في عامين متتاليين من القرن العشرين قامت في اليمن ثورتان مجيدتان، الأولى كانت في السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962، والثانية في الرابع عشر من أكتوبر سنة 1963.
الثورتان أحدثتا خلال ظرف وجيز تحولات إيجابية كبيرة في حياة اليمنيين، وكان لهما فضل الانتقال المأمون من حقب الاستبداد الإمامي والاستعماري إلى رحاب آخر في جمهوريتين فتيتين أصبح لليمن الجديد معهما شأن آخر في الحياة.
على مستوى شمال البلد مثلاً، أخرجت ثورة 26 سبتمبر المجيدة اليمنيين من القمقم ومن العتمة إلى النور، وخرج إلى شارع الحياة اليومية خلال ظرف وجيز إنسان يمني آخر يلبس ربطة العنق، ويذهب إلى السينما، وينتظر موعد إقلاع الطائرة، ويذهب إلى المدارس والجامعات، وينظر إلى المرأة باحترام كبير مش مشغول بقعشة شعرها ولا بلون البالطو حقها ولا بمراقبة العورات وحراسة أخلاق المجتمع، ولا بأي شيء من ذلك العمى الذهني الذي ورثه الأجداد من حقب حكم الكهنوت البغيض.
وعلى مستوى جنوب البلد مثلاً، ذوبت ثورة 14 أكتوبر المجيدة حكم السلطنات في جيب وطني واحد.
وخلال 3 سنوات سريعة هي الأخرى خرج إلى شارع الحياة اليومية إنسان يمني آخر طوع حالة الانفتاح التي ورثها من حقبة حكم الاستعمار البريطاني لصالح بناء مجتمع محلي جديد طعفر الطبقية وقدم تجربة فريدة في إدماج المهمشين مع بقية طبقات المجتمع الجنوبي.
وكان للثورتين رموز خالدون في الذاكرة تركوا الحياة من دون أي ثراء شخصي، ومن دون أي مكاسب أو أي أطماع بما يكفي لأن يكونوا الملهمين جيلًا بعد جيل بالنسبة لكل اليمنيين الذين عاصروا الثورتين الخالدتين، أو الذين وصل خيرهما إليهم في ما بعد.
ولأنهما ثورتان عظيمتان حملتا في رحميهما كل تطلعات اليمنيين في الذهاب إلى العصر، قادهما في الميدان ثوار رسموا الهدف بكل وضوح، كان أثرهما سريعًا وملموسًا على أرض الواقع، وذهبت البلاد بفضلهما إلى النور وإلى المجد والخلود.
والآن وفي أربع سنين متتالية من القرن الواحد والعشرين حدثت في اليمن الحديث “نكبتان” مدمرتان وناسفتان، اسم الدلع حقهم في البطاقة الشخصية كالتالي:
الأولى: ثورة 11 فبراير 2011.
والثانية: ثورة 21 سبتمبر 2014.
ولكن أيش عملين وأيش قدمين للشعب اليمني؟
وما هو أثرهن الملموس على أرض الواقع عشان يحتفلوا كل سنة بذكراهن؟
ما فيش غير الخراب والدمار والحرب، وبلاد كانت تسير ببطء إلى العصر، بغض النظر عن فساد النظام السابق، كان الحال ماشي حبة حبة.
والآن معانا في السجل الشخصي للنكبتين بلاد طحست بشكل مروع ومتسارع ومخيف إلى أسفل سافلين.
وفي صفوف جماهير الدلوعتين أبرياء وضحايا وحالمون وخضعان.
هذا صحيح ميه ميه، ولكن هناك في المقابل أيضًا مستفيدون كثر من فوائد الدلوعتين، ويمكنك وأنت مغمض عيونك مشاهدة آثار النعمة بادية بكل وضوح على أشكالهم وعلى خطابهم.
ومقارنة بحال البلاد، وكيف كانت قبل النكبتين، وكيف أصبحت الآن، وكيف كان حال دوناك الثوار زمان، وكيف أصبحوا الآن منعمين.. بإمكانك أخي الثائر “المشعّب” أختي الثائرة “المشعبة” أن تعرف جيدًا ومن دون مكارحة بأن الثورة في مكان آخر.
*نقلا عن: موقع اليمني – الأميركي