كل العيون مفتوحة على مأرب والساحل الغربي حيث دخان الحرب يملأ السماء.
وكل الآذان مفتوحة عليهما هناك حيث ضجيج الحرب ودويها.
لكن قليلاً من العيون ترى السحب الشاردة تساق بسياط الرياح في سماء شبوه وقليلاً من الآذان تسمع الأصوات الباحثة عن مانعة الصواعق هناك في المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي.
في شبوه أكثر من مأرب سوف تتعين نتيجة الحرب.
وحتى وقت قريب كان تقديري أن الحوثي سوف يتوجه بعد مأرب إلى الساحل الغربي.
لكن تطورات الحوادث جعلتني أعيد التقدير وأرجح أن شبوة لن تغيب عن خاطره ولن تخرج من حسابه.
وقد يكون وراء هذا الترجيح التحركات الأخيرة للقوات الحكومية التي تتشكل من قيادات إخوانية وجنود من لفيف الشعب وعامته.
سأقول قبل أن أفرد الشراع على بحر الحقيقة إن حزب الاصلاح _ الإخوان المسلمين _ كان الدليل والمرشد للحوثي والمؤمن لطريقه من صعدة إلى آخر حدود اليمن الغربية والجنوبية والشرقية قبل أن يرتد إلى الحواف التي يقف عليها الآن.
في الظاهر تبدو العداوة شديدة والصراع محتداً بين الإخوان المسلمين والجماعة الحوثية لكنها تحت المياه الطافية تتأكد العلاقة الحميمية ويتبين أن العناق وليس الصدام هو الرابط الوثيق.
حتى نفهم العلاقة بين الحوثي والإخوان يتعين النظر إلى علاقة قطر بإيران ذلك أن الظلال تتحرك وراء أصولها.
وخلال الحروب الستة بين حكومة صنعاء والمتمردين في صعدة تطوعت قطر بالتوسط.
وقطر لم تكن في أي وقت وسيط سلام بل كانت دائماً مركز مؤامرات.
مؤامرات لا تصنعها لحسابها وإنما تخدم بها غيرها.
وليس يمنعها أن تكون المستفيد أمريكا أو اسرائيل أو إيران فهي تخدمهم كلهم وأكثر منهم وتدفع من خزائنها كما لو أن متعتها جرح الأوطان وهز كياناتها.
ويوم ظهرت قطر وسيطاً يطفئ الحريق في اليمن فيما ادعت فقد كانت في واقع الأمر تصب الزيت في النار من خلال تغذية أرصدة الحوثي بالأموال والأسلحة.
كانت قطر تؤدي دوراً لمصلحة إيران.. عرفنا هذا من بعد.
ومن غير أن نتوقف عند تمويل أنشطة ما عرف بالربيع العربي فقد كانت تنفذ برنامج المهندسين الكبيرين، البريطاني “برنارد لويس” والفرنسي “هنري ليفي”.
لا بأس من القيام بخطوة قصيرة إلى التحاق قطر بالتحالف الداعم للشرعية في اليمن الذي افتتح الحرب في مارس 2015، ثم انشقاقها وخروجها في موقف ألقى بركام من الشكوك حول إمكانية استمرار التحالف متيناً وقوياً.
هنالك قاطعت دول الخليج قطر وانفتحت أبواب إيران للدولة الصغيرة ومعها انفتحت جيوبها وأشداقها.
وكما أن الظل يتبع الأصل فقد رأينا عبد الوهاب الآنسي يترأس وفداً من الإصلاح لزيارة عبد الملك الحوثي في مخبئه.
ثم أطلق قادة الإصلاح التصريحات تلو التصريحات التي تبارك أعمال الحوثي.
بعد ذلك جلس الإصلاح والذين معه جوار الحوثي في لجنة الحوار الوطني في وقت كان يحاصر صنعاء إلى أن اقتحمها وأكرههم على أن يوقعوا ما سمي “اتفاق السلم والشراكة” وإلى أن نشبت الحرب واشتد أوارها وهدرت مدافعها ولم تسكت.
وفي وقت ما أدرك الناس أن الإخوان يتقنون اللغة الفارسية مثلما يتحدث الحوثيون العربية بلهجة قطرية.
غير أن قطر ليست وحدها في هذا الوارد.
إن المرجعية هناك عند سقف العالم العربي حيث يجلس المرشد الحقيقي للإخوان رجب طيب اردوغان على عرش سلاطين آل عثمان.
إن هذا السلطان يجتر الأوهام دون أن يدرك أن السلطنة العثمانية مثل كل الاشياء التي تستخرج من الحفائر يمكن أن توضع في زوايا المتاحف ولكنها ابداً لا تحرك التاريخ.
الآن أفرد الشراع على بحر الحقيقة وأقول على مسؤوليتي إن التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان) عندما تصدر واجهة المقاومة واحتكر مهمة بناء جيش الشرعية وضع في حسابه هدفين رئيسيين:
الأول: أن يحول بين قيادة السلطة المعترف بها دولياً وبين بناء جيش وطني حقيقي يتحمل أعباء الحرب ويتصدى لمسؤولياتها.
لقد تولى الإخوان تلك المسؤولية ومارسوا الحرب في ادوار تمثيلية قريبة من حروب السينما الهندية البلهاء، بعيداً عن خدائع هوليوود الأمريكية التي تخلط الحقيقة بالخيال.
الثاني: أن يقوموا بدور تاجر الخطيئة.
فقد جعلوا من الحرب وسيلة للإثراء فنهبوا الأموال باستغلال الوظيفة العامة ومن سوق الصرافة وأسواق النفط وأموال الإغاثة والمتاجرة بالسلاح والمواقف وغيرها وغيرها.
وأعود إلى شبوة وأقول إن تأجيج النار هناك يوشك أن يحدث إذا لم يتدخل الرئيس عبد ربه منصور هادي، ويصحح الأوضاع بإعفاء المحافظ والقادة العسكريين الذين شوهوا صورة الدولة وعاثوا ولاثوا وافسدوا.
وقد يجوز أن نلتفت إلى الجاري في تعز حيث وحوش الليل (القوات الحكومية الإخوانية) يقتلون ويسرقون ويرتشون وينهبون ويرتكبون أبشع الجرائم.
وليس من شك أن رفاقهم في شبوة يسيرون على ذات الدرب ويرتكبون نفس المعاصي فهم جميعاً من عجينة واحدة ومن طبيعة لا تتغير.
الدليل فزع الناس وشكواهم من سلطة محلية باغية ومن جيش فتاك وشرطة لا تحرس العدالة.
وفي شبوة فر أصحاب النجوم والطيور بجنودهم من بيحان والمديريات المحيطة بمأرب من جنوبها وتركوا خلفهم الدبابات والمجنزرات والعربات.. تركوها جديدة بمفاتيحها.
وليس لذلك من معنى سوى أنهم باعوا السلاح وباعوا المواقع لأن الجيوش لا تنسحب بدون قتال وإذا انسحبت مكرهة فإنها لا تترك سلاحها للعدو.
وكان الإخوان يصرخون من وجود قوات إماراتية في ميناء بلحاف حتى تؤول شبوة كلها إليهم، مع أن الميناء يستخدم في تصدير غاز مأرب حيث تذهب عوائده إلى خزينة المحافظ سلطان عرادة. وانسحبت القوات الإماراتية من بلحاف.
وفي ذلك اليوم تحركت قوات حكومية من شبوة إلى العلم في أبين وافتعلت معركة مع القوات المرابطة هناك حين كان مقتضى الواجب أن تتوجه لفك الحصار عن مديرية العيدية.
هذا الجيش الإخواني يخوض في شبوة اليوم حرباً باردة وإذا ما سخنت فسوف ينفتح الطريق أمام الحوثي سالكاً وآمناً إلى حضرموت والمهرة في الشرق وفوق البحر إلى سقطرى.
كذلك تبدو شبوة هي المصد والعقدة.
مع هذا ورغماً عنه فالصورة ليست قاتمة تماماً في تلك المحافظة التي تتوسط العقد.
هناك في تلك المحافظة ضوء بازغ، فعلى حين طارت القيادات السياسية الموالية للشرعية واستقرت في الخارج عاد إلى شبوة رجل واحد.
والواقع أنه ليست لي معرفة شخصية بالنائب في البرلمان عن الدائرة 134 “عوض الوزير” لكنه أثار اهتمامي عندما فوجئت بالحشود الضخمة التي حضرت مهرجاناً نظمه أبناء شبوة منذ أيام.
قلت في نفسي لا شك أن وراء الأمر سرا، فالرجل لا يتولى منصباً تنفيذياً حتى يجامله الناس أو يخرجوا إليه تحت سطوة سلطانه.
لقد قال إن القرار عائد لأبناء شبوة وهو واحد منهم ودعا لوحدة الصف والشراكة بين القوى الوطنية تحت مظلة الشرعية.. شراكة يظهر فيها الفارق بين إصلاح الشرعية وبين السطو على قرارها ونفوذها ومواردها.
بدا ايضاً أن الرجل يدرك خطر الحوثي كما يدرك خطر تنظيم القاعدة الإرهابي سواء بسواء.
ولست أعلم ما إذا كان على بينة أن القاعدة خرج من عباءة الإخوان المسلمين وأن الإرهاب بدأ من الجهاز الخاص الذي أسسه حسن البناء بقيادة عبد الرحمن السندي حيث بدأ مسلسل الدم باغتيال المستشار الخازندار ومحمود فهمي النقراشي، ذلك المسلسل الذي لم يتوقف حتى الساعة.
ورغم أنه قدم نفسه كواحد من ابناء شبوة إلا أن الظاهر فيه أنه يحتل مرتبة معنوية عالية بينهم.
ومن هذا فقد استطاع أن يحسن صورة الشرعية في شبوة بعد أن خدش وجهها المحافظ والقادة العسكريون.
لذلك يراود المرء الرجاء أن تلتقط الشرعية الأفكار والتصورات التي يتبناها أبناء شبوة وأولهم عضو البرلمان مستشار الرئيس.
ذلك هو الوجه الآخر لشبوة..
إنها عكا التي ردت نابليون من أبوابها بعد حصار ثلاثة أشهر وجعلته يطلق عبارته الخالدة “لو فتحت عكا لفتحت الشرق” وهو لم يدخلها لأنه لم يعثر على حصان طروادة.. ذلك الحصان الخشبي الذي يمثله جيش علي محسن.
- من صفحة الكاتب على الفيسبوك