اخبار الشرعيهالإقتصاد والمالالرئيسيةمحلياتمقالات

البنك المركزي في اليمن أمام فرصة أخيرة

يتوالى الدعم الإقليمي والدولي المساند للحكومة اليمنية الحالية بصورة لم يسبق أن حصلت عليها أي حكومة قبلها.
ولا تتوقف بيانات تحفيزها على اتخاذ إجراءات مالية وإدارية قاسية، لعلها تعيد ثقة الناس بقدرتها على الإنجاز والتخفيف من الفساد الذي ضرب كل جذورها، فتخرج من دائرة العمل الدعائي إلى الفعل على الأرض.
ولا تتوقف المناشدات والجهود الإقليمية والدولية لإقناع الطرفين الموقعين على “اتفاق الرياض”، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، لتطبيق بنوده بهدف استقرار الأوضاع في المناطق “المحررة” وتأمينها وتقديم الخدمات لسكانها، بما يسمح بعد ذلك بتشكيل فريق واحد للذهاب إلى مفاوضات السلام المحتملة التي يبشر بها كل مبعوث أممي ويدعو لها الإقليم ويناشد العالم من أجلها رأفة ورحمة باليمنيين.
لكن ما يغيب عن إدراك الحكومة، وربما تتحاشى التعامل معه بجدية، هو أن البدء في السير نحو مسار الاستقرار في المناطق التي تتنازع فيها السلطة مع قوى محلية غير ممكن حدوثه في ظل اختلال الهيكل الذي يدير جسدها، وأهم الاختلالات هو فشلها في الاقتراب من الناس والتعرف إلى حقيقة أوضاعهم، مكتفية بما تصدره من بيانات مملوءة بالوعود التي لا يشعر الناس بأثرها في حياتهم اليومية ولا تساعد في التخفيف من معاناتهم المستدامة.
وهناك أيضاً عدم شفافية الإجراءات التي تتخذها والتكتم على مصادر إيراداتها وأوجه نفقاتها واعتبارها أسراراً لا يحق للمواطنين معرفتها.
لا خلاف أن الحكومة تم تشكيلها بطريقة قسرية وأنها تعمل في ظل ظروف غير طبيعية وغاية في الصعوبة، لكن الحقيقة أيضاً أنها ليست مؤهلة، ولا كفؤة لمواجهة التحديات الماثلة أمامها، ولا تظهر قدرة على فعل جاد.
ولقد جاء تشكيلها الأخير معبراً عن حجم الخفة التي تدار بها شؤون البلاد.
فعلى الرغم من الإصرار على القول إنها “حكومة كفاءات سياسية”، فإن الواقع يقول بجلاء إنها جاءت بمحاصصة حزبية إرضاء لتنظيمات وتشكيلات لا يمتلك بعضها أكثر من موقع على شبكة التواصل الاجتماعي، وعدد أعضاء لا يتجاوز العشرات تم جمعهم بمسميات مناطقية بغرض المناكفة السياسية.
أخيراً، وبعد موجة انتقادات واتهامات موثقة بالفساد وعدم الكفاءة عبر سنوات، تم تغيير مجلس إدارة البنك المركزي.
وهي خطوة إيجابية يجب مساندتها والتعويل عليها بعد زمن من التستر والتباطؤ والعناد.
ولكن هذا القرار لن يحدث النقلة التي يتوخاها الناس سريعاً.
وأقصد هنا السيطرة على التدهور المخيف في سعر العملة الوطنية الذي انعكس على معدلات التضخم وفارق أسعار العملة بين فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن.. وهو ما يعطي مؤشراً على الفجوة التي يحدثها استمرار الإدارة المزدوجة للاقتصاد وبسياستين متضاربتين يدفع أثمانهما المواطن والاقتصاد الوطني.
إن الآمال التي يضعها كثيرون على مجلس إدارة البنك المركزي ومحافظه الجديد لا يمكن أن تجد طريقها إلى حيز التنفيذ من دون اتخاذ إجراءات حكومية صارمة، بتقليص الإنفاق الترفي، وتفعيل قانون التقاعد في جميع القطاعات، وصرف كامل المرتبات بالريال اليمني لكل المرتبطين بأجهزة الدولة من دون استثناءات، ووقف التعيينات الجزافية في كل مواقع الوظيفة العامة، ومراجعة قرارات التوظيف التي تمت مجاملة ودونما استحقاق قانوني ولا جدارة ولا خبرة.
علماً أن عدداً كبيراً منها تم منحه لأشخاص هم من طالبي اللجوء مع أسرهم في دول غربية، أو كانوا يمارسون أعمالاً حرة في بعض دول الخليج ومعظمهم لا يؤدي أي عمل يستحق معه الراتب المحروم منه معظم الموظفين في مؤسسات الدولة داخل اليمن.
وهذه الإجراءات لن تحل بمفردها المشكلة الحقيقية التي يجب أن تتعاطى معها الحكومة، ولكنها ستعطي ملمحاً لجديتها في مساعدة إدارة البنك المركزي لتوفير المليارات، ومن ثم توجيهها إلى مقاصدها القانونية.
طبعاً، سيستدعي ذلك ألا تكتفي الرباعية (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا) بتقديم السند المعنوي، وهو مهم للغاية.. لكن، عليها تحويل ذلك إلى وديعة بشروط قاسية تضمن توجيهها نحو الغاية الأساسية، وهي استعادة الثقة بالعملة المحلية ووقف المضاربة والسيطرة على التضخم.
وعليها أيضاً الضغط للتنسيق بين فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن، إذ من دون ذلك لن يتحقق أي من الأهداف المرجوة، مع ضرورة منع طباعة مزيد من العملة الوطنية التي تجاوزت كتلتها النقدية تريليونات الريالات، وجرى إنفاقها من دون رقابة ولا مساءلة.

في المقابل، يجب على محافظ البنك ومجلس الإدارة رفض أي تدخل، من أي جهة كان، في تحديد السياسات النقدية، وأن يتوقف البنك عن ممارسة دور المتستر والشريك في المضاربة على العملة، والمعول عليه وحده، لأن مجلس الوزراء الحالي ليس فيه مَن يستطيع تقديم رأي علمي متخصص في الشأن المالي والاقتصادي.
الأوضاع الاقتصادية والمالية قاسية جداً، وسياسة الاستجداء المستمر التي تمارسها الحكومة لن تنقذ الاقتصاد إذا ما تواصلت السياسات العبثية والمعالجات الآنية التي تتحكم بها مقولة “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.
كذلك، من المسؤولية الأخلاقية أن يمارس التقشف على كبار الموظفين وتقليل سفرياتهم الترفيهية، بما يوفر الملايين من الدولارات التي يتم إنفاقها من دون عائد يستفيد منه الوطن.
لعله من الضروري أن تسعى الحكومة لتحسين صورتها التي تشوهت نتيجة تراكمات التقصير والإهمال، ولن يكون الرد على ذلك إلا بالوجود الفعلي بين الناس وفي جبهات القتال إذا رغبت في نيل احترام الناس، وألا تكتفي بما يمنحها العالم من بيانات تأييد لن تفيدها أمام الذين يعانون الجوع والمرض والفقر.
فليس من المهم أن تكسب احترام العالم وتفقد احترام المواطن، فهو الأهم والأبقى والأجدى.

بغض النظر عن موقفي من سياسات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إلا أن الدرس الذي قدمه بالذهاب إلى جبهات القتال خالعاً بدلته المدنية، هو العنوان الذي يمكن تقديمه للحكومة اليمنية.

  • عن إندبندنت عربية
زر الذهاب إلى الأعلى