يمن الغد _ صالح البيضاني
أحيا الصحافيون اليمنيون ذكرى يوم الصحافة اليمنية الذي يصادف العاشر من يونيو من كل عام، في ظل مشهد حالك بالسواد يتصدر فيه اليمن قائمة الدول الأكثر خطورة للعمل الصحافي والتي يتعرض العاملون في هذا المجال لخطر محدق يبدأ بالاغتيال ولا ينتهي عند الاختطاف والاعتقال وإصدار أحكام الإعدام الجائرة.
ويشير أحدث تقرير صادر عن نقابة الصحافيين اليمنيين للربع الأول من العام 2022 فقط إلى رصد 20 حالة انتهاك تعرض لها الصحافيون والمؤسسات الإعلامية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من بينها 6 حالات إيقاف لإذاعات أهلية، و5 حالات اعتداء طالت مؤسسات صحافية وصحافيين، إضافة إلى رصد 5 حالات تعذيب بحق معتقلين في السجون وحالتي احتجاز حرية وحالة تهديد.
وحول مسؤولية الأطراف اليمنية عن الانتهاكات بحق الصحافيين يحمل تقرير النقابة الميليشيات الحوثية مسؤولية ارتكاب 11 حالة انتهاك من إجمالي الانتهاكات بنسبة مقدارها 55 في المئة، فيما ارتكبت الحكومة الشرعية بهيئاتها المختلفة 4 حالات بنسبة 20 في المئة وجهات مجهولة 5 حالات بنسبة 25 في المئة.
الحرب دمرت كل شي:
وشملت الانتهاكات الصحافية وفقا للتقرير إغلاق ست إذاعات مجتمعية بحجج إدارية تتعلق بتصريح العمل، وتسديد الرسوم غير القانونية التي فرضتها سلطة الحوثيين عبر لائحة غير قانونية في ظل غياب قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني في اليمن.
وتتصدر الميليشيات الحوثية قائمة منتهكي الحقوق والحريات الصحافية في اليمن ومستهدفي العاملين في الحقل الإعلامي، ويشمل ذلك بحسب تقارير عديدة ممارسة سياسة تعذيب ممنهجة بحق الصحافيين المعتقلين، إلى جانب إصدار أحكام جائرة بالإعدام طالت أربعة صحافيين يمنيين معتقلين في سجون الحوثي بصنعاء منذ بداية الحرب، هم: عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، حارث حميد.ورصدت النقابة حالة قتل جديدة طالت المصور الصحافي فواز الوافي في محافظة تعز (وسط اليمن) من قبل مجهولين ولا تزال ملابسات الجريمة غير واضحة، لترتفع -بحسب النقابة- حالات قتل الصحافيين في اليمن إلى 49 حالة منذ العام 2011 حتى مارس 2022 .
ويبرز التقرير الصادر عن النقابة ما يصفه بمؤشرات وضع البيئة الإعلامية في اليمن التي عكست “زيادة القيود المفروضة على العمل الصحافي، وحرمت الكثير من الصحافيين من ممارسة مهنتهم بحرية في مختلف مناطق اليمن ولو بنسب مختلفة”، الأمر الذي أدى إلى “إلغاء حالة التنوع والتعدد في وسائل الإعلام، وغياب الصحافة المعارضة والمستقلة في كل منطقة، ليتم التعامل مع الصحافي كعدو”.
ولفت التقرير إلى عدم “توفر المؤسسات القضائية والبيئة التشريعية التي توفر حماية كافية للصحافيين في ظل غياب وجود حقيقي لسلطات الدولة، واستخدام الأطراف لهذه المؤسسات بطريقة تعسفية، ما يحتم ضرورة تعزيز مساندة الصحافيين والدفاع عنهم بشكل قوي”،إلى جانب فقدان الصحافيين المعتقلين للحقوق المكفولة لكل إنسان تحتجز حريته والتي تحفظ كرامته الإنسانية الأصيلة، وإفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحافة والصحافيين من العقاب.
زلزال من الانتهاكات:
ووصف نبيل الأسيدي، عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين الحديث عن واقع الحريات الصحافية بأنه “جرح نازف في مسيرة العمل الصحافي” مشيرا إلى أن الصحافة اليمنية لم تتعرض لمثل هذا الزلزال المتخم بالانتهاكات منذ أن ظهرت في اليمن.
وأوضح الأسيدي في تصريح خاص لـ”العرب” أن الانتهاكات بحق الصحافيين في اليمن وصلت إلى أكثر من 1400 انتهاك بمختلف أنماط الانتهاكات التي تخطر على بال الإنسان، إضافة إلى مقتل 49 صحافيا ومصورا ومئات المختطفين في فترات مختلفة بينهم أربعة محكومين بالإعدام ما زالوا في السجون منذ سبع سنوات وآخرون ما زالوا إلى الآن محتجزين لدى جماعة الحوثي وأيضا هناك صحافيون مخفيون قسرا، أحدهم لدى تنظيم القاعدة الإرهابي في المكلا منذ ست سنوات وآخر لدى ميليشيات الحوثي منذ 7 سنوات، ولا أحد يعلم مصيرهم حتى الآن.
وأشار الأسيدي إلى أن الحديث عن يوم الصحافة اليمنية الذي يمثل مناسبة للقاء النقابتين في الشمال والجنوب وتوحدهما يعتبر يوما زاهيا في مسيرة الإعلام اليمني، واستدرك بالقول “إلا أننا الآن لا نستطيع إلا أن نحتفل بالوجع ونحتفل بالألم وبانهيار الحريات الصحافية وما تبقى من أساسيات العمل الصحافي، جراء الكارثة التي حلت بالصحافة، فما بني خلال أعوام طويلة من العمل النقابي والعمل الصحافي أتت الحرب على أغلبه ومع هذه الضربات التي تعرضت لها الصحافة والعمل النقابي والتي أعتقد أنها موجعة، لكنها لم تقتل أبدا الحس الصحافي ولن تقتل الحريات في ظل ما يمكن وصفه اليوم بالانبعاث الجديد للحريات الصحافية“.
ولفت الأسيدي إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه الصحافيين اليمنيين اليوم يتمثل في رواتبهم المنقطعة التي تعد إشكالية حقيقية تتحملها الحكومة وتتحملها أيضا ميليشيات الحوثي بحكم سيطرتها على كل إيرادات المناطق التي تتحكم فيها، وتابع “كل ذلك يجعل الصحافة اليمنية اليوم تعيش مأساة خاصة في ظل تفكك الدولة بشكل كبير، مما يجعل الكثير من الجماعات المنفلتة والهيئات الإدارية والسياسية غير المنضبطة تقوم بممارسة تلك الانتهاكات كما يحدث في حضرموت ومأرب وعدن وكما يحدث في تعز وبقية المحافظات، أما الحديث عن الانتهاكات وعن الحريات الصحافية في ظل الميليشيات الحوثية فأعتقد أن ذلك منعدم تماما، حيث أصبح هناك صوت واحد وهو صوت الحرب وتحولت الأقلام إلى مدافع وبنادق وأدوات تحريض وكراهية ضد الآخر، بالتالي نحن أمام كارثة حقيقية للعمل الصحافي”.
وأشار إلى “تعرض الصحافيين اليمنيين إلى الخذلان من الداخل، ومن الخارج من قبل المنظمات المعنية بالحريات الصحافية وأيضا المدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الوسيطة في عملية السلام التي تتجاهل حتى الوضع الصحافي كالمبعوث الدولي والأمم المتحدة وغيرها من الجهات ذات العلاقة بالشأن اليمني التي تعتبر الحق في الحريات الصحافية من أدنى اهتماماتها بينما ينظر إلى العمل الصحافي من منظور سياسي وهذا يعتبر انتهاكا أيضا للحريات الصحافية”.
سجن كبير للصحافيين:
وبدوره اعتبر الناشط الحقوقي اليمني رياض الدبعي أن الصحافة اليمنية تعيش اليوم في سجن كبير بسبب حجم الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في الحقل الصحافي مشيرا إلى أنه منذ 7 سنوات لا يزال الكثير من الصحافيين اليمنيين يقبعون في سجون الحوثيين، حيث تعرضوا لكل أنواع التعذيب النفسي والجسدي وحرموا من كل حقوقهم داخل السجون ومنعوا من الاتصال بأهاليهم، كما حرموا من الرعاية الطبية رغم أن البعض منهم يعاني من أمراض مزمنة وقاتلة مثل أمراض القلب.
وأشار الدبعي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الصحافيين اليمنيين يحاكمون في محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة، معتبرا أن ذلك بحد ذاته يعكس حجم المأساة والانتهاك الصارخ للمواثيق الدولية.
وأضاف “يجب أن تكون هناك محاكمة عادلة لجميع القابعين في سجون الحوثيين، إضافة إلى أن تساهل وتجاهل المنظمات الدولية لقضايا الصحافيين شجعا سلطات ميليشيات الحوثي على المزيد من ارتكاب الانتهاكات، كما أن مكتب المبعوث الأممي يلتزم الصمت تجاه معظم القضايا الحقوقية وأولاها قضية الصحافيين المخفيين في غياهب سجون الحوثيين، إلى جانب الدور السلبي للمنظمات المحلية التي لم تعمل بشكل جيد مع آليات الأمم المتحدة وخاصة المقررين الخواص وحتى اللحظة لم نشاهد دعوة أو بيانا من المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير يشجب فيه استمرار اعتقال الصحافيين والمطالبة بالإفراج عنهم”.
ويؤكد الصحافي اليمني محمود الطاهر أن الصحافيين في اليمن تعرضوا للكثير من الجرائم، من قبل كافة الأطراف اليمنية، لكن أكثرها جرمًا – على حد وصفه- هي الميليشيات الحوثية، التي طورت ذلك الانتهاك إلى مستوى غير مسبوق عبر وضع عبوات ناسفة ومصادرة ممتلكاتهم ومحاكمتهم وإصدار الأحكام العرفية بالإعدام ضد الصحافيين.
وطالب الطاهر في تصريح لـ”العرب” بالعمل المكثف من قبل المجتمع المدني والدولي لإنقاذ حياة الصحافيين المختطفين لدى الحوثيين منذ أكثر من سبع سنوات والمحكوم عليهم بالإعدام بتهم كيدية، وتابع “الصحافيون في اليمن معرضون اليوم للإخفاء القسري ومصادرة أعمالهم، والإذاعات الترفيهية غير الموجهة سياسيًا لم تسلم من المصادرة، إضافة إلى مصادرة مؤسسات ومطابع بأكملها، وإغلاق المواقع الإلكترونية الإخبارية التي تنتقد الحوثي، والخلاصة هي أن ثمة حربًا حقيقية على الصحافة والصحافيين في اليمن من قبل الحوثيين، الذين يعتبرون أن الصحافي بأفكاره واطلاعه على المستجدات، يمثل خطورة أمام المشروع العنصري والطائفي الحوثي، لذلك يسعون إلى القضاء على هذه المهنة أو توجيهها بما يتلاءم مع الأجندة الإيرانية.”