أزمة قمح.. الفاتورة القاصمة للظهر في اليمن

يمن الغد/ تقرير

ليست أزمة وقود ولا تذبذب اسعار صرف العملات التي يمكن التكيف معها، إنها أزمة قمح الفاتورة القاصمة للظهر في اليمن والتي تأتي بعد سبع سنوات حرب.

فاتورة عاجلة:

يأتي اليمن في طليعة دول في المنطقة العربية متأثرة بالحرب الدائرة في أوكرانيا، وتبعات الصراع الاقتصادي العالمي، حيث تواجه دول عربية عديدة مخاطر تفجر اضطرابات اجتماعية واحتجاجات بسبب الأزمة الغذائية التي ترتسم معالمها يوما بعد يوم، جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا على صادرات المواد الغذائية الأساسية.

 يجمع خبراء اقتصاد على ان تداعيات الحرب في اوكرانيا وارتدادات العقوبات والإجراءات المتخذة نتيجة لهذه الحرب، ستشكل عبئا ثقيلا على اليمن، الذي يشهد حربًا منذ سبع سنوات.

رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في اليمن مصطفى نصر، يؤكد أن التأثيرات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية سلبية على اليمن، أبرزها تأثر حجم استيراد القمح إلى اليمن، بشكل مباشر من روسيا وأوكرانيا.

وفي اول مؤشر على التاثر السلبي بتداعيات الحرب في اوكرانيا، ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة 47 بالمئة في لبنان و11 بالمئة في اليمن، 15 بالمئة في ليبيا، 14 بالمئة في فلسطين، وتقريبا 10 بالمئة في سوريا.

وتشكل فاتورة استيراد القمح عبئاً كبيراً على الاقتصاد اليمني والعملة المحلية بعد تضخمها بنحو ثلاثة أضعاف خلال العامين الماضيين لتصل إلى حوالي ملياري دولار سنوياً، في ظل الاحتكار وتراجع عدد المستوردين للقمح الذي تشهد سوقه العالمية اضطراباً واسعاً منذ نهاية الشهر الماضي.

هزات ارتدادية:

وتزايدت التحذيرات من تفاقم أزمة الجوع وارتفاع أسعار الغذاء والتضخم الحاد في اليمن، بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا وتأثيره على إمدادات القمح العالمية. واليمن من أكبر الدول المستوردة للقمح من أوكرانيا وروسيا في المنطقة حيث يستورد ثلث احتياجاته من القمح من البلدين.

 ويعد اليمن من الدول التي تعتمد بصورة رئيسية على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من الغذاء، لذا فمن المنتظر أن يتعرض لهزة ارتدادية أخرى بعد تلويح روسيا الأخير بفرض حظر شامل على صادرات القمح حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

الأمن الغذائي في خطر:

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) حذرت مؤخرًا من أن الحرب في أوكرانيا تهدد الأمن الغذائي في دول المنطقة على راسها مصر واليمن، باعتبار مصر أول مستورد للقمح في العالم، حيث تعتمد على روسيا وأوكرانيا لضمان 85 بالمئة من حاجياتها من القمح، و73 بالمئة من زيت دوار الشمس.

ويستورد لبنان أكثر من 80 بالمئة من القمح من أوكرانيا، اليمن 30 بالمئة، تونس 42 بالمئة، وارتفعت أسعار دقيق القمح والزيوت النباتية، العنصران الأساسيان في النظام الغذائي لمعظم العائلات في جميع المنطقة. وقبل شهر من اندلاع الصراع في أوكرانيا.

وتستورد المنطقة حوالي 42 بالمئة من القمح و23 بالمئة من الزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا. تستورد مصر، ليبيا، لبنان، اليمن، تركيا، تونس، وأرمينيا ما لا يقل عن نصف احتياجاتها من القمح والزيوت من أوكرانيا وروسيا بينما تعتمد العديد من دول المنطقة بشكل معتدل على الواردات من الزيوت النباتية من الدولتين”.

وأضافت المنظمة أن روسيا وأوكرانيا توفران “بشكل مباشر حصة كبيرة من واردات الغذاء لبلدان جنوب وشرق المتوسط”، أي مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، الأخيرة قررت رفع أسعار المواد الأساسية.

وأشارت الوكالة الأممية إلى أن المغرب يرتهن “مباشرة بدرجة أقل بأوكرانيا وروسيا للتزود” باحتياجاته من القمح. بيد أن المملكة تعاني هذا العام “جفافا هو الأسوأ منذ عقود”، يرتقب أن يؤثر بشكل كبير على إنتاجها المحلي.

في ظل هذه المخاطر، قالت عبير عطيفة الناطقة الرسمية باسم برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة: “هناك قلق بالغ بشأن الأمن الغذائي في العالم والمنطقة العربية والشرق الأوسط بصورة خاصة، بعد أن وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية لأعلى مستوياتها على الإطلاق في شهر فبراير/شباط ومارس/آذار”. مضيفة أن “ارتفاع الأسعار يؤدي للتأثير على الأشخاص الذين نخدمهم في برنامج الأغذية وملايين الأسر في جميع أنحاء العالم وهم على حافة الجوع وتضرروا بشدة من جائحة كورونا والتباطؤ الاقتصادي الذي تبعها”.

وقالت المسؤولة الأممية في مجال الأغذية إن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متضررة بشدة بالتأثير المتواصل للأزمة الأوكرانية نظرا لاعتماد دول شمال أفريقيا الشديد على واردات الغذاء، ما يجعلها عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية.

تضخم حاد:

تزايدت التحذيرات من تفاقم أزمة الجوع وارتفاع أسعار الغذاء والتضخم الحاد في اليمن، بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا وتأثيره على إمدادات القمح العالمية. واليمن من أكبر الدول المستوردة للقمح من أوكرانيا وروسيا في المنطقة حيث يستورد ثلث احتياجاته من القمح من البلدين.

ودمر الصراع اليمني اقتصاد البلاد وشرد الملايين وجعل أسعار المواد الغذائية بعيدة عن متناول الكثيرين.

وخفض برنامج الأغذية العالمي منذ يناير كانون الثاني الحصص الغذائية لثمانية ملايين شخص من أصل 13 مليون شخص يقوم بدعمهم شهريا بسبب نقص التمويل.

وتلقت الأمم المتحدة في مارس آذار 1.3 مليار دولار فقط لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2022، أي أقل بكثير من المبلغ المنتظر والذي يبلغ 4.27 مليار دولار.

وجاءت تعهدات إضافية منذ ذلك الحين من السعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي، لكن التمويل لا يزال غير مستقر.

في 10 مايو الجاري، ذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الحكومية أن اليابان أعلنت عن تقديم منحة طارئة لليمن بعشرة ملايين دولار عبر برنامج الأغذية العالمي للاستجابة لأزمة الغذاء في البلاد، وذلك وسط تحذيرات من أزمة حادة في مخزون القمح والسلع خلال الأشهر القادمة.

ونقلت الوكالة عن الحكومة اليابانية قولها في بيان إن هذه المنحة تأتي في إطار جهود اليابان للاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة ودعم اتفاق الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة في البلد الغارق في النزاع الدامي للعام الثامن على التوالي.

وأكدت اليابان أن الوضع الإنساني في اليمن قد يزداد تدهورا بسبب تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجم عن الحرب في أوكرانيا.

وتوقع البيان أن يستفيد من هذه المساعدة ما يقرب من 2.5 مليون شخص.

برود حكومي:

ولم تتحرك الحكومة اليمنية لتفادي الكارثة على الرغم من ادراكها مآلات التأخر في اتخاذ التدابير في ظل تسارع تداعيات الحرب الأوكرانية- الروسية في ظل الحراب القائمة في اليمن، إذ أكدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مواجهتها تحديا كبيرا بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية إثر قفزة أسعار القمح والحبوب والمحاصيل والمشتقات النفطية.

وتستورد اليمن قرابة 90 بالمائة من احتياجاتها من الخارج من مادة القمح وبكميات تصل إلى قرابة 3.5 مليون طن سنويا، وتعد روسيا وأوكرانيا أحد مصادره الرئيسية فيما يغطي رصيد الدولة من القمح احتياج السوق المحلي حتى آخر يوليو المقبل فقط.

وقال مصطفى نصر في متشور له إن نحو ثلث الكميات المستوردة من القمح إلى السوق اليمنية يأتي من روسيا واوكرانيا، مضيفاً أن “الكمية المستوردة من القمح إلى اليمن ستتأثر بشكل مباشر، وسيدفع ذلك المستوردين إلى البحث عن مصادر بديلة، عادةً ما تكون أعلى وأكثر تكلفة”.

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار القمح عالمياً سيؤثر سلبياً على اليمن، الذي يستورد معظم احتياجاته من القمح من الخارج، بما يساوي 90% من الاحتياج.

مجاعة وشيكة: 

من جهتها حذرت مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه وهي أكبر مستورد للقمح في اليمن من مجاعة وشيكة، ناجمة عن الارتفاع في أسعار القمح العالمية، والاضطراب الكبير في الإمدادات، والتناقص السريع في المخزون في جميع أنحاء البلاد.

وقال بيان صادر عن المجموعة إنه من المتوقع تفاقم أسعار القمح العالمية بصورة أكبر بسبب حظر تصدير القمح الهندي الذي دخل حيز التنفيذ قبل يومين فقط، إضافة إلى الصراع في أوكرانيا والذي تسبب سابقاً في نقص حاد في الإمدادات العالمية.

وحذرت من أنه “بدون اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن التطورات الأخيرة ستدفع أزمة الأمن الغذائي المستمرة في اليمن إلى نقطة اللا عودة”. مشيرة إلى أن “اليمن يحتاج إلى تدابير استثنائية للحفاظ على الإمداد المستمر من هذا الغذاء الأساسي اليومي وبرامج المساعدة لمئات الآلاف من الناس قبل فوات الأوان”.

وفي مخاطبات للقادة في المجتمع الدولي، دقت المجموعة ناقوس الخطر من أن مئات الآلاف من اليمنيين في جميع أنحاء البلاد على وشك المعاناة من الجوع الشديد في غضون أشهر، في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمية، وتضاؤل مخزون القمح في البلاد، وتناقص القوة الشرائية للقطاع الخاص اليمني مما يمنع وصول إمدادات كافية من المواد الغذائية الأساسية إلى البلاد.

ودعت المجتمع الدولي إلى وضع آليات عاجلة لدرء أزمة إنسانية أخرى، مثل إنشاء صندوق خاص لتمويل الواردات والذي من شأنه أن يُمكن مستوردي القمح اليمنيين من الوصول سريعا إلى التمويل ورأس المال العامل لتمويل مشتريات القمح في السوق العالمية وتغطية التكلفة الكبيرة لاستيراد المنتجات الغذائية إلى اليمن، وتمديد شروط الدفع لمستوردي الأغذية اليمنيين في تعاملاتهم مع الموردين الدوليين، للمساعدة في تأمين وتنفيذ العقود التجارية التي تعتبر بالغة الأهمية في ضمان إمدادات ثابتة من المواد الغذائية إلى اليمن.

ووفقاً للبيان، فإنه قد تسبب الصراع في أوكرانيا في حدوث موجات صدمة هائلة عبر أسواق السلع العالمية – وأبرزها التأثير على إمدادات القمح. وصلت أسعار القمح العالمية مؤخرا إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عاما، الأمر الذي كان له بالفعل عواقب خطيرة على الموردين والمصنعين في جميع أنحاء العالم.

وأشار إلى أن اليمن تشتري ما يقرب من ثلث احتياجها من القمح من أوكرانيا وروسيا. وسيؤدي فقدان مثل هذه النسبة الكبيرة من مصدر القمح في البلاد، والذي يعتمد عليه المجتمعات التي هي بالفعل على حافة المجاعة لإنتاج الأغذية الأساسية اليومية، مثل الخبز، إلى تفاقم تأثير أسوء أزمة إنسانية في العالم.

ويلعب القطاع الخاص في اليمن دورًا حيويًا في ضمان الأمن الغذائي للبلاد وهو مسؤول عن الغالبية العظمى من واردات الغذاء إلى اليمن، والتي تشكل 90% من إجمالي الإمدادات الغذائية إلى البلد الفقير، وتعتمد عليها المجتمعات اليمنية.

ويتم توزيع هذه الواردات وبيعها للمستهلكين في جميع أنحاء البلاد – والأهم من ذلك – توفير عمليات المساعدة الإنسانية الدولية أيضا، مثل تلك التي يديرها برنامج الأغذية العالمي.

وبدون القطاع الخاص اليمني، لن تتمكن هذه البرامج الأساسية، التي تغذي ما يقرب من 13 مليون شخص في الشهر في عام 2021 (برنامج الأغذية العالمي) من العمل على النطاق المطلوب للاستجابة للكارثة الإنسانية الحالية.

وتؤدي أزمة القمح إلى تفاقم آثار الأمن الغذائي في اليمن – مع ارتفاع الحد الأدنى لسعر سلة الغذاء بشكل كبير في اليمن خلال العام الماضي بمقدار 119% في أجزاء من البلاد (برنامج الأغذية العالمي). كما يواجه اليمن تحدي في القدرة على تحمل تكاليف الغذاء وإمداداته على نطاق لم يسبق له مثيل، وفق البيان.

ودعت مجموعة هائل سعيد أنعم إلى تدخل دولي فوري لتجنب المزيد من الكارثة الإنسانية في الأشهر المقبلة، كما اقترحت أن تستكشف المنظمات الدولية والإقليمية حلولا مبتكرة لضمان وصول إمدادات القمح الكافية إلى المجتمعات اليمنية، على سبيل المثال:

كما دعت إلى إعطاء مستوردي القمح اليمنيين أولوية الوصول إلى إمدادات القمح في الأسواق الدولية، لضمان حصول المجتمعات الأكثر عرضة لخطر المجاعة أو الجوع الشديد على ما يكفي من المواد الغذائية وأن تظل البرامج الإنسانية الدولية فعالة.

وأشارت إلى أنه في ضوء الانخفاض الكبير في قيمة الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي، يجب على وجه السرعة إنشاء صندوق طوارئ خاص وبرنامج تمويل الاستيراد الخاص باليمن، مما سيمكن مستوردي القمح اليمنيين من الوصول السريع إلى التمويل ورأس المال العامل لتمويل مشتريات القمح في السوق العالمي والواردات إلى اليمن.

ويمكن أن يشمل ذلك تسهيلات تمويل الواردات لليمن بدعم من مؤسسة دولية، أو استخدام حلول التمويل المختلط المدعومة بضمانات الخسارة الأولى للمستوردين اليمنيين من خلال اتفاقيات تمويل الاستيراد، ومخطط جديد يمدد رسميا شروط الدفع بين مستوردي الأغذية اليمنيين ومورديهم الدوليين لمدة 60 يومًا، وتكون مضمونة من قبل منظمة دولية أو مؤسسة مالية، بحسب البيان.

Exit mobile version