رجحت مصادر سياسية يمنية مطلعة أن يكون هدف التصعيد الجديد للحوثيين هو خلق المناخ الملائم عسكريا وسياسيا لتقديم مبادرة لوقف إطلاق نار مؤقت تهدف إلى إحراج السعودية والإيحاء بأنهم ساعون إلى التهدئة، وفي نفس الوقت تهميش مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي رفضها الحوثيون ويريدون لقاءات في دولة محايدة ما يسمح لهم بالمناورة وربح الوقت ويمنع إظهار الرياض في صورة المبادر إلى الحوار.
وقالت المصادر السياسية اليمنية إن المهم بالنسبة إلى الحوثيين ليس محتوى المبادرة، وإن كانت ستقدر فعلا على ضمان الهدنة وفتح مطار صنعاء ومرفأ الحديدة، وإنما فتح النقاش حول المبادرة واستثمارها في الجدل الذي سيفرض على المبعوثين الأميركي والأممي والوسطاء الإقليميين وتناسي القضية الأهم، وهي وقف الهجمات الحوثية على أراضي السعودية.
وسبق للحوثيين أن أفرغوا مبادرات أممية وإقليمية تخص فتح المطار والمرفأ من أي محتوى بتخليهم عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة منهم، وهو ما يجعل المبادرة الجديدة بلا جدوى، خاصة في ظل تمسك السعودية بوقف الهجمات على أراضيها واعتبار أي تفاهمات لا تحقق هذا المطلب غير ذات جدوى.
وطالب التحالف العربي بقيادة السعودية السبت الحوثيين بسحب أسلحتهم من مطار صنعاء، محذرا من أن إبقاء الأسلحة في المطار وغيره من المناطق المدنية يجردها من وضعها كمناطق آمنة لا تستهدفها الضربات الجوية للتحالف.
ورفض الحوثيون في منتصف مارس مبادرة طرحها مجلس التعاون الخليجي لتنظيم حوار للقوى المتحاربة في اليمن تعقد بين التاسع والعشرين من مارس والسابع من أبريل في الرياض بزعم إجرائها “في دول العدوان”، في إشارة إلى السعودية.
من جهة ثانية لم تستبعد مصادر يمنية أن يكون التصعيد الحوثي مرتبطا باحتياجات استراتيجية إيرانية أكثر من ارتباطه بموقف الحوثيين الرافض للمشاركة في مشاورات الرياض.
وقالت المصادر إن التصعيد الحوثي الذي يستهدف إمدادات الطاقة السعودية مرتبط بمحاولة إنضاج مشروع إعادة إيران إلى خارطة مصدري النفط في العالم على وقع الأزمة المتصاعدة بين الغرب وروسيا وتعزيز رغبة واشنطن في البحث عن بدائل للطاقة الروسية وفي مقدمة ذلك رفع العقوبات عن طهران، وهو الأمر الذي يتبناه جناح مؤثر في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ولم يستبعد الباحث السياسي اليمني سعيد بكران في تصريح لـ”العرب” وجود بعد دولي فاعل يفسر التصعيد الحوثي، وهو ما يمكن فهمه من خلال رصد “طبيعة الهجمات الحوثية وتوجيهها نحو منشآت النفط وإمدادات الطاقة على أنها رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة وأوروبا تحثهما على الإسراع في التقدم نحو الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن طهران وعودة النفط الإيراني إلى الأسواق بأسرع وقت لأن إمدادات النفط من المملكة ليست مضمونة وتتعرض لمخاطر”.
وأشارت مصادر “العرب” إلى أن مبادرة الحوثيين مؤشر واضح على وجود مسارين حوثيين منفصلين؛ أحدهما يمثله الوفد التفاوضي برئاسة ناطق الجماعة محمد عبدالسلام، والآخر يمثله الجناح العسكري المرتبط بالحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر ويتلقى تعليماته من طهران لرفع وخفض مستوى التوتر بقدر ما تقتضيه مصلحة إيران السياسية في ظل مفاوضاتها المستمرة في فيينا حول الاتفاق النووي.
واعتبر عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات أن “تزامن التصعيد الحوثي مع اقتراب انطلاق المشاورات اليمنية – اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي في الرياض يهدف إلى كسر حالة التهدئة وضبط النفس التي جنح لها التحالف العربي بهدف إنجاح المشاورات”.
وفيما جددت الرياض تأكيداتها على عدم مسؤوليتها عن خفض مستوى الإنتاج النفطي نتيجة للهجمات الحوثية وما قد ينعكس على الاقتصاد العالمي جراء هذه الخطوة التي تترافق مع الأزمة الأوكرانية، لوح التحالف العربي السبت بتنفيذ ردود نوعية تتجاوز الضربات الاعتيادية التي دأب التحالف على القيام بها عقب كل عملية تصعيد حوثي.
وفي إشارة إلى أن عمليات التحالف القادمة ستستهدف عصب الاقتصاد الحوثي ومصادر تمويله المالية عبر أسواق بيع المشتقات النفطية، اتهم بيان التحالف الحوثيين باستخدام “مواقع ذات حماية خاصة لمهاجمة المنشآت النفطية لدينا”.
ولفت البيان إلى قيام التحالف باستهداف “مسيرات مفخخة قيد التجهيز بميناءيْ الحديدة والصليف”، فيما أشارت مصادر إعلامية إلى تمكن التحالف من “إحباط هجوم وشيك على ناقلات النفط”، مشيرا إلى “استهداف 4 زوارق مفخخة بميناء الصليف قيد التجهيز”.
وأمهل التحالف العربي الذي تقوده السعودية الميليشيات الحوثية 3 ساعات “لإخراج الأسلحة من ميناءي الحديدة والصليف ومطار صنعاء”، كما طلب من المدنيين الابتعاد عن مخازن الأسلحة وأوكار ميليشيات الحوثي بحي حدة في صنعاء، مشيرا إلى أن “ميليشيات الحوثي تتخذ من حي حدة في صنعاء مخزنًا للأسلحة والمدنيين دروعًا بشرية”.
وترجح مصادر مطلعة أن يشهد رد التحالف العربي على الهجمات الحوثية نمطا جديدا، أكثر حزما وأقل اعتبارا لطبيعة الضغوط الدولية التي واجهها التحالف خلال السنوات الماضية وضيقت من بنك أهدافه إلى أبعد الحدود الممكنة، الأمر الذي وسّع هامش مناورات الحوثيين.
ووفقا لمصادر “العرب” ستشمل قائمة أهداف التحالف العربي العسكرية مواقع ومنشآت حوثية تتبع قيادات فاعلة في الجماعة وتسهم في تمويل آلة الحرب الحوثية التي تعتمد في المقام الأول على الأسواق السوداء لإعادة بيع المشتقات النفطية، إضافة إلى تعطيل قطاعات اقتصادية حوثية من المتوقع أن تزيد من حالة الغضب الشعبي ضد الميليشيات وتجفف مصادر التمويل الحوثية بشكل ملموس.
وربط سعيد بكران التصعيد بما أسماه حالة “التوتر والغضب الحوثييْن منذ أعلن مجلس التعاون الخليجي نيته إجراء مشاورات في الرياض للخروج بحل للحرب، حيث أعلنت الجماعة رفضها الدعوة بطريقة هستيرية لا تخطئها عين مراقب لسلوك الجماعة”.
وتابع “يبدو أن تقدير الموقف داخل أطر الجماعة الإيرانية قد رأى خطراً سيترتب على هذه المشاورات، وأغلب التوقعات تقول إن الجماعة ربما قرأت توجها خليجيا من خلال المشاورات بإعادة توجيه الشرعية بعيدا عن الأجندة الموالية للجماعة أو التي تتعامل معها بشكل أو بآخر والتي لديها نقاط اتفاق عدائية مشتركة مع إيران حول التحالف السعودي – الإماراتي، وعليه يكون هذا التصعيد وسيلة ضغط لوقف الترتيبات أو تعطيلها أو حرفها عن المسار الذي ترى الجماعة أنه يشكل تهديدا لمصالحها داخل الشرعية وباسمها ومن تحت طاولتها”.