ذات مرة تحدث رئيس وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل بالقول: “لا يمكنك أن تفاوض إلى مدى أبعد مما تصل إليه نيران مدافعك”.
والشاهد أنه بالقياس يمكن القول: “لن تستطيع أن تدافع عن بلادك بقدر أبعد مما تصل إليه نيران قواتك الجوية، الذراع الطويلة التي تصون ولا تهدد، تدافع ولا تعتدي، لا سيما إذا كان العدو قد أدمن الشر المجاني”.
منذ الأحد الماضي وقوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، توجه نيرانها ضد مليشيا الحوثي الإرهابية، ردا على تهديد حياة المدنيين الآمنين في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ما قامت وتقوم به مليشيا الحوثي الإرهابية، والتي تعمل كوكيل حرب لإيران، لا يمكن توصيفه أو تصنيفه إلا بـ”اعتداء إرهابي جبان”، والذي يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وقواعده العرفية، ويتنافى مع القيم الإنسانية بتعمد استهداف المدنيين.
ولعل ما درجت عليه تلك الجماعة الظلامية، يقطع بما لا يدع مجالا للشك وصولها إلى درجة من الإرهاب المعولم العابر للحدود، ومن ثم تقويضها الأمن الإقليمي والدولي معا.
جاء الاعتداء الجبان والمدان على أرض الإمارات وقبله على أعيان مدنية عدة في السعودية، كامتداد لتهديد حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر، وتاليا تطور عملياتها العدائية للقرصنة البحرية.
يعنُّ للمراقب لتطورات المشهد اليمني الأخير أن يتساءل: ما الداعي لاستهداف دولة الإمارات على هذا النحو؟
المؤكد أن الهزائم الأخيرة، التي كسرت الحوثي من قبل ألوية العمالقة، قد ولدت اختلالا في نفوس وعقول عناصرها، وعليه جاء اعتداؤها الإرهابي، والذي يعلم الذين يقفون وراءه أنه لا يتجاوز الطلقات الصوتية، التي تُحدث دويا من غير أن تترك أثرا.
الهزيمة غير المتوقعة للمليشيا الحوثية في شبوة الأيام الماضية، تلك المحافظة الغنية بالنفط وذات الموقع الجغرافي المتميز والمهم، دفعت الذين يتلاعبون بالحوثي لتلك الهجمات التي كانت وستكون وبالا على فاعليها.
الاستيلاء على شبوة أمر مهم استراتيجيا، فمن خلال بسط هيمنة السلطات اليمنية الشرعية عليها تكون ألوية العمالقة قد قطعت خطوط الإمداد عن الحوثيين الذين يحاولون السيطرة على مدينة مأرب الغنية بالنفط، شرق صنعاء، كما أن السيطرة على شبوة تؤمّن الوصول إلى خليج عدن ومنشأة الغاز الطبيعي السائل في بلحاف.
ليس سرا القول إن مليشيا الحوثي لا تقوم بأي اعتداء دون إذن من أصحابها الأصليين في طهران، أو بتعليمات مباشرة منهم.
لقد صعّد الحوثيون عملياتهم داخل وخارج ساحات القتال اليمنية، واحتجزوا في الأسابيع الأخيرة سفينة ترفع علم الإمارات، كما احتجزوا عمالا يمنيين في السفارة الأمريكية المغلقة في صنعاء، وخطفوا اثنين من موظفي الأمم المتحدة.
وبُعيد الاعتداء الإرهابي للحوثي وطوال الأيام الماضية شهدت مناطق تمركز الحوثي بالعاصمة اليمنية قصفا مستمرا طوال الساعات الأربع والعشرين من قبل قوات التحالف، مع الأخذ في عين الاعتبار تحذير قوات التحالف المسبق للمدنيين بالابتعاد عن معسكرات الحوثيين، حرصا على سلامتهم، لا سيما وأن الحوثيين يتدرّعون بالمدنيين، الذين باتوا رهائن إرهابهم، في مسلك غير مسبوق في تاريخ الحروب.
الغضب الساطع جوا أسقط بضع مئات من مسلحي المليشيا المارقة، والأعداد تتزايد كلما استمر القصف بمنهج الردع.
تستهدف مليشيا الحوثي محافظة البيضاء، المحاذية لـ8 محافظات، في نقل تعزيزاتها العسكرية من المقاتلين والعتاد إلى محافظة مأرب، والأخيرة لها أهميتها السياسية والعسكرية والاقتصادية الكبيرة في الصراع الدائر في اليمن منذ سبع سنوات، إذ تضم المدينة مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش اليمني، إضافة إلى حقول ومصفاة “صافر” النفطية.
وحين تعترف مليشيا الحوثي الإرهابية رسميا بأنها مَن قامت بالاعتداء الإرهابي على أرض إماراتية يكون الرد الإماراتي والسعودي جحيما لا يطاق، وحصاده لا يتوقف عند أفراد المليشيا، بل يمتد إلى قادتها، ومنهم عبد الله قاسم الجنيد، ومعه عدد من القيادات الأخرى الذين لقوا حتفهم بفعل ضربات التحالف خلال الأيام الماضية.
وهنا أتساءل: إلى متى الصمت الدولي على هؤلاء الإرهابيين؟