الحوثي يشعل الفتنة بين اليمنيين في رمضان بورقة الزيديين
في المشهد الرمضاني باليمن، يحتدم صراع طائفي بين الحوثي وأتباعه من المذهب الزيدي بعيدا عن الأضواء، ضمن حرب حوثية لتغيير هوية شمال البلاد.
ويكرس الحوثيون مواعيد إفطار جديدة كـ”بدع دخيلة” على المجتمع اليمني، تستهدف فرض مشروعهم الطائفي في مناطق سيطرتهم، سيما صنعاء، حاضنة مركز ثقل أتباع الزيدية المعارضين لتحجيم نفوذهم داخل المليشيات.
ومؤخرا، أشعل القيادي الحوثي النافذ المنحدر من جناح صعدة المتطرف محمد علي الحوثي، جذوة الصراع مع أتباع الزيدية وذلك بعيد دعوته لتأخير وقت الإفطار عن الموعد المحدد بتوقيت صنعاء حتى رؤية النجوم في السماء.
وزعم الحوثي على حسابه في موقع”تويتر” أن وقت الإفطار في مذهبه هو عند “غشيان الليل للصائم وعلامة دخوله وحقيقة وقوعه أن يرى كوكبا”، أي نجوم في السماء، مفسرا على هواه آيات قرآنية كـ”وأتموا الصيام إلى الليل”، وقوله “فلما جن عليه الليل رأى كوكبا..”.
ودفعت تغريدات الحوثي، قياديا حوثيا آخر تنصبه المليشيات مفتيا للمناطق الخاضعة لسيطرتها، ويدعى “شمس الدين شرف الدين” للهجوم ضمنيا في مقطع مصور على “محمد علي الحوثي” واتهمه بمحاولة “إظهار نفسه بأنه عالم أمام الناس، والسعى للتشكيك والمجيء بالبدع”.
كما زعم أنه شكل لجنة تحري وقت دخول المغرب والفجر وذهبوا للضواحي الشرقية والغربية من صنعاء منها جبل النبي شعيب، أعلى قمة في الجزيرة العربية، ووجدوا أن “الوقت منضبط تماما مع أذان الجامع الكبير”، على حد قوله.
وتبنى المفتي الحوثي موقف المذهب الزيدي من توقيت الإفطار والذي يفسر “وأتموا الصيام إلى الليل”، بأنه تعني “غروب الشمس وهي أول أوقات دخول الليل، لا من أوسطه”.
ويأتي موقف المفتي الحوثي ضمن مخاوف المليشيات على أتباعها المنتسبين للزيدية من تفسير أن “الإفطار عند رؤية النجوم” خروج عن مذهب “الإمام زيد”، والتي تتستر به الجماعة الإرهابية لإخفاء معتقداتها الهادفة إلى فرض هوية جديدة تماثل الهوية الإيرانية في البلاد.
تجريد الجامع الكبير من مكانته
ولم تكن تغريدات “الحوثي” ورد “شمس الدين” مجرد تعليقات عابرة بل تجسيدا فعليا للحرب الكامنة مذهبيا داخل المليشيات، والتي ظهرت للمرة الأولى بعيد عقود من نشأة مليشيات الحوثي واتخاذ “الزيدية” لافتة لتمرير أهدافهم السياسية ومشروعهم الطائفي.
وأكدت مصادر يمنية ورجال دين، أن “توقيت الإفطار هو جزء من خلافات وصراع خفي يدور داخل الحوثيين بين معتنقي (الجارودية الآخذة بعقيدة الاثني عشرية) ويعتمدون مسجد الإمام الهادي في صعدة كمرجعية دينية خاصة في توقيت الإفطار بعد رؤية النجوم”.
فيما يعتنق الكثير “المذهب الزيدي” وهم من تستخدمهم المليشيات الحوثية وقودا لحربها في اليمن وينحدرون من خارج صعدة ويعتمدون على الجامع الكبير بصنعاء كمرجعية لتحديد توقيت الإفطار، وفقا للمصادر.
وأوضحت أن “الجامع الكبير يعد مرجعية دينية مهمة لدى الكثير من أتباع مليشيات الحوثي، خصوصا أن كبار رجال الزيدية يتخذونه مركزا لهم، ويحدد وقت أذان صلاة المغرب الذي يبث في إذاعة صنعاء والعديد من الفضائيات عند غروب الشمس”.
وبشأن خروج ما يسمى بـ”مفتي” المناطق الخاضعة للحوثيين لتبني موقف الزيدية والرد على موقف محمد علي الحوثي، تعتقد المصادر أن الرجل شعر أن تحديد توقيت الإفطار تجاوز لسلطته الدينية واعتداء على مركز نفوذه وسلطة المفتي.
ويسعى الحوثيون المنحدرون من صعدة لفرض معتقداتهم القاضية بالصيام إلى الليل والإفطار عند رؤية النجوم، وهو ما يعتبر تجريدا وإلغاء وسحبا للبساط من تحت الجامع الكبير في صنعاء، أحد أهم معاقل الزيدية.
ويتمتع الجامع الكبير بمكانة دينية كبيرة لدى الزيدية، كما أنه يعد مرجعية للحوثيين المنحدرين من خارج صعدة كصنعاء وذمار وحجة وعمران، والتي ينتشر فيها المذهب الزيدي بكثرة، ووفقا للمصادر.
فرض مرجعية دينية
ولا يعد الصراع الزيدي-الحوثي في مشاهد تفاصيل رمضان باليمن سوى محاولة لطمس هوية صنعاء، ولا يتوقف عند الاختلاف في مواعيد الإفطار وتحجيم السلطة الدينية، لكنه يتوسع إلى صلاة التراويح والتي تمنع المليشيات إقامتها في مناطق سيطرتها.
واقتحمت مليشيات الحوثي العديد من المساجد في مناطق سيطرتها لا سيما صنعاء وأمانة العاصمة وعمران بهدف منع صلاة التراويح واستبدالها بخطابات مسجلة لزعيم المليشيات عبدالملك الحوثي لنشر معتقداتهم برمضان.
كما وجهت مليشيات الحوثي عبر ما يسمى “هيئة الأوقاف” و”مكتب الإرشاد” في صنعاء وإب بتأخير موعد أذان صلاة المغرب عدة دقائق عن الموعد المعتاد خلال رمضان لفرض معتقداتها بضرورة غشيان الليل ورؤية النجوم، وهو أحدث ابتكار حوثي لانتهاك حرية المعتقد.
ففي محافظة إب (وسط) التي يتبنى غالبية سكانها المذهب الشافعي، لكن مؤذني وأئمة المساجد وجدوا أنفسهم تحت قهر توجيهات أمنية حوثية لتأخير موعد أذان المغرب نحو 10 دقائق عن التوقيت المحلي الرسمي.
ويتفاوت التوقيت المحلي لأذان المغرب من محافظة يمنية إلى أخرى، ورغم تعدد المذاهب في اليمن إلا أنه لم يسبق لليمنيين أن خاضوا أي جدل ونقاش حول توقيت الإفطار قبيل مجيء مليشيات الحوثي.
وبحسب مصدر محلي، فإن “مليشيات الحوثي عممت على مؤذني وأئمة مساجد في العديد من المديريات في المحافظة واستدعت الكثير منهم إلى مقار أمنية في مدينة إب وأجبرتهم على التعهد بتأخير موعد أذان المغرب قبل أن تعتقل بعضهم إثر رفض توجيهاتها”.
وأشار إلى أن مليشيات الحوثي تسعى لفرض سلطة دينية وهوية جديدة يصبح فيها ما يعرف بـ”مسجد الهادي في صعدة” مرجعية لبقية المساجد في المناطق الخاضعة لسيطرتها بما فيه تحديد أوقات الأذان ومواقيت الصلاة ومواعيد الإفطار الذي يعتمد على رؤية النجوم.
بدع مخالفة
وقوبلت انتهاكات مليشيات الحوثي برفض مجتمعي واسع واعتبرها الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي أنها “بدع دخيلة على المجتمع اليمني” وممارسات تشعل جذوة الحرب الطائفية والمذهبية في البلاد.
وقال الشيخ والداعية الإسلامي اليمني الدكتور عبدالفتاح قديش اليافعي لـ”العين الإخبارية”، إن “المساعي الحوثية لتأخير توقيت الإفطار حتى رؤية النجوم مخالف للمذاهب الأربعة والأحاديث النبوية”، على حد تعبيره.
من جانبه، يصف صلاح عبدالواحد، طالب سابق في الأربطة الصوفية باليمن، المحاولات الحوثية لتأخير الإفطار في الصيام لحين دخول الظلام بـ”البدع الضالة”، وأن القصد من “وأتموا الصيام إلى الليل” أي “أمسكوا عن المفطرات من طعام أو شراب وغيرهما إلى غروب الشمس”، حد قوله.
وأشار إلى أن اليمن بلد متنوع المذاهب ووقت المغرب يبدأ عند دخول الشمس وهو مجمع عليه ويصوم عليه أهل السنة لكن “أهل البدع كالحوثيين يصومون حتى رؤية النجوم كون الليل عندهم لا يكون إلا بظهور النجوم”.
واعتبر عبدالواحد في تصريح لـ”العين الإخبارية”، استغلال مليشيات الحوثي لقوة السلاح في فرض معتقداتها “انتهاك سافر لحرية الدين والمعتقد”، وهو مدان بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وسابقة تقوض مبدأ التعايش بين مذاهب اليمن المختلفة.