واضح من خلال طريقة عيشنا في اليمن، أن الحياة تعبت مننا صراحة، وأنها تستيقظ من نومها كل يوم وهي طفشانة قوي من خبابيرنا اليومية المملة.
وأنها تعمل كل ما بوسعها للتخلص مننا بأي طريقة كانت، وأن عندها النية للهرب مننا سنينًا ضوئية لأننا أصبحنا عالة عليها وعبئًا ثقيلًا على هذه الدنيا.
وكل يوم وهي تحاول التملص مننا، وتتحجج لنا بموضوع جديد عشان نقنع منها ونموت.
يوم تتحجج لنا بالحرب وتعيّشنا أسوأ الظروف اليومية واحنا على ما احنا ممسكين بسبلتها ومش راضين نموت ولا راضين نغير من طريقة تعاطينا معها.
تتحجج لنا بالانفلات الأمني وبغلاء الأسعار، وانهيار صرف الريال مقابل سعر صرف الدولار، وبانعدام الغاز والبترول، وبانقطاع الكهرباء، وبانقطاع الرواتب، وبانقطاع كل مباهج الدنيا، واحنا على ما احنا شعب عنادي ماسكين بالحياة من سبلتها بكل ما لدينا من صبر.
وسنظل هكذا على الدوام مستمرين في عنادنا، ونرفض أن نترك الحياة تمشي من دوننا، ولو كلفنا ذلك الصراخ طويلاً في كل زغط وفي كل وادٍ وفي كل محفل، ويا احنا ياهيه.
ومشكلتنا مع الحياة عويصة على أيّ حال.
لا قدرنا نفهمها ونسايرها ساع بقية الخلق، ولا قدرنا نلتزم بقواعد السير فيها ونذهب إلى العصر بسلام.
ولا هي نفسها قدرت تفهمنا وتتصالح مع هوشليتنا الدائمة وتختلق لنا الأعذار اللازمة للاستمرار معنا في درب التبانة بصبر وقوة تحمّل.
صح انو ما عد فيش معانا دولة ولا حكومة ولا جيش ولا وطن متماسك يمكن له في لحظات التعب والخوف الكبير من المجهول أن يأوينا جميعًا.
وصح انو احنا صرنا في واقع الحال شعب مشعتل يعيش حياة الطرائد الشريدة والملاحقة بشكل يومي من كل قوة مسيطرة على جزء في البلاد.
وصح أن كل سلطة جديدة تأتي إلينا تصير بشكل تلقائي أسوأ وألعن من اللي قبلها.
صح أن الحرب طولت والخراب وصل متدفقًا كالسيل إلى كل بيت وكل قلب، وصح انو احنا مش عايشين زيما بقية خلق الله في الدنيا، وأن أعمارنا وطاقاتنا مهدرة، وأننا محاصرون بالكآبة من كل اتجاه.
لا معانا حدائق عامة ولا متنزهات ولا سينما ولا مسرح ولا نوادٍ صحية ولا مهرجانات ترفيه ولا سُياح ولا سياحة، ولا أي شيء من كل تلك المباهج العادية التي يحظى بها وبالحصول عليها أي شعب في المعمورة.
ولكننا وعلى الرغم من كل ذلك، ما زلنا حتى هذه اللحظة شعبا يقاوم بطريقته البدائية كل السفالات عشان يعيش ولو في سبلة الحياة.
لا نشتي رفاهية ولا همبرجر ولا شوسي ولا كريم كراميل ولا ملوخية بالأرانب، نشتي نتخارج بس من هذه المحنة واحنا «سلَم».
ولكن الحياة نفسها موزوداها علينا حبتين.
ومش كفاية يعني أن قد احنا عايشين بالصميل في سبلة العالم، وأن احنا مورطين بأسفل خلق الله في مواقع إدارة شؤوننا اليومية، وتزيد الحياة تتزنط وتستكثر علينا حتى الإمساك بسبلتها؟! هذا قدو جنان والله.
وأيًّا يكن الحال عمومًا، فإنه لا ينبغي لفرصة الحياة التي خلقها الله لجميع البشر مرة واحدة أن تتغنج علينا أكثر، وأن ترهقنا بهروبها مننا أكثر مما قد احنا مرهقين أصلاً.
ومتى ستتصالح معنا هذه الحياة؟
عندما نتصالح معها.
نقلا عن موقع اليمني – الأميركي