هزت سلسلة انفجارات وصفت بالعنيفة مواقع متفرقة في العاصمة اليمنية صنعاء، وفقا لمصادر إعلامية وشهود عيان أكدوا تعرض مواقع حوثية لضربات جوية، تلاها اشتعال النيران في مخازن يعتقد أن المتمردين استخدموها لإخفاء الأسلحة في المناطق الآهلة بالسكان، في وقت تقول فيه مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” إن التحالف العربي الذي تقوده السعودية حصل على ضوء أخضر من واشنطن لتحجيم الحوثيين عسكريا وإجبارهم على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وقال التحالف في بيان إنه شن ضربات جوية على “أهداف عسكرية مشروعة” في صنعاء. ووصف مواقع الصواريخ الباليستية بأنها “سرية” استخدمت المستشفيات والمنظمات والمدنيين دروعا بشرية. وقال إنه تم تدمير موقع “عالي القيمة”، ومحذرا المدنيين من التجمع أو الاقتراب من المواقع المستهدفة.
ووصفت المصادر الهجمات الجوية بأنها الأعنف منذ عام على الأقل، وقد جاءت في إطار تصعيد عسكري وسياسي غير مسبوق يشهده الملف اليمني، وأرجعت ذلك إلى انسداد آفاق الحل وتعثر الجهود الأميركية والأممية لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية نتيجة التعنت الحوثي وإصرار الميليشيات المدعومة من إيران على اجتياح مدينة مأرب الاستراتيجية شرق صنعاء.
وكان الحوثيون قد أعلنوا عن شن هجوم انتقامي على مواقع حيوية واقتصادية في السعودية من بينها مطارات ومراكز إنتاج تابعة لشركة أرامكو السعودية، غير أن مصادر مطلعة قللت من فاعلية الهجمات الحوثية التي كانت تستخدم عادة كوسيلة للضغط والابتزاز السياسي، نتيجة لما يعتقد أنه دخول منظومات دفاع جوي جديدة قادرة على التصدي للطائرات المسيرة الحوثية وتراكم الخبرات لدى التحالف العربي في التصدي لمثل تلك الهجمات.
وبثت وسائل إعلام سعودية، قبل أيام فيديو يظهر قيام الحوثيين بإجراء اختبارات على أسلحة دفاع جوي في مطار صنعاء الدولي، ومحاكاة تلك الأسلحة على طائرات تابعة للأمم المتحدة تهبط وتقلع في مدرج المطار، في إطار مساع حوثية بدأت منذ العام 2015 لتحييد طيران التحالف الذي تمكن في الساعات الأولى من إعلان عاصفة الحزم في اليمن في مارس 2015 من تدمير كل منظومات الدفاع الجوي التابعة للجيش اليمني السابق.
وربط مراقبون سياسيون وعسكريون بين التصعيد العسكري والسياسي في الملف اليمني وبين التغيرات التي طرأت في خطاب المجتمع الدولي، الذي بات أكثر قناعة بعدم جدوى التنازلات أمام الجماعة الحوثية التي رفضت كل مقترحات السلام التي تقدم بها المبعوثان الأميركي والأممي وكذلك الوساطة العمانية والتي لم تسفر كلها عن أي تنازلات حوثية.
ولا يستبعد المراقبون أن تكون العمليات العسكرية التي شهدها الساحل الغربي لليمن، واستئناف العمليات الجوية للتحالف العربي، قد جاءت بضوء أخضر دولي، وخاصة من الولايات المتحدة، نتيجة حالة الإحباط التي فاقمها التصلب الحوثي والإصرار على استكمال المشروع العسكري للجماعة بعيدا عن كل التأثيرات الإقليمية والدولية.
ومع تمكن الجيش الوطني اليمني ورجال القبائل بإسناد من التحالف العربي من إيقاف تقدم الحوثيين باتجاه مركز مدينة مأرب، تمكنت القوات المشتركة في الساحل الغربي من تحقيق انتصارات ميدانية لافتة، بعد تحررها من قيود اتفاق السويد الخاص بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف وراس عيسى.
وتمكنت هذه القوات من تحرير مناطق واسعة جنوب الحديدة، امتدت إلى محافظة تعز، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر عسكرية مطلعة لـ”العرب” فشل الحوثيين في احتواء الهجوم المباغت، نتيجة تركيز معظم قواتهم على خطوط التماس السابقة التي رسمها اتفاق السويد أو جبهات محافظة مأرب.
وفي تصريح لـ”العرب” أشار الباحث العسكري اليمني وضاح العوبلي إلى ضرورة تزامن التحرك العسكري من أكثر من جبهة بالتزامن مع التحرك الأخير والمستمر للقوات المشتركة في الساحل الغربي، والتي تعمقت إلى مناطق عدة غربي تعز وعلى التخوم الغربية لمحافظة إب الاستراتيجية.
وأضاف “من الضروري أن تفكر قيادة التحالف في دعم تنفيذ عمليات عسكرية تتجاوز التحرك العسكري ‘التكتيكي’ وتطويره إلى تحرك ‘استراتيجي’ يكون له الأثر الفعلي في إعادة توزيع مناطق السيطرة، وتغيير الموازين العسكرية التي ظلت متذبذبة طوال الأعوام الماضية وذهبت في أوقات عدة لصالح الحوثي، وهو ما يجب أن يتغير الآن، وأعتقد أن هناك فرصة كبيرة لإحداث هذا التحول في هذا التوقيت”.
وقال العوبلي “هناك إمكانيات وفرص متاحة وغض طرف دولي ‘ظرفي ومؤقت’ في هذه الفترة، وهو ما لا يمكن أن يتكرر، وقد بدأت بوادر هذه الممكنات تلوح في الأفق، وفي طليعتها عودة العمليات الجوية النشطة والفاعلة للتحالف العربي لتدمير قدرات الحوثيين في العاصمة صنعاء وهو ما انقطع منذ ثلاث سنوات تقريبا إلا في النادر”.
ويجمع مراقبون على أن الملف اليمني يمر بمنعطف حاسم على الصعيدين السياسي والعسكري في ظل تزايد الحراك الدولي الرامي، لإيجاد حل لهذا الملف وإيقاف الحرب التي دخلت عامها السابع وساهمت في رفع التوتر الإقليمي.
ويرى العوبلي أن إنجاز تحولات حقيقية على الأرض يتطلب الانتقال إلى مرحلة عسكرية استراتيجية من قبل التحالف والحكومة المعترف بها دوليا، “تتناغم فيها القوات والجبهات لتنفيذ عمليات عسكرية في جبهات ومسارح تتيح تقطيع أوصال الميليشيات الحوثية، وتعزلها عن بعضها في مربعات منفصلة ومحصورة ضمن ما تبقى من الجغرافيا المحتلة من أدوات إيران، وهو ما سيفضي إلى تحرير ناجز وسريع يعيد جماعة الحوثي إلى حجمها الطبيعي”.