لا يخفي اليمنيون قلقهم من المسار الذي تتجه إليه المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، والتي تحولت إلى عملية لإدارة الأزمة بدل العمل على تسويتها، وذلك من خلال القفز على تنفيذ باقي استحقاقات الهدنة من خلال إثارة قضايا جديدة.
قالت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ يسعى لفتح مسارات جديدة لتجاوز عقدة رفض الحوثيين تنفيذ بند فتح الطرقات في مدينة تعز المضمن في اتفاق الهدنة.
ويتحاشى المبعوث الأممي الإعلان عن نتائج زيارته إلى صنعاء حتى الآن والكشف عن رفض الحوثيين تقديم أي تنازلات في ملف فتح طرقات ومعابر تعز الواقعة جنوب غرب البلاد، فيما يترك الباب مواربا أمام وساطة عمانية محتملة لإقناع الحوثيين بالعدول عن موقفهم المتصلب.
وتركزت تصريحات غروندبرغ وسفراء عدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن حول موضوع “الهدنة الاقتصادية” وتوحيد البنك المركزي اليمني، وصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الانقلاب، وهو ما اعتبره مراقبون التفافا على استحقاقات اتفاق الهدنة وهروبا من الفشل في تحقيق أي اختراق في مسار استكمال تنفيذ بنودها.
وأصدرت سفارات واشنطن ولندن وباريس وبعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن بيانات منفصلة عبرت فيها عن القلق الشديد بشأن ما وصفته “الحملة ضد البنك المركزي اليمني وموظفيه”، ودعت جميع الأطراف إلى “احترام استقلالية المصرف المركزي ودعم جهوده لتحسين الاستقرار الاقتصادي والمالي”، في رد غير مباشر على بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الذي حذر فيه من محاولات تجري لإعادة البنك المركزي إلى صنعاء.
ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي ما زال يستكشف نقاط ضعف الأطراف اليمنية ويعمل على تكثيف الضغوط على الأطراف التي يمكن انتزاع أي تنازلات منها يمكن أن تمنع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار والبناء عليه في وضع ملامح اتفاق شامل ودائم للهدنة في اليمن من خلال سياسة تقوم على تجزئة الملفات وتجاوز نقاط الخلاف إلى مناطق أخرى يمكن الحوار حولها وهو الأمر الذي يرى المراقبون للشأن اليمني أنه يزيد من تأزيم المشهد ويضاعف من الضغوط الشعبية والإعلامية على الشرعية اليمنية التي باتت الطرف الأكثر ليونة في معادلة الضغط الدولي.
وحول قراءته للتحركات الأممية والدولية القادمة حول الملف اليمني بعد تعثر استكمال تنفيذ بنود الهدنة الأممية وفي ظل الحديث المتصاعد عن تفاهمات اقتصادية، يرى الباحث والسياسي اليمني عبدالحفيظ النهاري أن المشكلة تكمن في أن التحركات الجارية حول الملف اليمني تبنى على تعثر وهشاشة الهدنة الحالية، وعلى تعنت الحوثيين في تنفيذ التزاماتهم بشأن استحقاقات الهدنة على مستوى فتح الطرقات من وإلى تعز، أو على مستوى وقف إطلاق النار في الجبهات، فبحسب بنود الهدنة لا يجوز استخدام وقف إطلاق النار لإعادة التموضع العسكري والتحضير لهجومات عسكرية لاحقة.
ويشير النهاري في تصريح لـ”لعرب” إلى أن الفشل في إلزام الحوثيين بفتح الطرقات في تعز، وفي وقف خروقاتهم العسكرية وحشودهم المستمرة إلى الجبهات، يدفع بالمبعوث الأممي غروندبرغ إلى الهروب إلى الأمام من خلال تشتيت الجهود ونقلها من الأولويات العسكرية الأمنية، والأولويات الإنسانية، إلى ملفات متعددة ومشتتة مثل الملف الاقتصادي بتشعباته وملفات فرعية أخرى، قبل أن تتحقق الخطوات اللوجستية المؤسسة.
ويضيف “الحكومة الشرعية كانت تدرك منذ البداية وتتوقع تعنت الحوثيين في الملف الإنساني، ونفذت التزاماتها الإنسانية المتمثلة في تسيير رحلات الطيران المدني من وإلى مطار صنعاء، والسماح بدخول سفن الوقود من طرف واحد، لكن الحوثيين لم يقدموا أدنى التزام إنساني في المقابل وخاصة بشأن فتح طرقات تعز، وتسهيل حركة المواطنين الداخلية عبر المدن”.
وتشارك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في حوارات وفعاليات سياسية فرعية حول الأزمة اليمنية للتغلب على عقدة الفشل التي رافقت الحوارات التي نظمها مكتب المبعوث الأممي في العاصمة الأردنية عمّان بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
وانطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم الجمعة أعمال منتدى اليمن الدولي بمشاركة 200 شخصية بينهم مسؤولون حكوميون وممثلون عن بعض المكونات اليمنية ودبلوماسيون، فيما تغيبت أطراف فاعلة عن الحضور مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين.
واستضافت الحكومة الفنلندية ومنظمة مبادرة إدارة الأزمات عشرين شخصية سياسية تنتمي إلى خمسة فصائل جنوبية في العاصمة هلسنكي خلال الرابع عشر والخامس عشر من يونيو وتمحورت النقاشات حول الخروج بمشروع واحد وتوحيد التيارات والفصائل في جنوب اليمن، والقضايا المشتركة بينها.
واعتبر الباحث السياسي اليمني ياسر اليافعي في تصريحات لـ”العرب” أن التحركات الأممية والدولية الحالية والقادمة تأتي بهدف الحفاظ على الهدنة وتحقيق اختراقات في ملفات أخرى مثل الملف الاقتصادي وفتح الطرقات في تعز، ويسعى من خلالها المبعوث الدولي لتحقيق إنجاز يحسب له وللأمم المتحدة، لافتا إلى أن هذه التحركات لن يكتب لها النجاح “لأنها تتماهى مع مطالب ميليشيا الحوثي في ما يخص تحقيق المزيد من المكاسب للجماعة دون أن تقدم تنازلات حقيقية، وهذا الأمر سترفضه الشرعية وكل القوى الأخرى التي تقاتل الحوثيين”.
وأكد اليافعي أن الأمم المتحدة تواجه تحدّيا حقيقيا “فهي حتى الآن لم تتمكن من فتح طرقات تعز وهذا كان ضمن شروط الهدنة السابقة، ومن غير المقبول أن تحصل على تنازل جديد من الشرعية في هذه المرحلة لذلك عليها وبشكل جدي الضغط على ميليشيا الحوثي لفتح طرقات تعز ووقف الاختراقات المستمرة للهدنة حتى تعود الأمور إلى نصابها”.
وعن دلالات فتح الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمسارات أخرى للحوار السياسي حول الملف اليمني، قال عبدالحفيظ النهاري “بالرغم من عقد اجتماعين للجنة العسكرية الأمنية المشتركة في العاصمة الأردنية، إلا أن أي تقدم عسكري أمني لم يحدث، وكان الوفد الممثل للحوثيين غير مخول باتخاذ القرار، وعاد المبعوث الأممي من صنعاء أيضا خالي الوفاض بالرغم من تحركه عبر مسقط للاستعانة بها في تحريك التزامات الحوثيين، وحتى الآن قال في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن إنه ما يزال ينتظر رد صنعاء، دون أدنى إدانة لها ودون ممارسة ضغط دولي كاف”.
ولفت النهاري إلى أن “الاتجاه إلى المؤتمرات الدولية في كل من السويد وفنلندا هو نوع من الهروب إلى الأمام، وتعبير عن الفشل في تحقيق أولويات الهدنة، وسيساهم ذلك في تشتيت الملف التفاوضي مع الحوثيين، وهو ما تريده الميليشيا، بينما كان الوفد الحكومي يراهن على وحدة الموضوع والبدء بفتح طرقات تعز، ثم الانتقال بعد ذلك إلى أي استحقاقات أخرى ومنها الملف الاقتصادي ودفع المرتبات وتحصيل الإيرادات والعائدات، ووضع السياسات النقدية، وحشد المبادرات الدولية للمانحين وما سيحدث هو تمييع لاستحقاقات فك الحصار عن تعز وفتح الطرقات منها وإليها وحرية حركة المواطنين، وحماية المسافرين من الابتزاز والجبايات على الطرقات”.
وتابع “هكذا عودنا المبعوثون الدوليون على التوالي على الهروب من القضايا الرئيسية إلى قضايا هامشية، والاستمرار في إدارة الأزمة عوضا عن المساهمة في حلها، والهروب من أسباب المشكلة المتمثلة في الانقلاب، إلى أعراض المشكلة المتمثلة في الوضع الإنساني”.
ويرى مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري أن “الأمم المتحدة في اليمن لا تملك أوراق ضغط قوية تؤثر على موقف الميليشيا الحوثية للدفع بها نحو إنهاء الحرب وتحقيق السلام في ظل واقع يؤكد أن الجماعة الحوثية لا تفهم إلا بلغتين؛ الأولى هي القوة وفرض واقع جديد بانتصارات عسكرية، والثانية أوامر طهران باعتبارها أداة إيرانية”.
واعتبر الجبري في تصريح لـ”العرب” أن الأمم المتحدة باتت واحدة من أدوات الحرب مثلها مثل السلاح ووسائل الإعلام وغيرها يستخدمها أحد الأطراف لتحقيق مصالحه، مشيرا إلى ان الميليشيات الحوثية وحدها استفادت من الموقف السلبي للأمم المتحدة وشجعها ذلك على التعنت وارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات.
وحذر من أن أي حديث عن السلام في الظروف الحالية هو سلام بشروط الميليشيا الحوثية وأي اتفاق هو نسخة من اتفاق ستوكهولم الذي لم ينفذ منه شيء، وليس أمام مجلس القيادة الرئاسي ومن خلفه تحالف دعم الشرعية في اليمن إلا خوض معركة عسكرية باعتبارها خيارا إجباريا لتغيير واقع جديد يفرض على الميليشيا الحوثية السلام بالقوة.