلت بشكل بشع على يد أقاربها بحجة رفضها الزواج من ابن عمها بحسب ما تداوله ناشطون سوريون وقتها أثناء تداول مقطع قتلها رمياً بالرصاص على رأسها.
أيضا الطفلة اليمنية مآب ابنة العشر سنوات والتي قُتلت على يد أبيها بحجة غسل العار في ديسمبر ٢٠١٤، بعد أن أطلق عليها الرصاص رمى بجثتها من على منحدر جبلي، قبل ذلك تم تعذيبها بشكل وصفه الشهود بالمخيف والوحشي ووثق ذلك التعذيب عمها في فيديو نشر وقتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليست وحدها مآب ضحية لمثل هكذا اعتقاد فقد قتلت أيضا الطفلة اليمنية إصباح مهدي في فبراير٢٠٢٠ و التي تم تجريعها السم بعد أن تم تعذيبها لثلاثة أيام متواصلة من قبل إخوتها، كذلك لا يمكن نسيان سميحة الأسدي التي قتلت في أبريل من العام ٢٠١٨ من قبل أخوها داخل محكمة غرب أمانة العاصمة اليمنية صنعاء، أمام القاضي دون أي اعتبار للمكان، و كأن القاتل يستمد قوته من القانون نفسه، و ذلك لأنها طالبت نقل الوصاية للقاضي، بعد أن رفضت عائلتها تزويجها مرة أخرى حيث إنها امرأة مطلقة وأم لطفلين كانت تعاني من التعنيف من قبلهم.
أما بالنسبة للحديث عن النساء المعتقلات و السجينات أو المختطفات كذلك الأطفال في السجون النظامية أو سجون الجماعات المسلحة فهي توحي بأرقام كارثية، وتزايد بشكل مخيف خلال فترة الصراع على غير العادة خلال فترة السلم. ففي اليمن هناك أكثر من ١١٨١ امرأة في سجون جماعة الحوثي بحسب رصد تحالف نساء من أجل السلام تعرضنّ لمختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، والاغتصاب، وهناك من تم تجنيدهنّ قسراً لأجل الإيقاع بالخصوم.
لم تشهد اليمن مثل هكذا أرقام مخيفة وكارثية للنساء في السجون قبل انقلاب ٢٠١٤، ولم يكن هناك اعتقال وتوقيف للنساء على خلفية الآراء السياسية سوى مرتين، المرة الأولى عام ٢٠١١ حيث تم اعتقال الناشطة اليمنية توكل كرمان لمدة ٧٢ ساعة، وفي عام ٢٠١٤ الناشطة الحقوقية نورا الجروي التي تم توقيفها لمدة نصف يوم في مكتب وزير الدفاع، كما أن هناك عائلات بما فيها نساء واطفال ممن ينتموا لقيادات في الحكومة الشرعية اليمنية مسجونين لدي جماعة الحوثي وذلك كي يتم المقايضة بهم.
في سوريا لا أحد يستطيع أن يجزم عن عدد السجينات في سجون النظام لكن هناك الألاف من النساء مع أطفالهن بحسب شهادات ناجيات. كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأن هناك أكثر من ٦٥٨٠ معتقلة من بينهن حوالي ٢٢٥ حالة دون سن الثامنة عشر، فضلا عن وجود العديد من المعتقلين والأسرى في السجون النظامية، أو سجون الجماعات المسلحة المختلفة ممن كانوا مشاركين كمقاتلين مع مختلف أطراف الصراع في كلٍ من ليبيا وسوريا واليمن، ولكن لا توجد احصائيات دقيقة أو حتى نسبية بأعدادهم.
وفي ظل توسع رقعة المعارك و استمرار أمد الحرب يصبح هناك احتياج كبير في إعداد الأطفال المقاتلين كونهم أقل تكلفة و اكثر استجابة للأوامر، ويعتبر تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات أحد أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحسب اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
هدم واغلاق المدارس وتحويلها إلى ثكنات وأهداف عسكرية من مختلف أطراف النزاع تعد واحده من أهم أسباب تسرب الأطفال من المدارس وتسهل من عملية استقطابهم كمقاتلين من قبل المليشيات المسلحة، كذلك سوء الوضع الاقتصادي و تدهور العملة سهل على تجار الحروب من استخدامهم كأدوات قتل مقابل مبالغ زهيدة، في اليمن هناك أكثر من ٣٥ ألف طفل جندتهم جماعة الحوثي منذ ٢٠١٤، بحسب نائب مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة ١٧% منهم دون سن ١١ عاماً.
وتقدر اليونيسف أن هناك ٢٩ ألف طفلاً في مخيمات سوريا معظمهم ممن تقل أعمارهم عن ١٢ سنة، ولد أغلبهم في مناطق النزاع التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، جزء كبير منهم مقاتلين مع التنظيم، وجزء آخر أبناء مقاتلين التنظيم، لم يتم الاعتراف بهويتهم الأصلية أو منحهم حتى جنسية المكان الذي نزحوا إليه، كما يعانون من الوصم المجتمعي.
كما أن هناك أكثر من مليون طفل يمني يعملون تحت ظروف قاسية وصعبة ولساعات طويلة مقابل أجر زهيد في اليمن بحسب منظمة العمل الدولية.
يزداد عدد زواج القاصرات خلال الحرب بنسب مضاعفة عن فترات الاستقرار خصوصاً في المناطق التي تستضيف أعداد أكثر من النازحين، ففي محافظات الحديدة وإب وحجة اليمنية بحسب تقرير السيداو تم تزويج ٧٢% من الفتيات وهنّ دون سن ١٨ و ٢٤% دون سن ١٥، ويعود ذلك إلى أسباب مختلفة منها الفقر والبطالة، تزايد الطلب على الحاجات المختلفة مع تراجع مدخول العائلات، وبسبب الصراع أيضا فقد يلجأ أولياء الأمور إلى التخلص من بناتهم بتزويجهنّ مبكرا معتقدين أن ذلك جزء من توفير الحماية والأمان لهنّ.
وفي سوريا بحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق عام ٢٠١٩ فإن نسبة زواج القاصرات قبل الحرب كانت لا تتجاوز ٣%، بينما ارتفعت النسبة وقت تصريحه إلى أكثر من ١٣%، مما يؤدي إلى تزايد نسبة وفيات الأطفال الرضع والأمهات الحوامل بسبب الزواج المبكر والحمل المتكرر، وذلك بسبب محدودية الوصول لخدمات الرعاية وتنظيم الأسرة خاصة في المناطق الريفية ومناطق النزاع ومخيمات النازحين، وفي اليمن منعت جماعة الحوثي النساء من استخدام وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة وصادرت كل الموانع من العيادات والصيدليات. كما منعت المنظمات المعنية بذلك من القيام بعملها في نظرة دونية للنساء والتحكم بحرية الإنجاب، باعتبار النساء مجرد آلات انتاج مقاتلين المستقبل.
في كل العالم غالبية النازحين هم النساء والأطفال وذلك بسبب عدم شعورهم بالأمان لذلك هم أكثر فئتين تهرب من أماكن الصراع، لكن ينجم عن ذلك الكثير من التحديات أمام نزوحهم، الكثير من الأطفال والنساء يتعرضوا للاستغلال و الابتزاز في المجتمعات التي نزحوا إليها، كما يصعب عليهم سهولة التأقلم والتكيف مع عادات و تقاليد تلك المجتمعات، وهناك نساء لاجئات يقبلنّ بالعمل لمدة طويلة في أعمال غير تخصصهن مقابل أجور زهيدة ودون تأمين صحي، ومنهنّ من قبلن الزواج دون حقوق أو حتى تسجيل قانوني، و أخريات يتعرضن للتحرش والمضايقات و الاستغلال الجنسي مقابل توفير المأكل والمسكن للأسرة.
إضافة الى ذلك ينشأ الأطفال النازحون بعيداً عن آبائهم في بيئة مغايرة لبيئتهم التي آلفوها في ظل ضغوطات مختلفة يتعرضون لها، نتيجة النزوح المستمر وعدم شعورهم بالاستقرار، وهذا ينذر بكارثة حقيقية على المدى البعيد على نفسية هؤلاء الأطفال الذين سيكونون شباب الغد ولا ينشأون في بيئة مستقرة و آمنة.


*ورقة مقدمة في المؤتمر العالمي للعدالة مع الطفل.

زر الذهاب إلى الأعلى