مقالات

الحوثيون ومخاطر قرصنة “روابي”


لم تكن عملية القرصنة الحوثية لسفينة “روابي”، التي ترفع علم الإمارات وتحمل مواد طبية، الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة ما لم يتم ردع مليشيا الحوثي.
إذ إن هذه المليشيا قامت بالعشرات من عمليات القرصنة خلال السنوات الماضية، ولعل أولى هذه العمليات كانت ضد سفينة “سويفت” الإماراتية المدنية في أكتوبر عام 2016 قرب “باب المندب”، عندما تعرضت لهجوم صاروخي من قبل هذه المليشيا، فمن وقتها إلى يومنا توالت العمليات الإرهابية لهذه المليشيا، حيث تعرضت عشرات السفن والبواخر وقوافل المساعدات الإنسانية لعمليات القرصنة، واستخدمت مليشيا الحوثي في ذلك القوارب المفخخة والصواريخ والألغام البحرية.

وبعيدا عن المسرحية الكاذبة التي قامت بها مليشيا الحوثي عقب اختطافها سفينة “روابي”، والزعم بأنها “كانت تنقل أسلحة ومعدات عسكرية” عبر إعداد صور مفبركة تؤيد ذلك الزعم، مع أن أبسط متصفح للإنترنت يستطيع التأكد من كذب هذه الرواية، إذ عندما يتم البحث عن سفينة “روابي” في محرك البحث “جوجل” ستجد أنها سفينة تجارية لا يمكن حملها معدات عسكرية.. بعيدا عن هذه المسرحية الكاذبة، حمل توقيت عملية اختطاف سفينة “روابي” دلالات سياسية وأمنية خطيرة، لعل أهمها:
1-أن هذه القرصنة جاءت في ظل التقدم الكبير الذي أحرزته قوات العمالقة في مناطق بمأرب وشبوة، وهو ما جعل من معركة مأرب التي قالت مليشيا الحوثي إنها ستكون خلال أيام من الماضي، وكذلك جاءت في ظل القصف الكبير لمخازن أسلحة الحوثي من قبل طائرات التحالف العربي لدعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو ما دفع بهذه المليشيا إلى توجيه الأنظار إلى عملية القرصنة الجديدة التي قامت بها.

2-أن توقيت عملية القرصنة ضد سفينة “روابي” تزامن مع الذكرى السنوية لمقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، وهو ما يؤكد مدى ارتباط هذه المليشيا بإيران والعمل لصالح أجندتها، حيث لجأت إيران مؤخرا إلى التصعيد عبر أذرعها في ساحات عدة، وهو تصعيد له علاقة بتعثر مفاوضات النووي في فيينا حتى الآن، ومحاولة إيران إرسال رسائل إلى الدول الكبرى المعنية، مفادها أنها تمتلك كثيرا من أوراق تحسبها أوراق قوة هنا وهناك.

3-بعيدا عن أن مليشيا الحوثي جماعة غير شرعية ولا تحظى بأي اعتراف إقليمي أو دولي، بل ثمة محاولات جديدة في الولايات المتحدة لإعادة تصنيفها جماعة إرهابية، فإن هذه المليشيا تراهن على عمليات القرصنة لفتح قنوات التواصل معها، لاعتقادها بأن هذه العمليات أفضل مدخل لدفع القوى الإقليمية والدولية للتحاور والتعامل معها من بوابة المصالح الحيوية في البحر الأحمر ومضيق “باب المندب”، حيث يؤمّن هذا الممر الحيوي قرابة عشرة بالمائة من التجارة العالمية، لكن الثابت أن هذه العمليات باتت تشكل خطرا حقيقيا على الملاحة البحرية، وخرقا للقانون الدولي، وتهديدا للأمن الإقليمي والدولي، فضلا عن تهديد مصير ملايين اليمنيين من خلال حرمانهم من وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية لهم، وهو ما يكشف مدى عبث مليشيا الحوثي بمصير اليمن واليمنيين.

في الواقع، عمليات القرصنة البحرية، التي تقوم بها مليشيا الحوثي في البحر الأحمر ومضيق “باب المندب”، تذكرنا بعمليات القرصنة التي كانت تجري في السواحل الصومالية قبل نحو عقد من الزمن، وهي عمليات استدعت حملة دولية لوضع نهاية لعمليات القرصنة في السواحل الصومالية، وإذا كانت عملية قرصنة سفينة “روابي” رفعت مستوى عمليات القرصنة الحوثية، فإن ما جرى يتطلب قيام المجتمع الدولي بحملة مشابهة لما حصل في الصومال من أجل ضمان أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر و”باب المندب”، ومثل هذا الأمر بات يستدعي تحركا عربيا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والأهم تحركا أكبر من قبل التحالف العربي، عبر القيام بعملية كبرى لتحرير ميناء “الحديدة”، بغية تغيير قواعد إدارة المعركة هناك، فالثابت أن مليشيا الحوثي لا تفهم إلا لغة القوة، إذ تؤكد وقائع يوميات الحرب في اليمن خلال السنوات الماضية أن القوة وحدها هي التي تردع هذه المليشيا، فهل يكون اختطاف سفينة “روابي” بداية لتحرك عربي ودولي ضد مليشيا الحوثي لردعها؟

القانون الدولي، وحرية الملاحة، والأمن الإقليمي والدولي، والمصلحة المشتركة للجميع.. كلها عوامل حيوية للتحرك من أجل وضع نهاية لخطر مليشيا الحوثي، التي أدمنت العنف ولا تجيد سواه ولا ترى نهاية من دونه، وهذا هو السبب الأساسي في منع تحقيق تسوية للأزمة اليمنية حتى الآن، رغم كل المبادرات التي طرحت والجهود التي بذلت.

زر الذهاب إلى الأعلى