30 نوفمبر.. هو يوم الشهيد في دولة الإمارات العربية المتحدة.. ذلك اليوم، الذي يجسد قيم الوفاء والتضحية من أجل الوطن.
ففي مثل هذا اليوم من نصف قرن، أي قبل إعلان اتحاد دولة الإمارات بيومين، عام 1971، استُشهد الشرطي سالم بن سهيل خميس، دفاعاً عن سيادة الدولة على أرضها، حين كان ضمن قوة الشرطة الإماراتية المكلفة بالأمن والنظام في جزيرة “طنب الكبرى”، وهي إحدى الجزر الثلاث، التي تحتلّها إيران، “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى”.
حينها هاجمت الجزيرة قواتٌ إيرانية طلبت من الشرطة الإماراتية إنزال علم الإمارات، فما كان من “سهيل” وزملائه إلا أن رفضوا تنكيس علم الدولة، ولم يتراجعوا أمام القوة الإيرانية، التي استخدمت أسلحة ضدهم، فاضت معها روح الجندي الإماراتي البطل سالم بن سهيل، ليكون أول شهيد تحت راية دولة الإمارات العربية المتحدة.
بعد هذا الحدث التاريخي بخمسة وأربعين عاماً، وتحديدا في عام 2015، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مرسوماً بأن يكون يوم 30 نوفمبر من كل عام عيداً وطنياً باسم “يوم الشهيد”، واعتباره إجازة رسمية عامة للقطاعين العام والخاص على مستوى الدولة، وذلك “تخليداً ووفاءً وعرفاناً بتضحيات شهداء الوطن وأبنائه البَرَرة، الذين وهبوا أرواحهم لتظل راية الإمارات خفّاقة”.
لقد جاء القرار من أجل إحياء ذكرى الشهيد سالم سهيل، وأيضا لتخليد شهداء الإمارات الذين سقطوا خلال المراحل الأولى من عملية “عاصفة الحزم” في اليمن دفاعا عن الشرعية في اليمن الشقيق ضد الانقلاب الحوثي.
وبعد قرار رئيس الدولة، الذي يحفظ للشهداء حقوقهم الأدبية ويجسد تقدير وطنهم لتضحياتهم، أنشأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مكتبا تابعا لديوان سموّه.. هذا المكتب مختص بشؤون أسر شهداء الوطن، حيث يتولى متابعة احتياجات أسر الشهداء وتقديم أوجه الرعاية والاهتمام والدعم اللائق لأبناء الشهيد وأفراد أسرته.
“يوم الشهيد” يجسد تواصل روح الوفاء والتقدير لشهداء الإمارات منذ عام 1971 حتى الآن، وهو ما يتسق مع تطور أهداف وغايات السياسة الإماراتية عبر خمسين عاماً من الاهتمام بالبناء الداخلي وتعزيز الأسس الراسخة لدولة قوية، إلى الانفتاح على العالم ولعب أدوار خارجية إيجابية، سواء إنسانية أو سياسية لحفظ السلم والأمن في هذا العالم المتصارع، ما يؤكد الوزن والحضور والتأثير لهذه الدولة الشامخة.
وسيراً على النهج نفسه، تطوَّرت قوة العسكرية الإماراتية وتعمّقت عبر تلك العقود، وانتقلت من النطاق الداخلي إلى الخارجي، فقد كان استشهاد سالم سهيل في مثل هذا اليوم تطبيقاً نموذجياً للتضحية بالنفس من أجل الوطن، ومثالاً لاستعداد أبناء الوطن لفداء تراب وطنهم بالدم والروح.. وبعد خمسين عاماً، قدّم أبناء الإمارات أمثلة لا تقل روعة وسمواً، بالتضحية بأنفسهم، ليس فقط من أجل تراب الوطن المباشر، وإنما أيضاً من أجل التراب العربي، الوطن الأكبر، وذلك بالاستشهاد فوق أرض اليمن العزيز، دفاعاً عنه وعن حياة شعبه واستقلال وسيادة دولته.
وكما صارت دولة الإمارات تلعب دوراً فاعلاً ومحورياً في القضايا الإنسانية والمشكلات والأزمات على المستويين الإقليمي والعالمي، وسّعت أيضاً نطاق إسهاماتها في إنقاذ الشعوب ومساندتها لاستعادة حقوقها المسلوبة.
ما يجب التوقف عنده في هذا السياق، أن السياسة الإماراتية الملتزمة بمبادئها وأهدافها، رغم مرونتها وتجاوبها مع الواقع، لا تُعيقها العقبات أو الأثمان التي تدفعها مقابل تلك الأدوار المؤثرة، وإن وصلت إلى أرواح أبناء الوطن التي لا تُقدّر بثمن.
لقد قدّمت الإماراتية لدعم الشرعية في اليمن وتحرير وإنقاذ شعبه عدداً من الشهداء، بلغ العشرات في الأشهر الأولى فقط لـ”عاصفة الحزم”، ورغم ذلك، لم تتراجع الدولة عن مشاركتها الفعالية والأساسية في عملية إنقاذ اليمن واليمنيين.. وكانت طوال السنوات الماضية، ولا تزال، تعتبر أولويتها القصوى هي حياة المواطنين اليمنيين واستقرار بلدهم، بغض النظر عن أي تضحيات تتحملها الإمارات.
رحم الله شهداء وطننا الغالي!