طغت تأثيرات حرب مليشيات الحوثي على جميع مناحي الحياة إلى حد أنها أجبرت اليمنيين على التخلي عن عادات وتقاليد كانت سائدة لاسيما في حفلات الزفاف.
عادات كثيرة بدأت تختفي في آلاف القرى المتناثرة على امتداد الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، منها “المُلسة” وهي أول فعالية في طقوس الزفاف والتي يتم فيها التراشق الفوضوي بكرات صغيرة من الحنّاء لكل من حضر مكان الاحتفال.
وتعد تهامة من أغنى مناطق اليمن بالموروث الشعبي والثقافي المتنوع شعراً وغناءً ونشيداً، إلا أن حرب مليشيات الحوثي دفنت الكثير من هذه التقاليد العريقة.
ومن التقاليد الأصيلة والمورثة التي دفنتها حرب الحوثي عادة الجمع بين العريس والعروس وقت الظهيرة، قبل ساعات من موعد الزفاف لوضع الحناء على العريس، فيما يتم نقش “الخضاب” للعروسة أمام جمع من الرجال والنساء من أقارب الطرفين.
ويعتد هذا اليوم بمثابة دخول العريس القفص الذهبي، حيث يأتي “المزين” ويلاقي رأسيهما بعضها البعض كنوع من تأكيد ارتباطهما معاً.
لكن الأهم في هذه الاحتفالية المصاحبة لحفل الزواج، هو أن يوزّع العريس مبالغ نقدية على مجموعة من الشباب ممن يسند إليهم تنظيم حفل الزفاف قبل ساعات من جلب العروس، مع ترديد أهازيج شعبية أثناء الحفل الذي عادة ما يتم قبل العاشرة ليلاً، وهو التوقيت المتعارف عليه لوصول حفل الزفاف إلى ذروته.
ويذهب ساعتها الجميع لإحضار العروس من منزلها حيث يتوجب على العريس السير فوق دم الذبيحة التي يتم ذبحها أمامه كـ”تعويذة لطرد الشياطين”، ويوزّع فيما بعد لحمها على المهمشين أو ما يطلق عليهم محلياً “الأخدام” في المجتمع اليمني المكلفين بدق الطبول.
عراقيل اقتصادية
يتفوق شغف محمد ناصر في الارتباط بشريكة حياته على التمسك بالعادات التي كانت سائدة، ويقول إن التقاليد التي تتطلب مبالغ مالية كثيرة لم تعد مهمة بقدر الزواج وتكوين حياة أسرية جديدة.
الارتفاع الجنوني في الأسعار مع قلة الأعمال المدّرة للدخل، يدفع شباب اليمن لا سيما في المحافظات الغربية للبلاد، إلى ترك كل ما يضاعف التكاليف المالية للأعراس وينظمون حفلات متواضعة تبعد عن كاهلهم شبح الديون الثقيلة.
يعمل ناصر في مهنة الصيد ورغم المبالغ المالية الجيدة التي يتحصل عليها، إلا أنه يرى في حديثه لـ”العين الإخبارية” أن توفيرها في بناء منزل متواضع أهم من شراء ذبائح للضيوف وتنظيم حفل زواج بفرق فنية يكلف الملايين دون فائدة.
لم يكن ناصر أول شاب يكسر عادات الزواج المتأصلة في المجتمعات الساحلية لليمن، والتي كان منها جلب فرقة موسيقية من مناطق بعيدة لإحياء ثلاثة ليال من السهر المتواصل، مع تحمل تكاليف وجبات الطعام للأيام الثلاثة، على أن تتضمن اللحم بكميات كبيرة، لتظهر كرم العريس وأسرته ومكانتها الاجتماعية، وإنما سبقه العديد من أقرانه.
كان على ناصر الشاب العشريني التخلي عن عادات متجذرة في المجتمع اليمني في المناطق الواقعة غرب اليمن، ويرى أن “المزمار” لم يعد مهماً طالما أن الأجهزة الإلكترونية يمكنها أن تؤدي الغرض نفسه.
ينطبق ذلك أيضاً على الفرقة الموسيقية التي تم التخلي عنها بعد أن كان يتم جلبها من محافظتي تعز وصنعاء وتحمل تكاليف النقل والإقامة، فضلاً عن مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه مسبقاً، مقابل إحياء الفرقة الاحتفال.
ومن الطقوس التي تخلّى عنها الشباب حديثاً أيضاً، “الزمّار” وهو شخص يطلق الألحان المصاحبة لدق الطبول عبر الربابة، لإضافة جو من البهجة إلى حفل الزواج.
لا شهر عسل
قبل حرب مليشيات الحوثي، كان مدة شهر العسل تصل لأكثر من 3 شهور باليمن يتوقف فيها العريس عن الخروج للعمل للاستمتاع بهذه الفترة، لكن الآن يكتفي العريس بـ20 يوماً ليغادر منزله للعمل وطلب الرزق.
من بين العادات التي تمّ التخلي عنها أيضاً، التباهي بشراء العطور الفاخرة، لاسيما من نوعية العود مع كمية كبيرة من الملابس التي يرتديها طيلة الشهور الثلاثة، فضلاً عن ضرورة اقتنائه قطعة سلاح يتزين بها.
يقول المواطن اليمني عبدالرحمن سيف” إن الصعوبات المالية، دفعت العديد من الشباب إلى التخلي عن الكثير من العادات، ذلك كان يستلزم أموالاً طائلة يتم جمعها لسنوات قبل الزواج، لكن اليوم لم يعد كذلك، وإنما الاكتفاء بالأشياء القليلة.
يضيف أن عادات الزواج كانت تعبر عن رفاهية المجتمع والثراء الذي يميزه، لكن اليوم بعد أن فقد الجميع أعمالهم، تم دفن العديد من الموروثات والتقاليد الشعبية في حفلات الزفاف.