لا تبدو جماعة الحوثي من خلال تصريحاتها وتحركاتها الأمنية والعسكرية على الأرض مقبلة فعلا على مرحلة جديدة من الانفتاح على خيارات السلام التي تبشر بها التصريحات الدولية والأممية، حيث تسوّق الجماعة لميليشياتها الطائفية خطابا يشي بأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من إعلان الانتصار على خصومها وليس الانخراط معهم في حوار سياسي يفضي إلى نهاية حرب السنوات السبع العجاف.
ومن يتتبع أنشطة الحوثيين على الأرض يجد أنهم يتصرفون بالفعل وفقا لهذه القاعدة، حيث يكثفون من فرض إجراءاتهم الطائفية والمذهبية والقمعية في مناطق سيطرتهم وكأنهم قد تحرروا من قيود “التقية” الشعبية التي كانوا يتعاملون بها، بعد أن أظهروا جزءا مهما من وجههم الأيديولوجي القبيح بسلسلة من الإجراءات من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ منع صلاة “التراويح” في مناطق سلطتهم وفرض صيغة مذهبية من الأذان حتى في المناطق التي لا تخضع لهم مذهبيا، ومنع النساء من السفر دون موافقة أولياء أمورهم، بل والتلويح بإلغاء مرحلة التعليم الابتدائي واستبدالها بمسار بدائي “لتعليم القرآن” فقط، وكذلك منع التجار من توزيع الصدقات والمطالبة بتسليمها مباشرة للجماعة.
وبالتوازي مع هذه الإجراءات القمعية الحوثية التي يظهر بعضها مع كل مرحلة تشعر فيها الجماعة بالزهو السياسي والعسكري، تؤكد التقارير أن الحوثيين مستمرون في حشد طاقاتهم العسكرية لمواجهة مرحلة جديدة من التصعيد العسكري بعد استخدام “الهدنة” كاستراحة لالتقاط الأنفاس وترتيب الصفوف وتفخيخ المزيد من الطائرات المسيرة.
وبقدر ما تبدو هذه الصورة شديدة السوداوية إلا أن معسكر المناوئين للحوثي شهد تحولا استراتيجيا هاما لا يمكن تجاهله، بل أنه قد يكون الأهم منذ بداية الحرب في 2014، حيث تحررت “الشرعية” من أبرز عوامل ضعفها وتفككها، بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم كل القوى الفاعلة على الأرض والتي لها بصمات في مواجهة المشروع الإيراني في اليمن خلال السنوات السبع الماضية.
وعلى الرغم من أن العنوان العريض الذي يغلب على الخطاب السياسي للمجلس الرئاسي هو “السلام” كخيار استراتيجي، إلا أن طبيعة المجلس يغلب عليها الطابع العسكري، في ما يمكن وصفه بسياسة متكاملة جديدة قائمة على نظرية “العصا والجزرة” الشهيرة في التعامل مع الحوثيين، حيث شرع المجلس في تقديم جزرة كبيرة للحوثيين بدعوتهم للجلوس على مائدة الحوار والتخلي عن رهانات العنف، غير أن هذه الجزرة “الكبيرة” تخفي خلفها هذه المرّة “هراوة” غليظة متمثلة في “شرعية” أكثر تماسكا وتعبيرا عن موازين القوى الحقيقة على الأرض مع إدارة وإرادة قادرتين على تحقيق السلام العادل أو الانتصار في حرب مغايرة لتلك التي ألفناها خلال السنوات الماضية.
ومن يتابع ردود الفعل الحوثية، والتي يغلب عليها طابع التهكم واللامبالاة إزاء التحولات الهامة التي خرجت بها مشاورات الرياض بين المكونات اليمنية، يجد أن تلك التصريحات تخفي خلفها كثيرا من القلق والتوجس وكذلك النوايا السيئة التي ستتضح ملامحها خلال الأيام القليلة القادمة، وتحديدا بعد عودة الحكومة والمجلس الرئاسي إلى العاصمة المؤقتة عدن، حيث يتوقع أن تتجدد محاولات الحوثيين لاستهداف هذا التحرك إما بشكل مباشر عن طريق الصواريخ والطائرات المسيرة، كما حدث قبل ذلك في مطار عدن الدولي عند عودة الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، أو بشكل غير مباشر بتحريك الخلايا النائمة التي استهدفت أمن عدن طوال السنوات الماضية بالاغتيالات والتفجيرات وكشفت التحقيقات الأمنية أنها صناعة حوثية خالصة.
وإلى جانب التحديات المباشرة التي قد تترافق مع عودة مؤسسات الشرعية بطابعها الجديد إلى المناطق المحررة، ستواجه “الشرعية” باعتقادي جملة من التحديات السياسية والاقتصادية والإعلامية الأخرى التي تمولها دول إقليمية راعية للمشروع الحوثي باتت طرفا رئيسيا في الصراع، من خلال تمويل حملات إرباك الشرعية والتحالف وخلط الأوراق باستخدام مكونات هامشية وشخصيات سياسية وإعلامية انتهازية عملت طوال السنوات الماضية على توجيه نيران الشرعية باتجاه القوى التي تواجه المشروع الحوثي، واستهدفت دول التحالف العربي وحرفت بوصلة الصراع وبددت كل مقومات النصر الوشيك الذي كاد أن يتحقق على الحوثيين في العام 2016.
نقلاً عن “العرب”