ارتقى “سلطان العرادة” عرش مأرب ضمن أول قرار للرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وانتقل إلى أعلى مستويات حكم اليمن في آخر قرار لنفس الرئيس.
10 أعوام احتفظ بها “سلطان بن علي مبخوت العرادة” بمنصب محافظ مأرب وذلك منذ تعيينه في أبريل/نيسان 2012، بعد نحو شهرين من تسلم الرئيس هادي للسلطة بموجب المبادرة الخليجية حتى أصبح مؤخرا واحدا من 8 أعضاء بمجلس القيادة الرئاسي الذي نقل له هادي كل صلاحياته لاستكمال المرحلة الانتقالية.
ولم يكن العرادة حتى قبل الانقلاب الحوثي ذا شهرة، لكنه طيلة 8 أعوام ظل الرجل محط أنظار اليمنيين حتى أطلق عليه البعض أوصافا عدة منها “سلطان سبأ”، و”حارس قلعة الثورة والجمهورية”.
واستحق العرادة بجدارة وصف “حارس عرين سبأ” بعد صمود أسطوري لأرض بلقيس بفعل تماسك صلب لقبائل مأرب بجانب الجيش اليمني وبدعم من التحالف أمام أشرس حملات عسكرية لجحافل الحوثيين المدعومة إيرانيا.
لكن سلطان العرادة مؤخرا بات أمام اختبار صعب لإثبات قدرته في القيادة الجماعية مع رفاقه في مجلس القيادة الرئاسي على تخليص مأرب من أدران الحوثي وكل اليمن بالسلم أو خيار القوة باعتباره لغة وحيدة للمليشيات.
وكانت الرئاسة اليمنية أعلنت، الخميس الماضي، تشكيل مجلس رئاسي برئاسة رشاد العليمي، وعضوية 7 آخرين بصلاحيات كاملة أبرزهم سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبدالرحمن المحرمي، وعيدروس الزبيدي.
وهنا نسلط الضوء على “العرادة” كرجل لعب على نحو استثنائي في مجريات الأحداث اليمنية لا سيما في حرب الحوثي مؤخرا على مأرب، التي كان محافظها ورئيس اللجنة الأمنية العليا، والمرجعية القبلية ورجل الحرب الأول في معركة مصيرية ضد المليشيات.
وتعد مأرب الأكثر تأثيرا في السياسة اليمنية، كآخر أهم معقل للحكومة المعترف بها دوليا شمالي البلاد، وفي اقتصاد البلاد باعتبارها من أغنى المحافظات النفطية، ولا تزال حقول النفط والغاز الهدف الأول للأطماع الحوثية.
سلطان بلقيس
خاض العرادة محطات فاصلة في حياته قذفت به من الزعامة القبلية وقبلها النشاط البرلماني والسياسي إلى سدة حكم مأرب قبل أن يصل إلى عرش حكم البلاد، وذلك بفعل غمار استثنائي خاضه بجسارة منذ آخر 2014.
وولد العرادة في قرية كري بوادي عبيدة بمحافظة مأرب 1958 لأب يعد أحد زعماء قبيلة عبيدة المأربية الشهيرة والتي تستوطن نحو ثلث من جغرافية مأرب قبل أن ينتقل إلى صنعاء للدراسة في كلية الآداب والتخرج منها.
وفي 1975 كلفه رئيس شمال اليمن حينها الراحل إبراهيم الحمدي بالعمل كعضو في لجنة التصحيح في كل المؤسسات الحكومية لمحاربة الفساد المالي والإداري.
واقتحم العمل السياسي من بوابة حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم لليمن طيلة 3 عقود مضت، وعين عضوا في اللجنة الدائمة للحزب عام 1982، ثم عين بعد 5 أعوام من ذلك عضوا في مجلس الشورى.
وانتخاب الرجل عضوا في مجلس النواب في خلال عامي 1993 و1997 وامتنع عن الترشح لدورة ثالثة عام 2003، وظل حتى العام 2011 يعمل كشيخ قبلي بارز يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة في محافظة مأرب.
وفي نفس العام، التحق الرجل باللجنة الوطنية لدعم وتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي شكلت في ديسمبر/تشرين الأول 2011، ومنعت سقوط البلاد في فوضى الإخوان.
وعينه الرئيس هادي في أبريل/ نيسان 2012، محافظا لمحافظة مأرب وعندما انقلب الحوثيون على السلطة الدستورية واجتياح صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، ربطت قبائل مأرب مصيرها بالحكومة المعترف بها دوليا.
آنذاك، اختارت قبائل مأرب العرادة ليكون المرجعية القبلية وصاحب الكلمة الأخيرة في أي خلاف قبلي، وتداعت لمواجهة خطر الحوثي الذي يهدد المحافظة لتدخل منعطفا آخر من معركة حاسمة وطويلة.
العرادة يردع جحافل إيران
أدرك الحوثيون أن محافظ مأرب صخرة في طريق تمددهم نحو حقول النفط والغاز فجمعت المليشيات كل قواها عبر المحافظات المجاورة لكن العرادة رد بالمثل وحشد القادة العسكريين وفتح المعسكرات ودعم القبائل لتضرب مطارح “نخلا” و”السحيل” الشهيرة أواخر 2014.
ودفع الرجل ثمنا لموقفه دم نجله “أمين” الذي ترجل في 2015 ضمن معركة بطولية دفعت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية إلى اختيار مأرب أول محطة للتدخل البري شمال اليمن وساهم ذلك بتحرير المحافظة والوصول إلى مشارف صنعاء.
وخلال عامي 2020 و2021، أعاد الحوثيون بدعم إيراني ذات الهجوم العسكري الواسع على مأرب مدفوعين باختراقات ميدانية كان سببها حرف الإخوان لبوصلة المعركة حتى إن وكالة إيرانية عنونت فصلا من أكاذيبها باسم “سنفطر بتمر مأرب” ليأتي رد سلطانها “لن تدخلوا مأرب لو يقوم حسين الحوثي، المؤسس الأول، من قبره”.
تصريحات تلقتها قيادات الصف الأول للحوثيين كالرصاص لتعمد المليشيات عبر شن هجمات صاروخية انتقامية ومباشرة بدءا من قصف منزل العرادة وصولا إلى مقر عمله الحكومي في مسعى لتصفيته.
وبحسب مصدر محلي لـ”العين الإخبارية”، فإن آخر محاولة لاغتيال العرادة كانت في الشهر الماضي، ورغم ذلك فقد عجزت مليشيات الحوثي حتى اليوم عن اجتياح مأرب إثر الإسناد الجوي الفعال للتحالف في تحصين مأرب.
وهذا الإسناد المحوري للتحالف دائما ما ثمنه العرادة في تصريحاته كرجل أدرك جيدا أن مأرب بالنسبة للتحالف “خط أحمر”، وأن القبائل خط الدفاع الأخير في معركة الحكومة المعترف بها دوليا مع مليشيات الحوثي.
وطيلة 8 أعوام، ظل العرادة “حارس سبأ الأمين”، لكنه اليوم أمام اختبار صعب في سدة الحكم انطلاقا من قيادة جماعية ضمن مجلس القيادة الرئاسي في وقت تتدفق فيه حشود الحوثيين باستمرار إلى محيط مأرب بغطاء الهدنة.
وما بين الخيارات الصعبة تترقب حدقات أعين نحو 3 ملايين يمني معظمهم نازحون في أرض بلقيس، لحظة الخلاص ومثلهم 30 مليونا في ربوع كل اليمن.