وفاة السفير الإيراني لدى اليمن، حسن إيرلو، في الحادي والعشرين من الشهر الحالي، يكتنفها الغموض والألغاز. وقبل كل شيء، هناك روايتان تتعلقان بسبب الوفاة؛ الأولى رسمية وهي الإصابة بفيروس كورونا، والثانية تتداولها أوساط يمنية، وتقول إنه أصيب بجراح بليغة خلال عمليات قصف نفّذها التحالف على صنعاء. وفي كلا الحالين، تضاربت ردود الفعل الإيرانية حول ملابسات عملية نقله بطائرة عراقية من مطار صنعاء إلى مطار البصرة، قبل ثلاثة أيام من رحيله في طهران.
وأحاطت إيران رحيل مندوبها الخاص لدى الجماعة الحوثية باهتمام شديد؛ لأسباب عدة، يظل أبرزها موقعه الخاص في الحرس الثوري الإيراني، وهو ما جعل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تضعه على لائحة العقوبات.
وثمة تفاصيل نشرتها بعض وسائل الإعلام تتحدث عن دوره البارز، وموقعه في الحرس الثوري الإيراني، كمساعد أساسي لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 في مطار بغداد، بمعية نائب زعيم الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
والسبب الثاني هو ظروف وفاته وتأثير غيابه على مجرى الحرب، وهو الذي يصفه اليمنيون بأنه الحاكم العسكري والمدني الفعلي لصنعاء.
وقال مصدر يمني رسمي لـ”العربي الجديد” إن “المعلومات المتوافرة لدينا، وهي شبه مؤكدة، أنه أصيب في إحدى عمليات قصف التحالف في الأيام الأخيرة على صنعاء”.
وأضاف، إن الإصابة على درجة كبيرة من الخطورة، وكانت خلال اجتماع مع قيادات حوثية في أحد المواقع العسكرية، ولم يتسن إسعافه في صنعاء بسبب عدم توافر الرعاية الطبية الكافية، ولذلك طلبت طهران وساطة عمانية عراقية لنقله للعلاج في إيران.
الخارجية الإيرانية نعت السفير، وقالت إنه توفي متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، في محل مهمته في اليمن، وعاد إلى البلاد “للأسف في ظروف غير مواتية بسبب التعاون المتأخر من بعض الدول، وعلى الرغم من استخدام جميع مراحل العلاج لتحسين حالته الصحية، إلا أنه استشهد”.
وتوعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بـ”تقديم احتجاج رسمي، بسبب تأخر الرياض في اتخاذ قرار السماح بنقله إلى إيران لتلقي العلاج”.
وانفردت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بتقديم تفاصيل خاصة قبل عدة أيام من إعلان الوفاة، عن طلب تقدمت به جماعة الحوثي عن طريق وسيط ثالث بالسماح لإجلاء السفير، من دون أن تبيّن الجهة الوسيطة، وكان رد الرياض عدم السماح لأي طائرة إيرانية بالوصول إلى مناطق الحوثيين.
واشترط السعوديون، بحسب الصحيفة، نقله “على متن طائرة عمانية أو عراقية”، بالإضافة إلى “إطلاق الحوثيين سراح بعض المحتجزين السعوديين”.
وأكد مصدر يمني أن “الاتصال المباشر” بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو الذي سهّل عودة السفير.
وإلى حد هنا كان الموقف الإيراني يتحدث “عن توافر الظروف المبدئية اللازمة، ويتم حالياً نقل السفير الإيراني إلى البلاد” حسب تصريحات سعيد خطيب زادة، لوسائل إعلام رسمية.
وكتب المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبدالسلام، على “تويتر”: “تفاهم إيراني – سعودي عبر بغداد، تم بموجبه نقل السفير الإيراني في صنعاء على متن طائرة عراقية، وذلك لظروفه الصحية”. ولكن الموقف الإيراني تغير كلياً بعد الوفاة، وصارت طهران تتوعد السعودية.
وقال عبد اللهيان إن “الجانب السعودي اتخذ قراره متأخراً، وتلكأت بعض الأجهزة التنفيذية السعودية في هذا المجال”، في حين عزا سعيد خطيب زادة سبب الوفاة إلى “تأخر الاستجابة من بعض دول المنطقة في طلب نقله إلى إيران”.
وأفادت أكثر من وسيلة إعلام أجنبية بأن إيرلو أُقيل من منصبه بسبب التوترات المتزايدة بين إيران والحوثيين، وأثار نفوذ إيرلو الاستياء بين الحوثيين الذين كانوا يسعون على ما يبدو إلى مزيد من الابتعاد عن طهران.
ونفت مصادر في صنعاء ظهور أي أعراض خطيرة لفيروس كورونا على السفير. وقال مسؤولون حوثيون، تحدثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم، لوكالة “أسوشييتد برس”، إن مرض إيرلو وفّر “فرصة” للحوثيين للمطالبة برحيله.
وقالوا إن الجماعة اشتكت للقيادة الإيرانية من فشل إيرلو في التنسيق معهم، في اجتماعاته مع زعماء القبائل والسياسيين. وعندما سُئل المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، عن تحرك طهران لاستدعاء إيرلو، بدا أنه يربط رحيل إيرلو بالاحتكاك المحتمل بين إيران والحوثيين.
وقال برايس للصحافيين “نأمل أن تكون علامة على أن اليمنيين يتفهمون الدور المزعزع للاستقرار، الذي تلعبه إيران في بلادهم منذ بعض الوقت”. وأضاف “نحن كإدارة ملتزمون بمواجهة التأثير المزعزع للاستقرار، والدور الذي تلعبه إيران في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك دعمها لوكلائها وعناصر أخرى في اليمن”.
وعلى خلاف ما راج عن رغبة الحوثيين في رحيله نتيجة خلافات معه حول حيثيات ومسار الحرب، فإن أوساط الحكومة اليمنية تكذّب ذلك. وقال مصدر حكومي لـ”العربي الجديد” إن “الحديث عن خلاف بين السفير والحوثيين غير صحيح، والكل كان يخطب ودّه”، وتتهمه الحكومة اليمنية بلعب أدوار عسكرية بارزة بناءً على خلفيته المهنية في الحرس الثوري الإيراني.
وتناولت وسائل الإعلام الإيرانية بعض جوانب سيرته في الحرس الثوري، ووصفته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية، بأنه “صديق ورفيق” قاسم سليماني، وأنه كان “من قدامى المحاربين في الحرب الوحشية بين إيران والعراق في الثمانينيات من القرن الماضي”، وعانى من الآثار المستمرة لهجمات الأسلحة الكيميائية.
ونشرت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية الحكومية نعياً لإيرلو، وقالت إنه في وقت من الأوقات كان يُعرف باسم عبد الرضا شاهلائي، وهو نفس اسم قائد الحرس الثوري في اليمن، الذي رصدت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2019 مكافأة مالية قدرها 15 مليون دولار، لمن يدلي بأي معلومات توصل إليه.
وسبق لمحللين في الشرق الأوسط سابقاً، أن تحدثوا عن شهلائي وإيرلو يعملان في اليمن نيابة عن الحرس الثوري، ويتمتعان بعلاقات وثيقة مع سليماني، في الوقت الذي كانت هناك شكوك في أنهما نفس الشخص، ونفى مصدر أميركي أن “إيرلو وعبد الرضا شهلائي ليسا الشخص نفسه”.
واللافت أنه بعد وقت قصير من نشر نعي “إرنا” لإيرلو، تمت إزالة الإشارة إلى شاهلائي من دون تفسير. وحسب ما صرح مسؤولون أميركيون سابقون لوكالة “أسوشييتد برس”، فإن الأجهزة الأميركية حاولت اغتيال شاهلائي في نفس اليوم الذي قامت فيه بتصفية سليماني والمهندس ولكنها فشلت.
وتعتبره واشنطن متورطا في أعمال إرهابية وفي نقل سلاح للحوثيين، وفي قضية محاولة اغتيال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، داخل مطعم بمدينة جورج تاون الأميركية عام 2011، حيث كان حينها سفيراً للسعودية لدى واشنطن.
وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وصفت السفير بأنه عضو في الحرس الثوري الإيراني، ولذا فرضت عليه عقوبات.
وأوضح بيان وزارة الخارجية الأميركية في ديسمبر من العام الماضي أن “إرسال إيرلو إلى صنعاء يرسل إشارة إلى أن فيلق القدس، يعتزم زيادة دعمه للحوثيين، وبالتالي تعقيد المساعي الدولية للتوصل إلى تسوية متفاوض عليها للصراع”. وذكر البيان أن “وصوله إلى اليمن العام الماضي تزامن مع زيادة النشاط العسكري للمتمردين”.
إيرلو المولود في عام 1959 في طهران، تقول سيرته الرسمية إنه أكمل دراسته الجامعية في قسم العلاقات الدولية بجامعة وزارة الخارجية، وحصل على شهادة الدكتوراه. وبعد عدة سنوات من العمل في وزارة الخارجية، تسلم منصب مدير قسم اليمن.
وفي رواية أخرى هو من أقرب مساعدي سليماني، ويعد شخصية مركزية في مد المشروع الإيراني إلى اليمن وسورية وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، وتم تعيينه سفيراً لدى الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وأثار دخوله إلى صنعاء أكثر من سؤال، كونه حصل على الرغم من الحصار البحري والبري والجوي، الذي فرضه التحالف الذي يقاتل الحوثيين.
تحوّلات الحرب اليمنية
ويرى خبراء يمنيون أن رحيله سوف يشكل تحولاً في الحرب اليمنية، التي شهدت منذ عدة أسابيع تصعيداً لغارات التحالف، بعد أن كثف الحوثيون إرسال المسيّرات وإطلاق الصواريخ البالستية باتجاه المرافق الحيوية السعودية، الأمر الذي دفع التحالف إلى تغييرات ملحوظة في الاستراتيجية القتالية من خلال تشديد القصف على صنعاء، وضرب أهداف في المطار.
ومن الملاحظ أن عدد المسيرات في تناقص في الآونة الأخيرة، كما يسجل تراجع أداء الحوثيين على جبهة مأرب الاستراتيجية.
ومن غير الواضح ما هي التداعيات التي يمكن أن يؤديها تعامل السعودية مع نقل السفير الإيراني من اليمن على العلاقات المتوترة بالفعل بين البلدين، وهل سيؤثر على انخراط الجانبين في حوار خفض التصعيد بوساطة دول إقليمية، بما في ذلك العراق والأردن.
وقبل ساعات من انتشار نبأ وفاة السفير، بدا أن طهران ترمي الكرة في ملعب الرياض، حينما قالت إن التقدم في الحوار يعتمد على “جدية” الجانب السعودي، وهو ما سوف يتضح قريبا بعد انعقاد جولة محادثات جديدة بين طهران والرياض في بغداد.