الهدنة الأممية في اليمن.. فرص ضئيلة وترنح يفرض ضرورات عسكرية
يمن الغد – سوث24
في الثاني من أبريل الماضي، دخلت الهدنة الأممية في اليمن، التي أعن عنها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، حيز التنفيذ. تستمر الهدنة لشهرين، وقابلة للتمديد حال اتفاق الأطراف. لكنَّها مهددة بالفشل مع تزايد الاتهامات المتبادلة بين الأطراف العسكرية باليمن باختراقها.
وفي الساحل الغربي للبلاد، اتهمت القوات المشتركة الحوثيين بارتكاب أكثر من 341 خرقاً عسكرياً خلال شهر أبريل. وقالت القوات الجنوبية إن الحوثيين قاموا بتنفيذ 480 خرقاً عسكرياً في جبهات شمال الضالع في ذات الفترة. كما اتهمت القوات الموالية للحكومة اليمنية في مأرب الجماعة بارتكاب 390 خرقاً.
في المقابل، زعم الحوثيون أنَّ خصومهم في مختلف الجبهات قاموا بتنفيذ 5 آلاف خرق عسكري خلال الشهر الأول من الهدنة.
مصير الهدنة
يرى كثير من المحللين والسياسيين والمراقبين العسكريين للمشهد اليمني أنَّ الاتهامات المتبادلة بالخروقات العسكرية للهدنة في البلاد مؤشر على ضعفها وهشاشتها؛ لا سيما في ظل توسع رقعة تلك الخروقات ميدانيا.
بالنسبة لمستشار الشؤون العسكرية في “سوث24″؛ الخبير العسكري العميد ركن ثابت حسين صالح، هنالك سيناريوهان محتملان للهدنة: “تمديدها أو انهيارها”. ووفقاً له، فاحتمالية انهيار الهدنة “أقوى”.
وقال الخبير: “السيناريو الأول هو تمديد الهدنة وبقاء الحال على ما هو عليه. وفي هذه الحالة، على المجلس الرئاسي أن يٌركز جهده على إحداث فارق ملموس لصالح تحسين الأوضاع الخدمية والمعيشية في الجنوب “.
وأضاف: “أما السيناريو الثاني، فيتمثل في الاشتباكات التي قد تتحوّل إلى حرب شاملة”.
وأضاف:” لن تختلف هذه المعركة مع الحوثيين هذه المرة عن المرات السابقة بشكل أفضل؛ إلا إذا أجرى المجلس الرئاسي إصلاحات عميقة في خطط الحرب، وحشد القوات باتجاه الحرب ضد الحوثي، وفقا لاتفاق الرياض، وتوفر إرادة قتال واضحة وجادة ضد الحوثيين ودعم التحالف العربي “.
وتابع: “من المفترض أن يبادر المجلس الرئاسي بالهجوم الحاسم والمنُفذ بإيقاعات عالية، وعلى عمق أكبر في اتجاه الشمال، غير أن ذلك مرهون بمدى اتخاذ إجراءات مختلفة، عما كان يتم في معارك “الجيش الوطني” في الاستعداد لخوض الحرب “.
أما المحلل والخبير العسكري، المُقدم وضاح العوبلي فقد اعتبر الهدنة في اليمن منقوصة وغير فاعلة.
وقال العوبلي لـ “سوث 24 “: الحقيقة أنَّ الهدنة التي نعتقد أنَّها حاصلة الآن ما هي إلا هدنة مجازية، وليست حقيقية نظرا للخروقات المسجلة من ساعاتها الأولى، وحتَّى هذه اللحظة”.
وأفاد العوبلي أنَّه “ثمة إجراءات وخطوات تُجرى حاليا لتمديد الهدنة من قبل الطرف الأممي، تفاديا لأي إجراء أحادي الجانب من قبل الحوثيين، يتمثل في شن حرب قبل آخر دقيقة من وقت الهدنة”.
وأضاف: “وفي حال لم تشرع الأمم المتحدة لترتيبات مبكرة للتمديد، فإنَّ الحوثيين باعتقادي لن ينتظروا حتى آخر دقيقة متبقية من وقت الهدنة ليبدأوا بشن هجماتهم”.
وتابع: “الحوثيون سيختلقون المبررات اللازمة لتبرير خطوة كهذه، فهم لا يأبهون ولا يبالون بأي مواقف دولية في حال رأوا أن المجال مناسباً لتحقيق مكسب ذي قيمة عملياتية على الأرض، وسياسية على الطاولة”.
واتهم الناطق العسكري باسم القوات المشتركة، العقيد وضاح الدبيش، الحوثيين باستغلال الهدنة “لأهداف ومآرب أخرى”. وقال لـ “سوث24″: الهدنة بالنسبة للحوثيين تكتيك عسكري لأهداف منها تجميع قواتهم وتعزيزها بالسلاح وإعادة انتشارها”.
وأضاف: “سبق واستغلت ميليشيات الحوثي اتفاق ستوكهولم لمثل هذه الأهداف وخرقته مرات لا تحصى بل وشنت حربا متكاملة الأركان في ظل صمت رعاة هذا الاتفاق”.
وحول هذا، رجَّح الصحافي والمحلل السياسي، صالح البيضاني، أنَّ الهدنة “غير قادرة على الصمود”.
وقال البيضاني لـ “سوث24”: “سماء واقع العملية السياسية اليمنية أثناء وعقب الهدنة متلبد وسوداوي نظراً لحالة التعثر الواضحة في استكمال الشق الإنساني من مبادرة الأمم المتحدة واستمرار الانتهاكات لوقف إطلاق النار بشكل يومي”.
وأضاف:” لا يبدو أن الهدنة باعتقادي قادرة على الصمود والتحول لوقف دائم لإطلاق النار يمكن البناء عليه في إحياء المسار السياسي المغلق في الأزمة اليمنية منذ اتفاق السويد في العام 2018 “.
وتابع: “من الواضح أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يدركان جيدا تعقيدات الملف اليمني والعوائق الجمة التي تعترض طريق السلام في اليمن وفي مقدمتها البعد الأيديولوجي في الممارسات الحوثية والارتباط العضوي للجماعة بإيران وأجندة مصالحها المتشعبة، ولذلك تٌجرى محاولة لتوطين الصراع اليمني واستنساخ سيناريو اتفاقات ستوكهولم الهشة في الحديدة”.
المجلس الرئاسي
عقب الإعلان عن إنشاء مجلس رئاسي في اليمن في 7 أبريل الماضي، رسم عضو المجلس، اللواء عيدروس الزبيدي، في خطاب، صورة مستقبل وخارطة الصراع مع جماعة الحوثي سلما وحربا.
وقال القائد الأبرز في جنوب اليمن ورئيس المجلس الانتقالي: “رسالتنا إلى المجتمعين الإقليمي والدولي، هي أننا نتحرك قدما في إرساء السلام والأمن والاستقرار في المنطقة ومحاربة الإرهاب، لكننا سنقاتل جماعة الحوثي، إذا استمرت في تعنتها ورفض دعوات السلام”.
بانتهاء الهدنة، يكون هذا المجلس الجديد أمام أول امتحان عسكري حقيقي مع الحوثيين، مع تركة ثقيلة من الفشل العسكري الممتد لسنوات أمام الجماعة، في ظل القيادة السابقة للشرعية اليمنية، لا سيما جبهات شمال اليمن.
يعتقد الخبير العسكري وضاح العوبلي أنَّ المعركة مع الحوثيين حال فشل أو انتهاء الهدنة “ستكون مختلفة هذه المرة بوجود المجلس الرئاسي”.
ومع ذلك، يقول العوبلي: اعتقادنا هذا ما زال عند مستوياته الحذرة، لأنّنا في الحقيقة لم نشاهد أو نرصد من المعطيات ما يٌمكننا من الجزم بهذه الاعتقادات سوى أن توازناً سياسيا قد تم في أعلى هرم السلطة، في ظل استمرار ذات الأدوات التي نخرت وما زالت تنخر في صلب مؤسسات ودوائر وهيئات وأجهزة الدولة”.
وأضاف” ناهيك عن أنَّ الجانب العسكري لم يشهد أي خطوات على صعيد الترتيب والاستعداد لمعركة قادمة، وهي معركة تتطلب إجراءات استباقية تتمثل بقرارات، تُحدِث ولو جزء من عملية الإصلاحات الضرورية على المستوى القيادي، وعلى فريق إدارة المعركة”.
وأشار العوبلي إلى ضرورة أنَّ تدار المعركة “بأدوات أخرى، غير تلك الأدوات التي فشلت، وأخفقت وتسببت بالانتكاسات على مدى الأعوام الماضية”.
وتماشياً مع التراخي الذي وسم فيه الخبير العسكري وضاع العوبلي تحضيرات المجلس الرئاسي، وصف الخبير تعامل المجلس الرئاسي مع الجانب الأممي بـ “المثالية المبالغ فيها”.
وأضاف: “يؤسفني أن أقول إن المجلس الرئاسي يتعاطى مع الالتزامات التي قطعها وقطعها التحالف للأمم المتحدة بمثالية كبيرة، لذا فهو وبكل تأكيد لن يبادر بالهجوم، ولدينا احتمالات ضئيلة بأن المجلس قد يلجأ لخطوة كهذه في إطار ردود الفعل على أي تحرك حوثي، أو بالأحرى بعد تحركات حوثية، ولا أبالغ إن قلت بأن زمام مبادرة الحرب بما فيها الهجوم لا زال وحتى الآن بيد جماعة الحوثي”.
ويتفق المحلل السياسي، صالح البيضاني، مع العوبلي في أنَّ المعركة مع الحوثيين تحت قيادة المجلس الرئاسي ستكون مختلفة.
وقال البيضاني لـ “سوث24″: جماعة الحوثي لم تستطع إخفاء قلقها من التحول المفاجئ الذي حدث في معسكر المناهضين لها، حيث جاء هذا التحول من خارج سياق التعقيدات التي شهدتها مؤسسة الشرعية ومراكز القوى التي نشأت بداخلها خلال السنوات الماضية وساهمت في تعثر معركة تحرير اليمن، ومواجهة المشروع الإيراني المتمثل في الميليشيات الحوثية”.
وأضاف البيضاني: “بطبيعة الحال، التغيير الهائل في بنية وهيكلة الشرعية الذي ينسجم إلى حد كبير مع حجم التأثير السياسي والشعبي والعسكري للمكونات المتواجدة في رأس هرم الشرعية اليوم (مجلس القيادة الرئاسي) سيلقي بظلاله في المرحلة القادمة على طبيعة التعاطي مع الحوثيين سلما أو حربا وبشكل أكثر فاعلية وتماسك”.
جبهات هامة
تنسجم آراء الخبيرين ثابت صالح، ووضاح العوبلي، حول أهمية الجبهات جميعا في الحرب مع الحوثيين؛ لكنَّ جبهة مأرب – وفقاً لهما – “تكتسب أهمية كبيرة على الجانبين؛ فهي بالنسبة للمجلس الرئاسي دفاع عن معقل ومراكز قيادة وعمليات الجيش، وكذلك كونها منابع الثروات السيادية “نفط وغاز وكهرباء غازية”، وهي بالنسبة للحوثي تمثل نفس القيمة الاستراتيجية، ناهيك أنها أقرب الجبهات من صنعاء “.
ومن جهة أخرى، تكتسب جبهات شبوة والضالع ويافع وكرش والساحل الغربي ذات الأهمية في حسابات الطرفين، طبقاً للخبيرين اللذين أشارا إلى أن بعضا من هذه الجبهات قد تكون هدفا لهجمات حوثية لتهديد استقرار وإقامة المجلس الرئاسي في عدن.
موقف الحوثيين
حاول “سوث24” التواصل مع شخصيات مسؤولة من الحوثيين في صنعاء للتعليق حول مصير الهدنة الأممية في اليمن، إلا أنَّه لم نتلق رداً حتى الآن.
وفي 4 من مايو الجاري، حذَر ناطق الجماعة ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، من تقويض الهدنة الأممية بعد إعلانهم إسقاط طائرة تجسسية تابعة للسعودية.
وقال عبد السلام: “من شأن التمادي في الأعمال العدوانية تقويض الهدنة المهددة أساسا بعدم تنفيذ بنودها فيما يخص إعادة فتح مطار صنعاء وتسهيل وصول السفن القادمة نحو ميناء الحديدة”.
*رعد الريمي
*صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات