الكشف عن 4 مسارات لنهاية الحرب في أوكرانيا “ما هي؟”
مستنقع روسيا المرير وتشييد ستار حديدي جديد..
أثار غزو القوات الروسية أوكرانيا أسوأ أزمة أمنية في أوروبا منذ عقود، لكن بينما تركز معظم التحليلات على الوضع الجاري في ساحات القتال، من المهم التنبؤ بالمسارات والنتائج المحتملة المتعددة للحرب، كخطوة حاسمة نحو اجتياز عواقبها المحتملة بنجاح، وعلى الرغم من أن الوضع في أوكرانيا متقلب، يتوقع الخبراء والمحللون في واشنطن أربع طرق يمكن أن ينتهي إليها الصراع، بينما يحتمل أن تواجه الولايات المتحدة وحلف “الناتو”، بل والعالم بأسره، فترة صعبة من الصراع المستمر مع روسيا، فما هي المسارات الأربعة وأيها أكثر احتمالاً للتحقيق؟
عندما يرتفع صوت المدافع، يخبو صوت العقل ويضعف تأثير الدبلوماسية وينتظر كل طرف من أطراف الصراع نتيجة المعركة، وعلى الرغم من أن الوضع في أوكرانيا يتغير بين لحظة وأخرى وقد يستمر كذلك فترة طويلة من الوقت، يقدم محللون سياسيون وأمنيون في مركز “سكوكروفت” للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن، أربعة مسارات يمكن من خلالها توقع كيفية نهاية الصراع المحتدم الآن بين روسيا وأوكرانيا، وكلها ستكون مكلفة بما فيها أكثر هذه الاحتمالات وردية.
المسار الأول: المعجزة
يبدو هذا السيناريو أشبه بالمعجزة نظراً لأنه يبدو متفائلاً إلى درجة كبيرة وصعب المنال، ولكنه في النهاية قابل للتنفيذ على الأرض ولو بصعوبة، فهو يتصور أن المقاومة العسكرية والمدنية الأوكرانية قد تتغلب على الصعاب، وتوقف تقدم القوات الروسية بدعم من المساعدة الدفاعية التي تقدمها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبفضل تصميم ومهارة المقاومة الأوكرانية، ما يفرض جموداً في ساحة المعركة لصالح المدافعين، وهو ما يعني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتمكن في هذه الحال، من الإطاحة بحكومة كييف وإقامة حكومة موالية له.
وفي ظل هذا الوضع، يصبح جلياً للكرملين أن روسيا ستدفع ثمناً باهظاً لمغامرتها إذا طال أمد القتال، بما في ذلك احتمال زيادة قوة المقاومين داخل أوكرانيا، إلى جانب الانهيار الاقتصادي لروسيا والعزلة الدبلوماسية لموسكو حول العالم، ومن ثم يقرر الرئيس بوتين سحب قواته من أوكرانيا لتبقى دولة ديمقراطية ذات سيادة، بينما تؤدي هزيمة موسكو إلى تسريع وتيرة الاستياء الداخلي الذي ينتشر في مختلف أنحاء روسيا، ويضطر بوتين إلى تحويل تركيزه نحو التهديدات الداخلية المتزايدة لسلطته، وفي المقابل، يحقق “الناتو” وضعاً أمنياً أفضل في أوروبا بعدما تتعرض روسيا للتأنيب والمساءلة وتقترب أوكرانيا أكثر من الغرب.
ومع ذلك، فإن الوضع الأمني في أوروبا لن يعود إلى ما كان عليه قبل الغزو الروسي، حيث ستكون الحرب القصيرة قد أودت بحياة الآلاف من الجانبين، وتركت في أعقابها مرارة واسعة النطاق، وعلى الرغم من ظهور أوكرانيا سليمة نسبياً أو بأضرار متوسطة، فإن جارتها روسيا التي تظل خطرة، ستكون في لحظة حاسمة تواجه فيها مستقبلاً غير مؤكد مع وصول المشهد السياسي الروسي إلى نقطة تحول، وسواء كانت البلاد تميل نحو مزيد من التشدد والاستبداد في عهد بوتين، أو تبتعد عنه تماماً، فإن الوضع الناشئ عن هذا التحول، سيحدد إلى حد كبير كيف ستتعامل روسيا مع الغرب وبقية دول العالم.
المسار الثاني: المستنقع
تتحول أوكرانيا في هذا السيناريو إلى مستنقع مرير للقوات الروسية، فهو يتصور أنه بعد أسابيع من القتال العنيف في العاصمة الأوكرانية كييف والمدن الكبرى الأخرى، سوف تتمكن روسيا من الإطاحة بحكومة الرئيس فلوديمير زيلينسكي، وتُنَصب حكومة جديدة موالية لها، لكن القوات المسلحة الأوكرانية والمواطنين المدنيين المتطوعين للقتال يرفضون الاستسلام، ويقررون بدلاً من ذلك، شنّ تمرد واسع النطاق، مسلح بشكل جيد ومنسق بدرجة كبيرة ضد القوات الروسية الغازية، وعلى الرغم من تضاؤل قدرات القوات النظامية الأوكرانية بمرور الوقت، واحتلال المدن الكبرى مثل كييف، إلا أن انتصار روسيا سيكون باهظ الثمن.
وقياساً بالنمط المتكرر الذي شوهد في أماكن أخرى من العالم، سوف يتسبب التمرد الأوكراني في خسائر بشرية ومالية كبيرة مستمرة لروسيا التي تضطر في مواجهة ذلك إلى تكريس قدر أكبر بكثير من مواردها على مدى فترة زمنية أطول مما كانت تتوقعه، ما يؤدي إلى تفاقم أزمتها بسبب الدعم الخارجي للمتمردين، وتقديم دول “الناتو” مساعدات دفاعية سرية قوية للمقاومة الأوكرانية، الأمر الذي يستنزف خزائن موسكو على مدى أشهر أو سنوات، وفي نهاية المطاف تضطر القوات الروسية إلى الانسحاب بعد كثير من العنف والموت.
وفي هذا التوقيت، يدرك بوتين وكبار النخبة في روسيا بعد أن بالغوا في سعيهم لتحقيق أهداف غير واقعية في أوكرانيا، أنهم يواجهون “لحظة بريجنيف” الخاصة بهم، والتي قاد فيها الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف قوات بلاده إلى طريق طويل ومكلف داخل أفغانستان، في حرب لا يمكن الانتصار فيها، وانزلق في المستنقع الذي يُضرب به المثل في استنزاف العديد من الدول القوية عبر التاريخ، وبالقدر نفسه من السوء، دخلت روسيا حرباً أخرى في أوكرانيا لا يمكن الانتصار فيها، بل أصبحت روسيا في نظر معظم العالم، دولة منبوذة.
في هذا السيناريو، سوف تتعرض أوكرانيا للدمار، لكن هيبة بوتين سوف تتضرر بشدة، ويصبح وضعه الداخلي في روسيا غير مستقر، إذ من المتوقع أن تشكك النخب المختلفة في قدرته على اتخاذ القرار الصائب وتقدير الأمور بحكمة، وسيعبر عامة الناس عن غضبهم من الوضع الاقتصادي المتدهور الذي ستعاني منه بلادهم، فضلاً عن تقليص المكانة العالمية لروسيا التي كانت تتمتع بها خلال السنوات الماضية.
المسار الثالث: ستار حديدي جديد
في هذا السيناريو تنهار أوكرانيا في النهاية تحت وطأة الغزو الروسي، فعلى الرغم من شدة المقاومة، تتمكن القوات الروسية من السيطرة على البلاد عبر استخدام الأسلحة الثقيلة ومزيج من التكتيكات المختلفة التي سوف تستطيع بقوة وحشية إخماد المقاومة ضد الحكومة الموالية لموسكو التي نصبها بوتين والتي تفشل في إثبات قوتها بدرجة تكفي لتحدي القوات الروسية الكبيرة المنتشرة في أوكرانيا.
وحينما يتحقق ذلك للكرملين، ينزل الستار الحديدي الجديد في أوروبا الشرقية، ويمتد كخط فاصل على طول حدود دول البلطيق في الشمال مروراً بحدود بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا في الجنوب، بينما سيكون كل من السويد وفنلندا قد انضمتا إلى “الناتو” لتعزيز أمنهما ضد مخططات موسكو الانتقامية.
وعلى الرغم من معاناة روسيا من تكاليف اقتصادية باهظة، فإن بوتين سيتمكن من تعزيز قبضته على السلطة في موسكو، ويسحق المعارضة المحلية بقوة أكبر، بينما يصبح حلف “الناتو” أكثر اتحاداً في مواجهة التشدد الروسي، لكن الحلف سيكون مجبراً على قبول خياراته المحدودة للغاية والتي لا تمكنه من تغيير اتجاه خسارة أوكرانيا، وكما هي الحال مع الستار الحديدي الذي شهدته أوروبا بعد منتصف القرن الماضي بين حلف “وارسو” و”الناتو”، فإن الانقسام الجديد في قلب أوروبا، سوف يجلب معه قائمة مألوفة من المخاطر والشكوك، إذ سيكون بمقدور قوات “الناتو” والقوات الروسية التحديق في بعضهما البعض عبر حدود عسكرية، ما يثير احتمالات نشوب صراع مباشر عن طريق الصدفة أو بقصد وتصميم، بخاصة مع توقع أن تشنّ روسيا مغامرات عسكرية إضافية وعمليات حربية هجينة أكثر عدوانية ضد دول حليفة لـ “الناتو” وسط مواجهات طويلة ووعرة، لا تضمن نتيجة واضحة أو التوصل إلى حلول سلمية.
المسار الرابع: حرب بين “الناتو” وروسيا
لكن السيناريو الأكثر خطورة لمستقبل أوروبا والنظام العالمي هو الذي يمهد فيه الصراع الروسي- الأوكراني المسرح لنزاع عسكري مباشر بين حلف “الناتو” وروسيا، حيث يمكن أن يسلك طرقاً عدة لتحقيق هذه النتيجة، أولها أن يقرر حلف “الناتو” في وقت ما من الصراع، تصعيد مشاركته في أوكرانيا، وقد يكون ذلك عبر محاولة تنفيذ منطقة حظر طيران أو أي شكل آخر من أشكال التدخل المباشر، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في “الناتو” رفضوا في الوقت الحالي، تطبيق منطقة حظر طيران، إلا أن هذه الحسابات يمكن أن تتغير إذا استمرت روسيا في تصعيد قصفها للمدنيين.
وإذا حدث هذا التدخل تحت ضغط شعبي وإعلامي في الغرب كما تشير استطلاعات الرأي الآن، فسوف تضطر روسيا إلى اتخاذ قرار بالتراجع أو الاشتباك المباشر مع قوات التحالف العسكرية، فإذا اختارت الخيار الأخير، سيزداد خطر تصعيد النزاع المسلح بين “الناتو” وروسيا بشكل كبير.
وفي سيناريو آخر للمواجهة المحتملة، يمكن لروسيا أن تضرب عن غير قصد أراضي دولة عضو في “الناتو” على سبيل المثال، من خلال استهداف غير دقيق أو تحديد خاطئ للصديق والعدو، ما يؤدي إلى اتخاذ إجراءات مضادة من قبل “الناتو”، بخاصة أن روسيا هاجمت بالفعل أهدافاً قريبة من الحدود البولندية خلال الأسبوع الماضي، وهناك إمكانية لتزايد هذا الخطر خلال الأسابيع المقبلة مع بدء تضاؤل مخزون الجيش الروسي من الذخائر الموجهة بدقة، واعتماده على الذخائر التقليدية التي تخطئ أهدافها في بعض الحالات، ما يهدد باندلاع صراع مباشر في المناطق الحدودية لأوكرانيا، بل يمكن أن يؤدي هذا إلى بدء دورة من الضربات والضربات المضادة تؤدي إلى حرب مفتوحة.
وعلاوة على ذلك، هناك احتمالية مخيفة تتعلق باحتمال أن يكون لدى الرئيس بوتين مخططات أوسع بكثير تمتد خارج أوكرانيا، فإذا أحرزت القوات الروسية تقدماً سريعاً في أوكرانيا وحققت سيطرة فعالة على البلاد، فقد يتجه بوتين إلى تحويل انتباهه إلى الدول التي يطمع فيها كجزء من رغبته في إعادة تشكيل مجال نفوذ يتوافق على نطاق واسع مع أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، وفي هذا الوضع ستكون دول البلطيق، وكلها أعضاء في “الناتو” هي المرشحة بوضوح لاختبار مخططات بوتين وعزم الناتو للتصدي له في الوقت نفسه، وقد يكون لدى بوتين اعتقاد بأن “الناتو” سوف يتراجع إذا استمر في الضغط عليه، وقد يصر “الناتو” على التصدي لأي توغل عسكري روسي في دولة عضو بالحلف.
ضباب الحرب
ووفقاً للتحليل الذي انتهى إليه الخبراء الأمنيون في مركز “سكوكروفت” للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، تشير الدلائل المبكرة إلى أن نتائج هذه الحرب تتحول لصالح الغرب لثلاثة أسباب، أولها أن الهجوم الروسي واجه مقاومة أوكرانية قوية مدعومة شعبياً في مختلف أنحاء أوروبا والغرب، وثانياً لأن روسيا وبوتين استهانا بشدة من عزيمة الأوكرانيين ومن الغضب العالمي ضد موسكو، وثالثاً أن الحكومات المختلفة على جانبي الأطلسي اتخذت خيارات سياسية اقتصادية ومالية ودبلوماسية وأمنية وثقافية ورياضية تعكس صلابتهم وتصميمهم لتحقيق الهدف، كما أظهرت تضامنهم الصلب المكتشف حديثاً.
ومع ذلك، لا يزال العالم يمر بلحظة خطيرة وغير مؤكدة إلى حد كبير، فلا يزال ما سيحدث بعد نهاية هذا الصراع مجهولاً، مثلما يجهل الجميع كيف ومتى وأين ينتهي القتال، ويمكن أن ينتهي الأمر ببوتين قوياً أو ضعيفاً داخل روسيا، اعتماداً على التطورات المحلية بما في ذلك إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية أو انقلاب داخل روسيا، وكذلك التطورات الخارجية وبخاصة ما إذا كانت الصين سوف تعزز أو تخفض دعمها لبوتين نفسه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
ولا يعلم أحد، ما إذا كان الرئيس بوتين يعتزم فتح جبهات أخرى في مولدوفا أو جورجيا، أو حتى محاولة السيطرة على ممر سوالكي (الممتد على الحدود بين بولندا وليتوانيا وكلاهما في الناتو) والذي يربط بيلاروس حيث تحشد روسيا الآلاف من جنودها هناك حالياً، وكاليننغراد، وهي منطقة روسية استراتيجية تقع على بحر البلطيق، الأمر الذي يعد نقطة ساخنة قابلة للاشتعال بين روسيا و”الناتو”.
ومع ذلك فإن الحروب عندما تندلع، فإنها نادراً ما تتبع مساراً محدداً، بل يقودها المقاتلون والقادة العسكريون والسياسيون في مسارات غير متوقعة، وقد تفرز نتائج من شأنها أن تغير العالم، ومن الواضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا يحمل بذور مثل هذا الصراع، لكن نتائجه بالنسبة لأوكرانيا وبقية العالم تظل قيد الانتظار.