ما إن حل شهر رمضان في اليمن حتى انقلبت الحياة رأس على عقب ابتهاجا بقدوم الشهر الفضيل.
وانطلق الأطفال في تجمعات صغيرة يتجولون بين الأحياء السكنية رغم الظلام التي تعيشه معظم المدن اليمنية إثر قطع التيار الكهربائي من قبل مليشيات الحوثي الإرهابية، مرددين أهازيج الفرح:
يا مرحبا بك يا رمضان .. هل هلالك يا رمضان
مرحب مرحب يا رمضان.. شهر التوبة والغفران.
وفي مدينة تعز المحاصرة من قبل مليشيات الحوثي منذ أكثر من 7 أعوام، احتشد أطفال في أحد الأحياء وشكلوا لوحة من كتل النار “أهلا رمضان، ورمضان كريم” وهتفوا الأهازيج حتى الساعات الأولى من الفجر.
ويتميز اليمن بموروث ثقافي وتاريخي خلال شهر رمضان، إذ لا تخلو الأيام الأولى منه، من عادات احتفالية معبرة عن فرحة اليمنيين بحلول شهر الصوم.
إنها تقاليد متجذرة في حياة السكان، وإن اختلفت من مدينة إلى أخرى بتفاصيلها الصغيرة، إلا أن الرابط فيما بينها يبقى شائعا لا سيما تسابق الكبار لإحياء صلاة التراويح في المساجد.
ويعد اليوم الأول للصيام أكثر روحانية، خصوصا حرص اليمنيين فيه على الإفطار الجماعي، إذ يجلب كل شخص بعض الأطعمة، لاسيما “الشفوت” وهي وجبة يمنية عبارة عن خليط من فطائر تصنع من دقيق الحبوب المحلية، وتهرس بإضافة اللبن إليها.
والإفطار الجماعي في اليوم الأول يعد عادة متجذرة في حياة اليمنيين وتمتد تقاليدها من حياة الأجداد في دلالة على الترابط الاجتماعي القوي بين الأسر المختلفة.
طواف اليوم الأول
ومن خلال جلسات السمر، ردد جمع من الحاضرين في تعز بعضا من الأدعية، والتهليل والتكبير والتحميد، وقراءة القرآن، ويلازمون ذلك حتى ساعات الصباح الأولى، إذ يبدأون بالعودة إلى منازلهم لتناول وجبة السحور.
ويقول الطفل اليمني حليم عثمان الأهدل (18 عاما) لـ”العين الإخبارية”، واصفا المشاعر التي غمرته أثناء خروجه مع أصدقائه للترحيب بشهر رمضان: “مثلت فرحة كبيرة، ونحن نطوف في الليلة الأولى من رمضان الأحياء السكنية، مرددين الأهازيج الشعبية المعبرة عن فرحتنا بشهر الصوم”.
يضيف: “لم نعد نمارس تلك التقاليد، ويقتصر أداؤها على ترديد الأذكار بعد صلاة المغرب في الليل التي يعلن فيها رمضان، لكن ما زلت أذكر الإحساس الذي كنت أشعر به، فهو بالنسبة لي غير مرتبط بالعبادة بحكم أنني كنت طفلا في التاسعة من العمر، وإنما كان مرتبطا بالألعاب التي أتشاركها مع أصدقائي في الشارع الأمامي لمنزلنا، في مديرية موزع الواقعة غرب اليمن”.
ويتابع: “الخروج من المنزل ليلا وفي الأيام العادية غير ممكن على الإطلاق، إنه إجراء أسري ينطبق على زملائي أيضا، لكن في شهر رمضان يعتبر بالنسبة لنا نحن الأطفال مسموحا حرية التجول وشراء الحلويات في الساعات الأولى من الليل”.
مفتاح سيد الشهور
كانت الليلة الأولى من شهر رمضان لها إحساس خاص، كانت الأكثر إثارة بالنسبة لنا نحن الكبار في السن، يقول المواطن اليمني فضل هزاع صالح، واصفا الأجواء الفرائحية التي تغمره في اليوم الأولى من شهر رمضان.
يواصل حديثه لـ”العين الإخبارية”، قائلا: “عشت في مدن كثيرة وكل مدينة كانت فيها طقوس اعتاد عليها السكان في استقبال رمضان فالبعض منهم يحرصون على شراء الطيب والبخور الفاخر، ويبدأ في تطييب المساجد ومنازلهم بالروائح الطيبة، فيما اللقاءات في المجالس العامة تعد أحد أبرز تلك المظاهر”.
أما في مدينة محافظة الحديدة فإن المجالس تمتلئ بالحاضرين وتطغى عليها قراءة القرآن وسرد السيرة النبوية والقصص الإسلامية، وتستمر تلك الجلسات من الليلة الأولى حتى اليوم الأخير كأحد مظاهر الاحتفاء برمضان دون غيره من سائر الأشهر الأخرى، وفقا للمواطن اليمني.
عدنان غالب أحد المواطنين اليمنيين الذين لا تزال الفرحة بقدوم شهر رمضان تسيطر على ذكرياته لارتباطها بالعديد من العادات المعبرة عن فرحته بشهر الصوم، يقول “رمضان له نكهته الخاصة وروحانيته التي تختلف من منطقة إلى أخرى، لكن الشعور الفرائحي أعتقد أنه عام بين كل السكان، إنه فرصة للتعبد والتكفير عن الذنوب”.
ويرى أن الليلة الأولى من رمضان تعد بمثابة المفتاح لولوج سيد الأشهر وأفضلهم “لذا كنا ننخرط في طقوس أقرب إلى التصوف، لكن ذلك اضمحل اليوم ولم يتبق منها سوى مجالس قراءة القرآن”.
ويشير إلى أن حرب مليشيات الحوثي سيطرت على حديث المجالس، وتبدلت فيها من مجالس للذكر إلى أحاديث عن الحرب التي تشنها مليشيات الحوثي والجرائم اليومية التي ترتكبها بحق اليمنيين، والتي لن تتوقف رغم إعلان الأمم المتحدة عن هدنة من شهرين تشمل هذا الشهر الفضيل.