شهدت الأزمة اليمنية تطورات إيجابية في الأسابيع الأخيرة، أهمها تشكيل المجلس الرئاسي.
كما انتهت المشاورات اليمنية، التي جرت برعاية سعودية-خليجية، بتفاهمات مهمة تساعد على شق الطريق نحو حل سياسي للأزمة.
ولما كانت الأزمة في اليمن قائمة منذ أكثر من عقد، حيث بدأت بالإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثم انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية على الشرعية واستيلائها على العاصمة صنعاء، فإن مشاورات الرياض وتشكيل المجلس الرئاسي لم تكن أولى محاولات الخروج من الأزمة بشكل سلمي، وإنما سبقتها جولات من التفاوض والتشاور والمبادرات المختلفة، والتي قدمتها بصفة خاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
ورغم توافر مقومات النجاح لتلك المحاولات السابقة، فإنها واجهت عقبات وعراقيل عطّلتها عن تحقيق الغاية المرجوة، وهي الوصول باليمن إلى حالة استقرار وإنقاذ الشعب اليمني من أوضاعه المأساوية.
وقد نجمت معظم تلك العراقيل عن المواقف المتعنتة والمراوغة لمليشيا الحوثي الإرهابية، في ظل الغطاء والدعم العسكري، الذي تقدمه لها إيران.
التقدم، الذي تم إحرازه على المسار السياسي في اليمن، من الأهمية بما يكفي للرهان عليه واستثماره لتعزيزه وتطويره في اتجاه انتقال اليمن إلى مرحلة استقرار دائم واستعادة الدولة هناك سيادتها على كامل أراضيها.
إلا أنه ينبغي الانتباه إلى وجود تحديات قد تواجه ذلك الهدف، بعضها قائم وبعضها لا يزال محتملاً.
أول هذه التحديات، وربما أهمها، القدرة على التقارب بين القوى اليمنية، وتقزيم الطموحات الشخصية والفردية لصالح تعظيم اليمن وشعبه بالكامل.
لذا فبجانب حالة التفاؤل علينا أن نكون حذرين من افتراض أن تشكيل المجلس الرئاسي وتمثيل غالبية القوى اليمنية فيه، سيعني تلقائياً تلاشي الخلافات وتحول العلاقة إلى تعاون وتنسيق كامل فيما بين تلك القوى، خصوصاً في ظل تشعب وتعقد الملفات العالقة، حتى وإن كان ذلك في قضايا صغيرة أو جزئية لا تتعلق بالوضع العام في اليمن.
التحدي الثاني المهم، والذي لن يواجه المجلس الرئاسي وحده، وإنما كل مؤسسات الحكم ومسارات التسوية السياسية في اليمن، هو التحدي الاقتصادي، والذي يشمل تحسين حال الاقتصاد اليمني ككل، إضافة إلى إنهاء الوضع المأساوي الذي يعانيه ملايين اليمنيين من فقر وأمراض.
المعلوم أن مشاورات الرياض تضمنت مساراً خاصاً بمعالجة الجوانب الاقتصادية للأزمة، فقد تم تخصيص 3 مليارات دولار من دولتي السعودية والإمارات دعما لليمن.
لكن، لأن الاقتصاد هو المحرك الحقيقي لمختلف أوجه الحياة والكفيل بإنجاح أو عرقلة إدارة أي دولة وتحسين أوضاع شعبها، فسيظل هو أيضا هاجساً عملياً من شأنه، إذا أحسنت معالجته، تدعيم الحلول وتوفير ظهير قوي لإنجاح التفاهمات السياسية.
ويرتبط ذلك بتحدٍّ ثالث موازٍ، وهو كيفية إدارة المساعدات والموارد، التي يتم تقديمها إلى اليمن، وهو ما يشير إلى أهمية اللجنتين المتخصصتين اللتين تقرر تشكيلهما وتتبعان المجلس الرئاسي، وكذلك اللجان المتخصصة، التي توزعت عليها المشاورات بين اليمنيين في الرياض، فطريقة توزيع المناصب وتشكيل المؤسسات، التي ستتولى إدارة وتوزيع هذه الموارد والمخصصات، ستمثل أهمية كبرى في اتجاه ثبات واستقرار اليمن.
ويبقى التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً، وهو تعنت مليشيا الحوثي الإرهابية تجاه كل الحلول والمبادرات السياسية الهادفة لاستقرار اليمن ووحدة أراضيه، والمراوغات التي يمارسها الحوثيون دائماً، حيث لا يلتزمون بكلمة ولا يوفون بعهد.. الأمر الذي يجعل أي حل سياسي توافقي غير كامل وعُرضة للتهديد والتعثر، بسبب خروج الحوثيين دائما عن أي شرعية وعن أي توجه عام نحو إنهاء هذه الأزمة بشكل سياسي سلمي.
جوهر ذلك التحدي هو تشبث الحوثيين الدائم برفض أي حوار أو مفاوضات أو حل سياسي، ما لم يتمكنوا من توظيفه لصالحهم، وهو ما دأبوا عليه مراراً وتكراراً طوال السنوات الماضية، وأكدوه مجدداً في الأيام الأخيرة بتعاطيهم الانتقائي مع الهدنة، التي ما يزالون يخترقونها رغم كل المساعي الدولية لتثبيتها.
البند الوحيد من الهدنة، الذي نفذه الحوثيون بهمة ونشاط، هو إدخال السفن المحملة بالوقود إلى ميناء الحديدة، والتهرب من الالتزام بوقف العمليات العسكرية، والمماطلة في فتح مطار صنعاء، وفك الحصار عن تعز وإطلاق سراح الأسرى، ومنهم أعضاء من تنظيم “القاعدة” الإرهابي في حضرموت.