تكافح الحكومة اليمنية الشرعية من أجل إعطاء المزارعين جرعة تفاؤل لتنشيط أعمال القطاع المتضرر من أزمات فقدان الوقود ونقص المياه والتغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية الحادة الأخرى التي يعاني منها البلد منذ أكثر من سبع سنوات بسبب الحرب التي دمرت كل شيء تقريبا.
وتعكس استغاثات السلطات اليمنية بسبب عجزها عن توفير التمويلات اللازمة لدعم المزارعين عن مدى اختناق القطاع ويؤكد في الوقت ذاته تفاقم معضلة نقص الغذاء في بلد يعاني من أزمة مالية غير مسبوقة في ظل الحرب.
وتتزايد معاناة المزارعين يوما بعد يوم بعد أن وقفوا على حجم الخسائر التي يتكبدونها حيث لن يجد إنتاجهم طريقه إلى الأسواق على الأرجح هذا الموسم بسبب أزمة الوقود والفارق الكبير في تكاليف الإنتاج والبيع للمستهلكين، في ظل انعدام فرص التسويق.
وطالب وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، خلال لقائه في العاصمة الإيطالية روما، مع مدير عام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) شو دونيو الأمم المتحدة، بالإسراع في تنفيذ مشاريع تنموية زراعية بالبلاد لتغطية الطلب المحلي المتزايد.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية إلى بن مبارك قوله خلال الاجتماع “من المهم أن تنفذ الأمم المتحدة مشروعات تنموية زراعية ذات أثر بعيد المدى، إلى جانب مشاريع الإغاثة الإنسانية”.
وأكد أن القطاع الذي ينشط فيه أكثر من 60 في المئة من اليمنيين يحتاج إلى دعم “المؤسسات الوطنية من خلال بناء القدرات وبرامج التدريب والتأهيل” حتى تستعيد الزراعة عافيتها تدريجيا.
وتقول مؤسسات مالية دولية إن القطاع الزراعي تدمّر بشكل بالغ وكبّد البلاد خسائر لا حصر لها. كما أن تراجع عمليات الإنتاج أثّر بوضوح على تحقيق الأمن الغذائي، خاصة وأنه كان يساهم سنويا بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لليمن.
وأشار خبراء فاو في تقاريرهم الدورية إلى أن الزراعة لا تزال أهم قطاع اقتصادي في اليمن ولكنها تضررت بشدة من آثار الصراع والأمراض، مما أدى إلى تقلص فرص كسب العيش.
وترى المنظمة أنه دون سلام فإن اليمن سيواصل مواجهة صعوبات نقص الأمن الغذائي ولن يكون هناك انتعاش على المدى البعيد.
ويعتمد اليمن بشكل كبير على الواردات التجارية لتلبية متطلبات الاستهلاك المحلي من القمح وهو عنصر الغذاء الأساسي للسكان، في حين أن المساعدات الغذائية هي مصدر غذائي رئيسي لأكثر من ثلث الأسر.
وحاليا، لا توفر الزراعة إلا مابين 15 و20 في المئة من الاحتياجات الغذائية بسبب محدودية الأراضي الزراعية وشحة موارد المياه واتباع الممارسات الزراعية السيئة التي تفاقمت بسبب سنوات الحرب وارتفاع أسعار الوقود.
ويضع عدم قدرة المزارعين على تحمل تكاليف الإنتاج في ظل ارتفاع الأسعار إلى جانب موجة الجفاف وغزو الجراد الثروة الزراعية اليمنية أمام تحد كبير لا يمكن تخطيه إلا بالاستعانة بالمساعدات والدعم الحكومي.
وتكابد الحكومة الشرعية من أجل تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها المناطق الخاضعة لسيطرتها على الرغم من المساعدات التي تتلقاها من حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية.
وما يعقد المسألة هو خسارة العملة المحلية لقرابة 180 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فقد بلغ سعر صرف العملة الأميركية 1521 ريالا، مما ساهم في صعود حاد للأسعار وعمّق تدهور مستوى المعيشة في ظل انخفاض متوسط دخل الفرد بنحو 60 في المئة.
ويخسر المزارعون الكثير من المال مقابل الحصول على مادة الديزل، على سبيل المثال، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من نصف إنتاج المحصول يذهب مقابل شراء هذه المادة لاسيما في ظل انعدامها والأزمات المتكررة والمستمرة للمشتقات النفطية.
وتعطي العديد من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث لمحة واضحة عن أن الزراعة في اليمن مهدد بالانهيار بشكل كلي بسبب تراكم الأزمات.
وتشير أيضا إلى أن أزمة انهيار الريال تمثل ضربة أخرى قوية للقطاع، وهو ما قد يؤدي إلى تلف محاصيل الحبوب التي تمت زراعتها في الصيف، كما أنه يهدد العملية الزراعية بأكملها في فصل الشتاء.
وتؤكد فاو أنه في ظل استمرار ارتفاع الاحتياجات الإنسانية، يعاني اليمن من آثار الصراع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات، وتفاقم الاضطرابات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، وكذلك الفيضانات الموسمية وانتشار الجراد الصحراوي.
ووفق تحليل أجرته المنظمة الأممية مؤخرا يعاني حاليا ما يقرب من نحو 16.2 مليون يمني من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي في المرحلة الثالثة وأعلى من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.
ويشهد اليمن نزاعا دمويا بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين منذ أواخر 2014 تسبب في تدمير البنى التحتية، فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الأضرار التي لحقت بنحو 16 مدينة تتراوح احتياجاتها ما بين 7 و8.5 مليار دولار.
وأدت الحرب إلى خسارة الاقتصاد اليمني 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، وفق الأمم المتحدة.
وتتفاقم نسب الفقر في المناطق المتضررة من النزاعات بين مختلف الفصائل وتنتشر بين المئات من الأسر حيث دمرت ممتلكاتها ودفعت إلى الفقر المدقع كما أجبر العديد منها على الهروب من منازلها.
وبينما حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مارس الماضي من أن المجاعة قد تصبح “جزءا من واقع اليمن” في 2021، وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تقرير أصدره مؤخرا، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 200 في المئة منذ بدء الحرب.
وتشهد الأسواق في عدن ومحافظات الجنوب موجة غير مسبوقة من الغلاء وزيادة حادة في أسعار كافة السلع الغذائية، مما أثر على القدرة الشرائية للسكان الذين يعانون أصلا.