حلًَ عيد الحب في ال14 من فبراير الجاري على اليمنيين بخجل ومارس طقوسه على استحياء، في ظل أزمات طاحنة تهرس بلداً تعصف به الحرب منذ سنوات سبع.
الحب وسط الحرب:
صفحات التواصل الإجتماعي التي تكللت بالورد الحمراء حولت المناسبة في احيان كثيرة إلى مادة للتهكم والتنفيس عن المعاناة حين نشرت صوراً لإسطوانات الغاز باللون الأحمر وعليها رسومات قلوب باعتبار مادة الغاز المنزلي أجمل هدية يمكن أن يقدمها الحبيب لحبيبته في ظل انعدام الغاز.
ففي خضم ما يعيشه اليمن من أحداث مؤلمة، اذ ان صوت الحرب هو الصوت المسموع، حاول يمنيون كثر الاختفال بيوم الحب على خجل.
يقول كمال جعاد ان الحب في زمن الحرب بات في ذيل قائمة كماليات اليمنيين.
ويشير بشير حسام إلى أن مظاهر الإحتفال بهذا اليوم، كانت هذا العام باهتة ولم يتواجد سوى النزر اليسير من محال بيع الورود والهدايا المغلفة باللون الأحمر.
حضور وسط الركام:
يقول سليم هلال ان المتضررين بشكل مباشر من آثار الحرب، هم الاغلبية ولم يعودوا حتى يتذكرون هذه المناسبة.
ويضيف: إن حدث، احتفال باهت فإن المحتفلين بالمناسبة هم عدد قليل، يكتفون بطقوس خاصة داخل منازلهم، وتبادل الرسائل الغرامية وسط هذا الكم الهائل من الركام والوجع المتفشي، في حين انصرف غالبية الناس عن الاحتفال بالمناسبة لسوء ظروفهم، فإن آخرين في العاصمة وصنعاء ومحافظات أخرى تحت سيطرة جماعة الحوثي، واجهوا صعوبة في الاحتفاء، بسبب إجراءات الجماعة التي تحارب أي مظهر للمناسبة وتعتبرها دخيلة على المجتمع.
منع الحب:
بدت مظاهر استقبال عيد الحب باهتة شيئا ما، بسبب الحرب وتداعياتها التي أصابت الاقتصاد وحياة الناس المعيشية ومع هذا فإن بعض اليمنيين احيوا عيد الحببأقل المظاهر، وأرخص الهدايا، ويرون في ذلك تخفيفاً من الآثار النفسية للحرب
واقدمت جماعة الحوثي، بمناطق سيطرتها على إغلاق محلات بيع الهدايا الخاصة بالمناسبة، فيما الأمر في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ظل مسموحاً.
ومن تعز قال الناشط المدني محمد الحريبي، إنه يشاهد العالم يحتفل بعيد الحب، في مقابل ذلك تتصاعد حدة خطاب العنف والكراهية في اليمن، ويزيد الصراع يوماً تلو الآخر.
وأبدى استهجانه لتوجه جماعة الحوثي نحو إغلاق محلات بيع الهدايا والتحف والتدخل في خصوصيات الناس، وقمع الحريات المدنية.
الخاتم في الإصبع:
ما يسمى “عيد الحب” غالبا ما تناوله مجتمعاتنا بقدر كبير من الاهتمام، يتجاوز ما هو عليه الحال في مجتمعات أخرى، ما بين مستهجن ومعاد من جهة ومحتفل من جهة ثانية.
الاستهجان ينطلق غالباً من خلفية دينية على اعتبار أن هذه الأعياد “للكفار” وأنها تشبه بالغرب، ودخيلة على مجتمعاتنا، الهدف منها التشجيع على ارتكاب الفواحش، ويدخل الاحتفال بها ضمن “البدع”، لنصل إلى أن “كل بدعة كفر” وبالتالي يصبح كل من اشترى وردة أو ارتدى اللون الأحمر في هذا اليوم قد دخل في دائرة الحرام.
يتسائل الاخصائي الإجتماعي الدكتور عادل الشرجبي، كيف ننأى بأنفسنا عما هو اختراع للغرب ونحن نستخدم اختراعاتهم في الطب والاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة.
من جانبه اعتبر المفكر جمال الصعدي ان لا علاقة ليوم الحب بالدين فالبدع هو كل ابتدع في الدين ولا علاقة للمناسبات الاجتماعية في الدين.
ويشير الى ان كثير من العادات انتقلت من الغرب إلينا نأخذ منها العادات المرتبطة بالانسانية والحب والسلام ونعزف عما يتعارض مع الفطرة السليمة.
ولفت إلى ان لبس الخاتم والدبلة في الإصبع هي في الاصل انتقلت إلينا عن طريق معتقدات تؤمن برباط الحب وصارت زينة.
اصطدام القناعات:
ويقول المفكر السوري محمد شحرور إن “عيد الحب” هو عيد القديس “فالنتاين” الذي عمد إلى تزويج الجنود سراً بعد أن منعهم الإمبراطور من الزواج، وأجد في هذا عملاً نبيلاً في كل العصور والأمكنة، ولا أرى في مبالغة مجتمعاتنا بالاحتفالات أحياناً سوى انعكاس لمدى حاجتها للخروج من القوالب التي أغلقت عليها خلال قرون عدة، لتعاني اليوم من مخاض البحث عن هويتها في كل المجالات، بعد أن تقهقرت الشعارات القومية والوطنية، واصطدمت القناعات الدينية بجدار طالما تخفى تحت ستار الوسطية والاعتدال ليكشف وجهاً مظلماً، ناهيك عن حجم المآسي التي تتعرض لها شعوبنا من قتل ودمار وتشرد، بحيث أصبحت تبحث عن وميض من فرح في لجة كل هذا العتم.
لواء المحبة:
يضيف شحرور: قد يكون من المنطقي أن نبحث لنا نحن المسلمون المؤمنون برسالة محمد عن يوم أو أيام للحب، ننسى فيها أحقادنا المتوارثة، ونمتنع عن فرز بعضنا البعض إلى ناصبي ورافضي، وزنديق ومرتد، وننظر إلى تاريخنا بما فيه ومن فيه على أنه ماض، له ما له وعليه ما عليه، فلا نترك خلافات عمرها ألف وأربعمائة عام تحضر بيننا، ونتطلع إلى الأمام وكأن الرسول الأعظم قد مات أمس وترك لنا كتاب الله كاملاً غير منقوص، لا يحتاج إلى تتمة، فيه هدى ورحمة للناس جميعاً، على اختلاف مللهم ومعتقداتهم، لنجد أننا أولى من غيرنا بحمل لواء المحبة، فالله تعالى قد أكرمنا برسالة بلساننا لنكون سباقين بالخير لا بالعداء، تحت شعار يجمع الإنسانية، يلخصه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، والتقوى يدخل ضمنها كل من أراد أن يعمل صالحاً {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وفي عمل الخير أبدع ما شئت، فلا حدود لهذا الإبداع.
مبرارات للتشدد:
وقد يكون من المفيد هنا التذكير أن الحرام في كتاب الله واضح، وهو شمولي أبدي بيد الله وحده، والأصل في الأمور الإباحة إلا ما حرم، والمحرمات معدودة ومعلومة، لا تحتاج للف ولا دوران، ولا أن نكتشف فجأة أن ما حرمناه على الناس طوال قرون وحولنا حياتهم إلى جحيم قد أصبح حلالاً بين ليلة وضحاها، فالحرام سيبقى حراماً حتى قيام الساعة، ولا يمكن لأحد أن يحل عقوق الوالدين ولا أكل مال اليتيم ولا قتل النفس ولا الغش ولا قول الزور ولا ارتكاب الفاحشة، وكان الأجدر بالسادة الفقهاء وغيرهم ألا يتقولوا على الله زوراً وبهتاناً، ثم يبحثوا عن فتاوى هنا وهناك لتبرير تراجعهم، ومع ذلك فقد آن الأوان لنعلم أن لا وسيط بين الله وعباده، وكتابه بين أيدينا، لنقرأه ونتدبر معانيه، فنعرف أن الله لم يخلقنا لنتعذب بل لنهنىء بعيش رغيد، عبر تسخير كل ما في الكون لخدمة الإنسانية، لكن تركنا المهمة ل “الكفار” يعملون ويخترعون ويكتشفون ونحن نستهلك، من دواء إلى سيارات إلى تكنولوجيا واتصالات، ثم نلعنهم ونلعن العولمة التي تسمح لهم بمشاركتنا قيمهم وثقافتهم، وهم ماضون قدماً إلى الأمام ونحن ما زلنا نناقش جواز الاحتفال بعيد الحب من عدمه، نترنح تحت صوت عقد ذنب أولها “كل بدعة ضلالة” ولا نكاد نتلمس آخرها، علماً أن كل أعمالنا تتطلب الإبداع، إلا الشعائر فلا بدعة فيها.
ودعا الى التآخي في الإنسانية مع جميع الناس والنظر لهم بعين الحب.