المسؤولية الدولية الغائبة في مواجهة التهديدات الحوثية

مع استمرار التهديدات الحوثية واستهدافها منشآت مدنية في السعودية والإمارات، وجب التساؤل عن دور المجتمع الدولي وسط ما يجري من ممارسات إجرامية لهذه المليشيات.

إذ دائما ما ترفض مليشيات الحوثي الاستكانة لصوت العقل والدخول في مرحلة تهدئة وإقرار الحل السياسي المطروح في اليمن منذ سنوات، حيث ما زال الاستقواء الحوثي بالجانب الإيراني قائما، وكذا العمل على قاعدة المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة بين إيران ووكلائها في الإقليم، الأمر الذي لا يهدد أمن الخليج العربي فقط، بل أمن الإقليم بأكمله، في ظل مسعى إيراني لتوظيف كل الأوراق، التي تملكها طهران في الضغط على الجانب الأمريكي، وهو الأمر اللافت مؤخرا، حيث لا يمكن أن يُستثنى من التحليل أن الاعتداء الحوثي الأخير ارتبط بنجاح قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، في تحقيق انتصارات كبيرة ومحاصرة المد الحوثي، عبر تطوير وسائل الهجوم انطلاقا من تحركات عربية ويمنية بهدف استعادة الشرعية والعمل على فرض الاستقرار في دولة أنهكتها الصراعات منذ سنوات، وتحولت لساحة مواجهة، سيكون اليمن وشعبه هو الخاسر الأول والأخير فيها.

ومن ثم، فإن دول مجلس الأمن مطالبة بالبدء في خطوات جادة لتنفيذ نص القرارات الملزمة، التي سبق أن صدرت بحق المسألة اليمنية، وألا يتردد المجلس في تبني إجراءات “حقيقية” في إطار ما يجري، مع بحث دراسة تأثير وتداعيات إجرام الميلشيات الحوثية في اعتدائها على المنشآت المدنية، وهو أمر يتجاوز ساحات المواجهة، ويتطلب موقفا جادا ومباشرا، وليس فقط الاعتراض أو التحفظ أو الإعلان عن اتخاذ إجراءات نظرية، أو التلويح بإعادة النظر في تصنيف مليشيات الحوثي مجددا كإرهابية من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، فالأهم أن يتحرك مجلس الأمن ومبعوثه إلى اليمن لاتخاذ إجراءات وتدابير تتجاوز المطالبة بتحقيق شكلي أو انتقاد السلوك الحوثي.

فمن الضروري اعتماد وسائل ضاغطة في أكثر من اتجاه لتحميل المجتمع الدولي مسؤولية ما يجري، خاصة أن تطوير وسائل الاستهداف الحوثي قد تتكرر، وقد يكون هناك سلوك عدواني متتالٍ، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجية دولية للتعامل مع إرهاب الحوثي، خاصة أن منطقة الخليج العربي ليست منطقة عابرة، بل هي منطقة استراتيجية، وترتبط بمصالح متعددة للدول الكبرى، التي قد لا تدرك حقيقة مخاطر الحوثي، لكنها حتما عما قريب ستدرك أن الضرر قائم وسيعلن عن نفسه بصور أفظع.

ولقد شعرت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين بالخطر مع استهداف الناقلات والسفن العابرة في خليج عُمان والخليج العربي وامتدادات مناطق التماس، وهو ما قد يتكرر بصرف النظر عن الإجراءات، التي قامت بها الولايات المتحدة عبر وجودها البحري، وقيام التحالف الدولي البحري بمواجهة التهديدات الإقليمية، بعد أن رصد ووضع إجراءات مرحلية بصورة جماعية وفردية، ولكن تلك الإجراءات لم تمنع مثلا اختطاف الحوثي السفينة “روابي”، التي كانت ترفع علم الإمارات، وكان ينبغي التحرك الدولي البحري للتعامل الاستباقي مع ما يجري، وليس فقط الإدانة أو الشجب للسلوك الحوثي المرفوض.

الواضح أن الموقف الأمريكي، ومن ورائه الموقف الأوروبي، متردد ومرتبك في التعامل مع التهديدات الحقيقية للحوثي، ربما لعدم إيصال رسالة للجانب الإيراني المفاوض في فيينا بأن الولايات المتحدة تريد الدخول في مواجهات، وعدم تعكير صفو المفاوضات الراهنة والتشويش عليها، ما يعني بالنسبة لإيران نجاح هدفها الاستراتيجي في الاعتماد على وكلائها في الإقليم وتوظيف دورهم عند الضرورة، خاصة مع حجم الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها ميلشيات الحوثي مؤخرا من جراء استراتيجية التحالف العربي في التعامل والانتقال إلى مرحلة تالية من تطويق الحوثي، مع دخول متغيرات داخلية جديدة في اليمن، أهمها “قوات العمالقة”، بما يؤثر فعليا على سيناريو المواجهة، بصرف النظر عما يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي، ممثلا في مجلس الأمن، الذي لا تزال دوله تعجز عن اتخاذ إجراء “حقيقي وجاد” تجاه الحوثي، فالأولى بالمبعوث الأممي أن يطور أدواته ووسائل التعامل بدلا من الدوران في حلقة مفرغة مع الحوثيين، لأن السلوك الجاري من هذه المليشيا الإرهابية سيؤدي لتداعيات خطرة على منظومة الأمن الدولي، وليس أمن الإقليم كما تتوهم الولايات المتحدة، التي ما تزال تتحدث عن “سياسات” -وليس إجراءات- في التعامل مع مهددات الأمن المشترك، ولهذا فإن الحديث عن إعادة التموضع والمواجهة والحسم الاستراتيجي بحاجة إلى إعادة تعريف دور القوة المركزية الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد أن دخلتها إسرائيل، وبات لها دور حقيقي في العمل الاستباقي، وهو الأهم، خاصة مع تنامي المدركات الدولية باستمرار التهديدات الإيرانية في المنطقة، بل ووكلاؤها كمليشيات الحوثي، ما قد يُستأنَف حال تصميم الإدارة الأمريكية على سياسة “استيعاب” الجانب الإيراني، وإعادة العمل بالاتفاق النووي السابق -مع تهذيب بنوده- ورفع العقوبات مرحليا عن إيران.

لكن ماذا عن الأمن العربي في حال إتمام ذلك؟، وما شكل الشراكة العربية-الأمريكية في هذه الحالة خاصة أن الدول العربية لم تدخل كطرف فاعل في المفاوضات النووية مع إيران بينما دخلتها دول أخرى؟.. فيما ظل الموقف الإسرائيلي هو الواضح والمباشر في رفض امتلاك إيران للنووي، واستمرار تحذيراتها بأن إيران تشتري الوقت وتسعى إلى الوصول إلى مرحلة “العتبة النووية”، فوقتها ستتغير الأمور تماما وفق نهج إيران في التعامل والتفاوض المفتوح، ومن ثم استمرار التهديد الإيراني، سواء تم الاتفاق النووي أو لم يتم.

في كل الأحوال سندخل في مراحل متتالية من الخيارات، التي ستدفع إيران مرحليا لتطوير وسائل التحرك والمواجهة.

المطلوب أن تتعاظم وسائل المواجهة والتعامل الحذر من قبل مجلس الأمن في مواجهة التهديدات الراهنة والمحتملة من قبل إيران والوكيل الحوثي، بل وسائر الوكلاء الآخرين، وعدم الاكتفاء بما يجري من بحث عن “حلول وسَط” و”أشباه خيارات” لا تفيد، وستمس حدود الشراكة الأمريكية-العربية، وستتطلب البحث عن تنويع مصادر التحالف وعدم الاستمرار في شراكة عامة قد تكون مكلفة بعد ذلك وتمس المصالح العربية الكبرى.

لقد آن الأوان -رغم كل ما يجري من تحالفات عربية أمريكية وحجم التعقيدات في مستويات العلاقات الاستراتيجية بما في ذلك الوجود الأمريكي في المنطقة- أن يتم النظر في ترتيب الحسابات والسياسات برؤية أكثر موضوعية، ووفقا لقاعدة المصالح العليا لدول المنطقة، في عالم يُعاد تشكيل قواعده وتحالفاته الفرعية والدولية، على عكس ما يتوقع الجميع، الأمر الذي يتطلب مواقف عربية جادة ليس فيها أنصاف خيارات، وفي إطار معادلات القوة والسياسة، التي تحكم العالم في الوقت الراهن، ما قد يكون له أكبر الأثر في مواجهة ما يجري.

ولحين تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، فإن توظيف القوة واستخدامها سيكون هو المطروح في إطار مواجهة أي تهديدات حقيقية لأمن الإقليم عموما، وأمن منطقة الخليج العربي خصوصا، كما سيبقى العمل على المحور الاستراتيجي العسكري هو الحل الأمثل للتعامل مع تطورات المواجهة مع مليشيات الحوثي حتى إنجاز الحسم الكامل بصورته العسكرية المنشودة.

Exit mobile version