ردّت أبوظبي والتحالف العربي العدوان بثلاثة أساليب.
الأول الضرب في العظم، والثاني مناداة مجلس الأمن، والثالث التشاور الواسع مع القوى العربية والدولية التي اتصلت مستنكرةً ومتضامنةً.
وما كنتُ أنتظر -والحق يقال- أن يحدث هذا العدوان، حتى كان خطف السفينة الحاملة للمساعدات الطبية، والتي ترفع عَلَم دولة الإمارات. ما كنتُ أنتظر التصعيد، باعتبار أن وُلاة أمر “أنصار الله” الحوثيين يُظهرون تعاوُناً في مفاوضات فيينا، ويعلنون هم قبل غيرهم أنّ التوجه إيجابي، وهناك صياغات تجري لنصوص الحلّ التفاوضي أو العودة للاتفاق النووي لعام 2015.
إنّ حادث السفينة، كما حَادث المصفَّح والمطار، يُشعر بأنّ ما يجري في فيينا لا يسري على العلاقات مع الدول العربية. وليس لجهتي التدخل والبالستيات فقط، بل ولجهة توسيع نطاق الحرب ولو أدّى ذلك إلى حصول تطورات لغير صالح “أنصار الله”!
فمنذ سبع سنواتٍ وأكثر عندما قرر الإيرانيون تحويل اليمن إلى منطقة امتداد، مثلما حصل مع العراق وسوريا ولبنان، تراوح تصورهم بين الاستيلاء الكامل أو منطقة النفوذ التي يستطيعون من خلالها ابتزاز عرب الخليج، بل والمجتمع الدولي ككل. فاليمن هو خاصرة المملكة العربية السعودية لناحية البر. ثم إنّ بحاره هي إطلالات المنطقة العربية على البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط.
وإدراكاً من دولة الإمارات للخطورة والمخاطر، تحركت منذ البداية فحررت جنوب اليمن بالتعاون مع المملكة والجيش والمقاومة. ثم إنها وقد رأت الموقف الخطير في مأرب وشبوة، تحركت مجدداً من خلال قوات العمالقة والدعم الجوي. وبين الحملتين الأولى والثانية، تابعت دولة الإمارات الدعم الإنشائي والإعماري والإنساني الكبير. وظلت كلَّ الوقت تقف الموقفَ المسؤول: لجهة تلافي الخطر على المملكة والجزيرة، ولجهة الإسهام في كلّ مساعي التفاوض من أجل السلام، أو الحلّ، بحسب القرار الدولي 2216، والمرجعيات الثلاث. بل ويضاف لذلك محاولات التوفيق بين جنوب اليمن وشماله لتقوم جبهة واحدة في وجه الاستيلاء والتآكل.
بيد أنّ الحوثيين -ومن ورائهم الإيرانيون- أصروا على الاستيلاء والتحكم بمفردهم، والعودة لنظريات الإمامة والدولة الدينية. وهذه المسيرة تعني خطراً شديداً على الاستقرار في شبه الجزيرة العربية، والأهمّ من ذلك أنها تُهدد حملة التنمية الكبرى وبناء الدولة الحديثة في السعودية والإمارات، وعلى الشاطئ الآخر للبحر الأحمر في مصر.
وهذا كلّه فضلاً عن الإضرار بالملاحة الدولية، كأنما لم يعد يكفي مضيق هرمز للابتزاز، فجاء من يمد الخطر إلى البحر الأحمر وباب المندب!
بعد قرابة عام من الهجوم والدفاع بدت مأرب في حالةٍ مزرية، كما أنّ المنطقة البترولية الأُخرى “شبوة” فقدت بعض مديرياتها.
ولذا كان لا بد من الإنقاذ، وتوجيه رسالةٍ إلى حلفاء إيران أنهم لن يستطيعوا الاستيلاء على اليمن، فهو سُرّة العرب وأصلهم.
تقدمت دولة الإمارات من خلال التحالف، ومن خلال المبادرة لتغيير المعادلة باليمن وصنع الجديد والمتقدم.. ولأنّ دولة الإمارات، وإلى جانب حماية مستقبل اليمن، تريد أيضاً حمايةَ وضمان مستقبل بلدان الخليج المتمتعة بالاستقرار والنمو، فإنّ أنصار إيران المكلفين بتدمير الحضارة وبعد خطف سفينة المساعدات، هاجموا أبوظبي بالمسيَّرات. والمهاجم واضحٌ ولو تغطّى بأغطية مختلقة. فالأجهزة العسكرية التي تقطع 1600 كلم ليست من صنع الحوثيين ولا من إطلاقهم. والتحالف يرد، إنما ليس على المدنيين كما يفعل الحوثيون ضد اللاجئين إلى مأرب، وضد حياة الناس وكرامتهم.
نحن نخشى أن يبقى اليمن بأيدي هؤلاء، فيتهدد أمن الجزيرة، ويتهدد عمرانُها وإنسانُها بالجهل والتعصب والطائفية.
ولذا فإننا نقف مع دولة الإمارات في موقفها المشرّف الذي “يحمي ولا يهدّد، يصون ولا يبدد”، ويشدّ أزر الصديق ويرد كيد العدو.. ومرحباً بالدفاع عن الحُرُمات والبشر ومستقبل أجيالنا في هذه المنطقة العزيزة على قلب كل عربي.