أصدر التحالف الدولي بيانا تحدث فيه عن هجوم صاروخي استهدف قواته يوم الأربعاء الماضي بست قذائف صاروخية أطلقت على قاعدة القرية الخضراء التي يتواجد فيها مستشارون تابعون للتحالف في مناطق نفوذ الجماعات الكردية شمال شرق سوريا، واتهم “الجهات الخبيثة المدعومة من إيران” بإطلاقها.
ثم أعلن لاحقا أيضا عن قيام دفاعاته الجوية بمعالجة طائرة مسيرة حاولت الاقتراب من قاعدة عين الأسد الجوية التابعة لقيادة القوة الجوية العراقية في محافظة الأنبار.
وأوضح أن “هذه الصواريخ سقطت على بعد نحو كيلومترين من القاعدة”، ووصف الحادث بأنه “عمل طائش آخر كان من الممكن أن يُلحق أضراراً بالغة بالمدنيين العراقيين الأبرياء”.
ومفهوم أن هذه المسيَّرة والصواريخ أطلقت في ذكرى مقتل قاسم سليماني، وكأنها لترطيب خواطر الولائيين المطالبين بأخذ الثأر من قاتل “المجاهد الشهيد”. فالمُلاحظ أن الذي أطلقها لم يتعمد الدقة في توجيهها لتصيب أحداً من الأميركيين أو غيرهم في القاعدتين.
وتفسير هذه اللعبة الخالية من القصد السيء يؤكد أن إيران تتجنب التصعيد بعد أن قطعت مفاوضاتُها في فيينا شوطا مبشرا بالسعادة، بعد صبر طويل.
الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت من أوائل التسعينات تنسق وتتعاون مع أسرة حافظ الأسد ووريثه بشار، وهي تعلم علم اليقين بأنها إيرانية الهوى والمصلحة أيضا
فقد صرح ممثل روسيا في العاصمة النمساوية ميخائيل أوليانوف ردا على سؤال عما إذا كان الوفد الإيراني سيجلس قريبا مع نظيره الأميركي على طاولة واحدة في فيينا، فقال “إن انطباعي هو أن إيران والولايات المتحدة ستجلسان معًا على طاولة واحدة عند استعادة الاتفاق النووي ورفع العقوبات وعودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”.
ومن جانبه كتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في تغريدة على حسابه على تويتر “محادثات فيينا تسير بشكل طبيعي وجيد”.
وأضاف أن “مبادرات بلاده هي التي ساهمت في خلق تلك الأجواء”.
وهذا كله في كفة، وفي الكفة الأخرى تصريحٌ نقلته وكالة إرنا الإيرانية شبه الرسمية عن الناطق باسم بلدية طهران قال فيه إن البلدية رفعت عددا من الشعارات المعادية للولايات المتحدة.
يعني أن النظام بدأ بتلطيف الأجواء وتهدئتها استعدادا لاستقبال التخادم الجديد مع الإدارة الأميركية في المرحلة القادمة.
أما بالنسبة إلينا، نحن العراقيين الكارهين للاحتلال الإيراني المتهمين من قبل الماكنة الإعلامية الإيرانية بالعمالة للإمبريالية الأميركية والصهيونية، فإن هذا متوقع لدينا ومعروف منذ زمن بعيد، ولا جديد فيه، لأننا نعرف تماما طبيعة النظام الإيراني، ونعرف أن أهم مواهب المعممين الحاكمين في طهران هي القدرة على خلط الطين بالعجين، والباطل بالحق، والسياسة بالمذهب وبالطائفة والجهاد والشهادة تحت راية الإمام الحسين، حسب الحاجة وتبعا لظروف المصلحة.
وهنا يبقى علينا أن ننتظر ما ستقوله الفضائيات والإذاعات والجرائد والمجلات التي يصدرها النظام مباشرة، أو بالواسطة، والتي دوختنا على امتداد أربعين عاما بالهتاف لتحرير القدس، وبالممانعة والتصدي لمؤامرات الشيطان الأكبر وعملائه أجمعين.
فنحن، أكثر من غيرنا، نعلم بأن هذا التخادم قائم منذ زمان بعيد، من قبل غزو صدام للكويت وظهور المعارضة العراقية السابقة التي كانت أحزابُ وتنظيمات إيرانية بالولادة، أو إيرانية بالرضاعة، أهمَّ مكوناتها وأقواها وأكثرَها هيمنةً على مؤتمراتها.
كما لم يكن صعبا علينا حلُ اللغز الشائك المتمثل في إصرار بوش ورامسفيلد وبريمر ومعاونيهم ومستشاريهم على تسليم العراق لمجموعات سياسية عراقية يعلمون، بدقة وعمق، بحقيقة تكوينها الفكري والعقائدي والتسليحي والتمويلي، وهم الذين كانوا لا يكفّون عن الشكوى المريرة من خطر إيران على أمن المنطقة واستقرارها، ومن رعايتها للإرهاب، واستمرارها في تمويل المخربين، وتصديرهم إلى دول عربية وأفريقية عديدة لإثارة القلاقل وزعزعة الأمن فيها، وخاصة في العراق ولبنان ودول الخليج وفلسطين.
ونعلم أيضا بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت من أوائل التسعينات تنسق وتتعاون مع أسرة حافظ الأسد ووريثه بشار، وهي تعلم علم اليقين بأنها إيرانية الهوى والمصلحة أيضا.
وينبغي هنا أن نُذكر بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عديدة تعرضت لأعمال انتقامية متنوعة من قبل الولايات المتحدة أو مخابرات النظام الإيراني، لأنها كانت وطنية عراقية ترفض متاجرة المعممين الإيرانيين بالطائفة والدين.
إن الولايات المتحدة الديمقراطية أو الجمهورية لم تكن عدوة لإيران، ولن تكون، فقد تعاونتا على غزو أفغانستان، ثم على غزو العراق وتمزيق لبنان وإذلاله وإنهاك الخليج واليمن، وتفريخ الجهاديين والتكفيريين في سوريا، والآتي أعظم.
وفي العراق، في أعقاب الغزو الأميركي وإسقاط النظام، وتحديدا منذ أن انتهت مسرحية مجلس الحكم “سيء الصيت” ثم عُين إياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بـ”نقل السيادة” كانت إيران قد تحولت تحت سمع الولايات المتحدة وبصرها الحاد، إلى قوة فاعلة حقيقية تُعز من تشاء، وتذل من تشاء، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
وها هو العراق اليوم، برغم الهزيمة التي ألحقها الشعب العراقي بجميع الأحزاب والفصائل الإيرانية، لا يستطيع الفائزُ بأكبر عدد من المقاعد أن يشكل حكومة إلا إذا كان فيها لنوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي نصيب. والولايات المتحدة الديمقراطية ترى وتسمع وتقرأ، ولكن لا ترى ولا تسمع ولا تقرأ، ولا تتكلم.
وحتى لو حدثت المعجزة، وتوافق التيار الصدري مع سنة إيران وكُردها وشكل الحكومة بلا دولة القانون وبدر والعصائب وحزب الله العراقي فإنها ستكون حكومة أكثر فشلا من جميع ما سبقها من حكومات.
فقد ظهر على فضائية “زاكروس” الكردية قبل أيام ليُهدد تلميحا بتعطيل الحكومة وإسقاطها، وبعدم السماح لمقتدى بتنفيذ وعوده المعادية لسلاح الميليشيات وفسادها، فقال إن لكل واحد من أعضاء الإطار التنسيقي المئات، بل الآلاف من الأتباع والمريدين والجواسيس في الرئاسات والوزارات والمخابرات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، وحتى محطات بيع الوقود.
وهذا يكفي.
*كاتب عراقي