يطوي اليمنيون صفحة مريرة من الخلافات التي كانت تنخر جسد الشرعية طيلة 8 أعوام من الحرب ضد الانقلاب الحوثي وذلك بإعلان مجلس قيادة رئاسي.
وأنعش حراك أعضاء مجلس القيادة الرئاسي نحو تقريب وجهات النظر بين الأطراف والمكونات في معسكر الشرعية، الآمال نحو توجه يمني فعال لطي صفحة الخلافات وتوحيد الصف لمواجهة التمدد الإيراني.
وعكس حراك أعضاء المجلس لا سيما اللقاءات التي قادها طارق صالح وعيدروس الزبيدي لتوحيد الصف شمالا وجنوبا، حجم التحول اليمني نحو تصفير الخلافات والمضي قدما نحو استعادة الدولة ومؤسساتها من قبضة الانقلاب.
وكان الرئيس السابق عبدربه منصور هادي الذي تم انتخابه عام 2012، أعلن، الخميس الماضي، تشكيل مجلس قيادة رئاسي برئاسة رشاد العليمي ونقل إليه السلطة وفوضه بكامل الصلاحيات لاستكمال المرحلة الانتقالية.
ويتألف المجلس أيضا من 7 أعضاء جميعهم بدرجة نائب رئيس البلاد، وهم: سلطان العرادة. العميد طارق صالح. عبدالرحمن المحرمي. عبدالله العليمي. عثمان مجلي. اللواء عيدروس الزبيدي. فرج البحسني
ولاقى إعلان مجلس القيادة الرئاسي والهيئات والجهات المساندة له، ترحيبا محليا وإقليميا ودوليا وأمميا، واسعا، كخطوة تاريخية لإنهاء الأزمة اليمنية عبر عملية سلام شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة.
لكن عملية السلام لا تزال مرهونة بالحوثيين الذين وجدوا أنفسهم عقب تشكيل مجلس قيادة رئاسي، في زاوية ضيقة بعد أن توحد كل خصومهم في كتلة واحدة.
ورمى رئيس مجلس القيادي الرئاسي رشاد العليمي في أول خطاب له، بعد يوم واحد من تسلمه السلطة، الكرة في ملعب مليشيات الحوثي لتقرير خيار المرحلة المقبلة عبر الجنوح للسلم وهي مهمة المجلس الأساسية أو تفعيل خيار القوة (الحسم العسكري) لتحقيق السلام.
لحمة يمنية قوية
تشير مؤشرات المشهد اليمني إلى أن الضربة القادمة سوف تصيب رأس المشروع الإيراني ووكلاءه كخطوة تتوج وحدة الصفوف واللحمة اليمنية القوية، وذلك باستثمار هدنة الشهرين الأممية في استكمال إنهاء الخلافات في الوسط القيادي والرأس الذي يقود المعركة عسكريا وسياسيا.
ووفقا لوكيل وزارة الإعلام اليمنية أسامة الشرمي فإن إعلان تأسيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي ضم كل القوى الفاعلة وأطياف العمل السياسي إلى مركز القرار السياسي، تعد خطوة تاريخية لتوحيد الجبهة الوطنية لمواجهة الحوثي.
وبحسب الشرمي، فإن تشكيل المجلس خطوة تأخرت كثيرا باعتبارها تعزز وجود لحمة قوية وفعالة لتثمر واقعا عمليا على الأرض يساهم في إخضاع مليشيات الحوثي للسلام عبر تحرير محافظات جديدة.
ويرى الشرمي أن خطوة القرار التاريخي للرئيس اليمني في نقل السلطة للمجلس الذي يضم كل القوى الممثلة للشعب شمالا وجنوبا أنها “حشرت مليشيات الحوثي في الزاوية الضيقة؛ إما الإذعان للسلام وإما البدء بالحسم”.
وأشار إلى أن القيادة السياسية الجديدة حظيت بدعم غير عادي شعبيا ودوليا وإقليميا، وكذا من قبل دول التحالف العربي التي بادرت فور إعلان المجلس بتقديم دعم سعودي وإماراتي مباشر للبنك المركزي اليمني بـ2 مليار دولار.
وانعكس هذا الدعم على الفور على الريال اليمني والعملة المحلية والتي بدأت بالتعافي وهذه خطوة هامة وثمرة لتشكيل مجلس قيادة رئاسي، وفقا لوكيل وزارة الإعلام اليمني.
الشرعية في أقوى حلتها
تقدم القوى والمكونات المنضوية في مجلس القيادة الرئاسي حلة جديدة لشرعية أكثر قوة وتماسكا قادرة على تحقيق السلام وتطلعات اليمنيين على كافة المستويات.
وبحسب متحدث أمن عدن، ماجد الشعيبي فإن ولادة المجلس مثلت تحولا هاما في اليمن، على كافة الأصعدة سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا، كون كل الأطراف صارت في صف واحد كخطوة لخلق توازن وجبهة قوية للشرعية.
وقال الشعيبي: “نحن بالفعل ندخل مرحلة انتقالية جديدة، هذا التغير الذي لطالما انتظرناه طويلا تحقق أخيرا بفعل الدعم الكبير من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة” ومجلس التعاون الخليجي.
وأضاف أن الشعب اليمني بكافة شرائحه يشعر بالارتياح لهذه الخطوات، لكن يظل المجلس أمام تحديات راهنة عدة أبرزها الوضع الاقتصادي والخدمي والوضع الأمني وتفعيل عودة مؤسسات الدولة بما يساهم في تحقيق تعاف طويل المدى.
وتشير هذه الوحدة إلى أن هناك هزيمة مقبلة للانقلابيين سياسيا وعسكريا في آن واحد، ونتمنى أن تكون الجهود موحدة نحو تحسين المستوى الخدمي والمعيشي لليمنيين، طبقا للمتحدث الأمني.
عضو مؤتمر الحوار الوطني أيمن الحداد بدوره يقول إن المجلس الرئاسي أصبح من يقود دفة البلاد، معلنا عن مرحلة مستقبلية في إيقاف هذه الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
وبحسب الحداد -وهو مدير المشاركة المجتمعية في المكتب الفني لشؤون مخرجات مؤتمر الحوار الوطني- فإن المجلس الرئاسي رمى منذ إعلانه الكرة في ملعب مليشيات الحوثي بقبول يد السلام الممدودة أو خيار القوة، بعد تأكيده أنه “مجلس سلام ودفاع وقوة”.
وأعرب الحداد، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، عن أمله في تحقيق سلام فاعل يكفل الأمن والأمان لجميع اليمنيين في الشمال والجنوب، ويحقق دولة مدنية حديثة قائمة على التنمية والتعايش والحرية والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
وقال الناشط اليمني إن “الحرب المستعرة فُرضت على اليمنيين فرضا من قبل مليشيات الحوثي ومع وجود قيادة فاعلة وقوية في المجلس الرئاسي أصبحنا نتطلع أن تنتهي سريعا؛ سلما أو حسما يحطم تعنت الحوثيين”.
وثمن الحداد دور دول مجلس التعاون الخليجي على رأسهم السعودية ودولة الإمارات بعد إعلانهم تقديم تمويلات تساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني والتي كانت نتائجها ملموسة منذ اليوم الأول في انخفاض قياسي لأسعار الصرف وصناعة التفاؤل المجتمعي وإحياء بهجة الناس.
أولويات معيشية
يعيش اليمنيون منذ 8 أعوام ظروفا معيشية صعبة كانت أحد أسبابها توسيع مليشيات الحوثي رقعة الحرب وتعطيل الخدمات الأساسية.
لكن التحول الذي يقوده مجلس القيادة الرئاسي صنع تفاؤلا عريضا في الشارع اليمني على أمل انتشال الوضع المعيشي والخدمي الصعب بما فيه الخدمات الأساسية، وفق الطبيب اليمني الدكتور غسان صالح.
وأشار الدكتور صالح في تصريحات صحفية، إلى أن الشعب اليمني منذ عقود لم يجد الاستقرار كجزء من تبعات الاحتلال البريطاني جنوب البلاد؛ وما تبعه من إرهاصات وحرب بشأن الوحدة اليمنية ثم مؤخرا عودة الحوثيين كجزء من أطماع إيران.
وعبر الطبيب اليمني عن أمله أن تستمر الرئاسة الجديدة في حل كل الخلافات واحتضان كل أطياف الشعب اليمني وتوفير أساسيات الحياة وإعادة اللحمة اليمنية ليتسنى إصلاح الوضع المعيشي، وصولا للإصلاح الفكري، حتى يعود اليمن لحالة السلام والاستقرار.
من جانبه، يقول المهندس اليمني صلاح حسين، إنه يعول على مجلس القيادة الرئاسي في كسر هيمنة مليشيات الحوثي وتأثيرها على الوضع الإنساني الذي يمس حاجة المواطن ومصدر عيشه.
وأشار إلى أن الحرب الحوثية تسببت في تآكل قيمة المرتبات في المناطق المحررة فيما نهبت المليشيات كل المرتبات شمالا، وهو تحد راهن نعول على القيادة السياسية الجديدة أن تضعه ضمن أولوياتها حتى استعادة الدولة بكامل مؤسساتها من قبض الانقلابيين، يقول المهندس اليمني.
وكانت كافة لقاءات أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أكدت جميعها ضرورة لم الشمل وأن تمضي كافة القوى الوطنية لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تضمن توحيد رص الصفوف لمواجهة مليشيات الحوثي والتمدد الإيراني، واستعادة مؤسسات الدولة المختطفة.