يواجه اليمنيون القاطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي ظروفاً معيشية صعبة فضلاً عن ضغوط اجتماعية ومالية.
تسببت تلك الأوضاع في ارتفاع أعداد المصابين بأمراض نفسية مختلفة في هذه المناطق.
أكثر المدن التي تمتلئ شوارعها وأزقتها وحاراتها بالمرضى النفسيين، هي صنعاء، باعتبارها المدينة التي كانت تضم أكبر مؤسسات الدولة كما كانت المدينة التي تحتضن أكثر التجمعات البشرية على الإطلاق، مقارنة بالمدن اليمنية الأخرى.
وبحسب شهادات حصلت عليها “العين الإخبارية” فإن عدد المصابين بالحالات النفسية تزايد بشكل لافت خلال الآونة الأخيرة، بعضهم ممن تعرضوا للاعتقال والتعذيب في سجون مليشيات الحوثي.
لكن أكثر المصابين بحسب المصادر، هم ضحايا تدهور الأوضاع المعيشية، وتراجع فرص العمل، ورفض مليشيات الحوثي صرف مرتبات موظفي الدولة منذ سنوات.
ومن بين هؤلاء المرضى، خريجو جامعات اصطدمت أحلامهم بعدم الحصول على فرصة عمل، لكن الشيء المهم في ذلك هو عجز أسرهم في تقديم الدعم اللازم نظراً للوضع المالي الصعب الذي يحد من قدرتها على عرض المريض على طبيب نفسي، فضلاً عن شراء الأدوية التي عادة ما توصف بأنها الأغلى.
يقول سالم عباس من سكان صنعاء، لـ”العين الإخبارية”، إن الوضع المعيشي الصعب وانسداد أفق الحصول على أي عمل هو ما أدى إلى إصابته بحالة نفسية سيئة مثله مثل الكثيرين.
ومن بين المصابين موظفون كانوا يعملون في مؤسسات الدولة ولم يتسلموا رواتبهم منذ سنوات فضلاً عن مواجهتهم صنوفا من العذاب الناجم عن ظروف العيش الصعبة والتهديد بالطرد من المنازل.
كما أن غالبية موظفي الدولة ممن ينتمون لمحافظات أخرى يعجزون عن الانتقال إلى مسقط رأسهم في المدن المحررة، نتيجة واقعهم الصعب، مما يجبرهم على البقاء مكرهين تحت وقع الحاجة.
ويشير عباس إلى أن مَن كانوا يتمتعون بقدر من الرفاهية ثم وجدوا أنفسهم غير قادرين على تلبية متطلبات الحياة العادية يبقون تحت تأثير اللوم، كما لو أنهم فاشلون غير قادرين على كسب قوت أسرهم أو البحث عن بدائل تخرجهم من المأزق المعيشي الذي يكابدون، كما حدث معه.
هجمات الحوثي المدفعية
ليست صنعاء وحدها التي يعاني سكانها مشكلات نفسية حادة، إذ أصابت هذه الحالة أيضاً أهالي تعز المحاصرة منذ 7 أعوام وكذلك الحديدة حيث يعيش سكانها في جحيم حر لا يطاق.
بحسب الطبيب اليمني النفسي محمد القدسي لـ”العين الإخبارية” فإن حالات الإصابة بالهلوسة والصدمات والاضطرابات والاكتئاب والرهاب والفوبيا والفصام كلها أمراض نفسية ازدادت على نحو غير مسبوق خلال الحرب.
وأوضح أن الأطفال من بين الفئات الأكثر إصابة إثر الهجمات المدفعية الذي شنها الحوثيون على الأحياء السكنية إلى جانب إصابة الكثير إثر فقدان أحبائهم أو رب الأسرة أو الاعتقالات فضلاً عن انسداد أبواب الرزق والبطالة والحرمان من الراتب وتكالب الوضع المعيشي وتداعيات اجتماعية إثر إطالة أمد الحرب.
ظروف معيشية
يوافقه في ذلك، أستاذ علم النفس في جامعة الحديدة، فهمي حسان، الذي قال إن تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية تؤثر في إصابة الشخص بالأمراض النفسية بشكل كبير، ويترك الفقر المدقع ندوباً نفسية لا تندمل بسهولة.
وأضاف لـ”العين الإخبارية” أن البعض يستطيع تجاوز المشكلات النفسية من خلال العلاقات الاجتماعية والبحث عن حلول مناسبة للمشكلات، لكن هذه الاستراتيجيات تفقد فاعليتها مع استمر التدهور المعيشي.
وأكد أن الفرد حينما يجد نفسه عاجزاً عن إيجاد حل لمشكلاته المالية والمعيشية تزداد حالته النفسية سوءًا، ويصبح عرضة للإصابة بالمرض النفسي، والوقع في براثنه.
وتشير تقديرات يمنية إلى أن 195 شخصاً من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة، وأن هناك 1.5 مليون يمني يعانون من حالات نفسية مستعصية، يعيش الكثير منهم في ظروف صعبة إثر حرب الحوثيين.
كما أن هناك أكثر من 5 ملايين يمني تضرروا نفسياً من أمراض من بينها الرهاب الشديد والفوبيا والاضطرابات منذ تفجير مليشيات الحوثي للحرب أواخر 2014 ونهبها للمرتبات وقذف الآلاف لرصيف البطالة، وفق تقارير دولية.