ما وراء الاتصالات المتكررة بين الاتحاد الأوروبي ومليشيا الحوثي؟
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد أدرج مليشيات الحوثي على القائمة السوداء ضمن الجماعات الخاضعة للعقوبات؛ وذلك لتهديدها السلام والأمن والاستقرار في اليمن، فإنه عبر سفرائه باليمن يجري محادثات مع قيادات الحوثي، وسط غموض عن سر تلك اللقاءات.
ويجمد الاتحاد الأوروبي بموجب العقوبات التي أصدرها، في مارس الماضي، أصول مليشيات الحوثي ويحظر تزويدها بالتمويل، في خطوة تطابق قراراً صادراً عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في فبراير الماضي، الذي صنف المليشيات جماعة إرهابية.
وعلى مدار سنوات الحرب الطويلة، التقطت الجماعة الحوثية الصمت الغربي تجاه جرائمها، واعتبرته بمنزلة “تشجيع” لها على مواصلة التمادي في تهديد أمن اليمن والمنطقة، فهل تأتي اللقاءات بين الحوثيين والأوروبيين تماهياً مع انقلاب الحوثي في البلاد؟
مباحثات بين الجانبين
في اتصال مباشر عبر تقنية الفيديو، قال الاتحاد الأوروبي، 4 يوليو 2022، إنه طالب مليشيا الحوثي بفتح طرق تعز (جنوب غرب البلاد)، والتعاطي الإيجابي مع الجهود الأممية والدولية لتحقيق السلام في اليمن.
وجرى الاتصال بين سفراء الاتحاد الأوروبي ورؤساء بعثات فرنسا وألمانيا والمبعوث السويدي إلى اليمن، مع القيادي الحوثي حسين العزي، المعين من قيادة المليشيا نائباً لوزير الخارجية في الحكومة الحوثية غير المعترف بها دولياً.
ووفق ما ذكرته البعثة الأوروبية لدى اليمن في تغريدة نشرتها في حسابها على “تويتر”، دعا السفراء الأوروبيون مليشيا الحوثي إلى التهدئة في خطابها العام بخصوص الهدنة وإحلال السلام.
كما أكدوا أهمية استغلال الهدنة الجارية للدفع بالعملية السياسية، وتحقيق السلام، مضيفين: “هناك فرصة سانحة لمواصلة تحقيق تطلعات اليمنيين الذين يريدون ويحتاجون السلام”.
وهذا هو الاتصال الثاني بين البعثة الأوروبية والقيادي الحوثي، حيث سبق أن عقدت مباحثات عبر تقنية الفيديو، في نوفمبر الماضي، حيث ناقشوا “أهم المتطلبات الضرورية لدعم رغبة صنعاء في بناء سلام حقيقي شامل ومستدام”.
ووفقاً للبعثة فقد تم التعبير عن الانزعاج “الشديد بخصوص 10 إعدامات فورية لعدد من أبناء محافظة الحديدة (غرب)، واعتبرته خرقاً خطيراً للقانون الدولي ينبغي التحقيق فيه ومحاسبة مرتكبيه”.
تدخل دولي
ما زال التدخل الإقليمي والدولي هو العامل الرئيس في الحرب الجارية في اليمن، وفي تحديد أهدافها ورهاناتها والمخرج منها، إلى جانب أن السلطة الشرعية لا تملك الاستقلالية التامة في اتخاذ قرار الحسم العسكري مع المليشيات الحوثية.
وبينما صارت الحكومة اليمنية مكبلة باتفاقيات دولية؛ كاتفاق استوكهولم، واتفاق الهدنة الأخير، يرفض الحوثيون تنفيذ جميع بنود الهدنة، والتي من بينها فك الحصار عن تعز، وتسليم الرواتب للموظفين من موارد ميناء الحديدة.
ويبدو أن هناك توجهاً وإصراراً كبيراً من المجتمع الدولي على إعادة تدوير وتأهيل الحركة الحوثية لتنتقل من المسرح العسكري إلى المسرح السياسي، غير أن ذلك يصطدم بموقفهم المتصلب والرافض لأي حلول لإنهاء الحرب عبر التفاوض، والذي دفع الأوروبيين والغرب إلى التواصل المباشر والمكثف مع الحوثيين في محاولة لإقناعهم بالقبول بالحل السياسي.
ويقف الأوروبيون والأمريكيون والأمم المتحدة على المحك أمام صدق نواياهم بتطويع الحوثيين وإجبارهم على الالتزام ببنود الهدنة، التي تنتهي المرحلة الثانية منها التي مددت نهاية شهر يوليو الجاري، وسط أنباء عن استعدادات مكثفة من المليشيا لحرب واسعة.
دعم أوروبي للحوثي
يعتقد الدكتور فيصل علي، رئيس مركز “يمنيون” للدراسات، أن الاتصالات “ربما تأتي لتعزيز عملية السلام التي يريد الأمريكان فرضها في اليمن، وهي عملية متعلقة بسياسة الطاقة وتأمين مصادرها، ومتصلة بالحرب الدائرة في أوكرانيا”.
ويقول إن “الاتحاد الأوروبي بشكل عام يقوم منذ انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، في 2014، بدور سلبي في اليمن، ودوره يشبه دور الحزب الديمقراطي الأمريكي؛ يشجعون المليشيات التابعة لإيران لتغيير المعادلات في الشرق الأوسط”.
وأوضح في هذا السياق أن “هذا يتعلق بمفهوم الإسلام المرضي عنه أمريكياً وأوروبياً، وهو نسخة الإسلام الإيرانية التي يراد من خلالها تغيير المنطقة طائفياً لخلق صراعات غير منتهية، ولضمان عدم الاستقرار في المنطقة ليظل الاحتياج للأمريكان والأوروبيين مستمر”.
ويوضح أن “حركة الحوثي لقيت دعماً من ألمانيا منذ الحروب الست 2004 – 2010، سواء باستضافة يحيى الحوثي في أراضيها، أو تمكين منظمات تابعة للحوثي من العمل في أراضيها؛ لخلق مظلومية وتعاطف ألماني أوروبي مع مليشيات الحوثي”.
ويشير إلى أن ما يجري اليوم من تواصل بين بعثة الاتحاد الأوروبي وجماعة الحوثي “لا يخرج عن هذا الإطار، وهو تقديم الدعم والإسناد لهذه المليشيات”.
ويرى أن ما يحدث هو “شرعنة سلطة الجماعة. في السابق كان لغرسها وتثبيتها في اليمن، أما اليوم فلشرعنتها واعتبارها واقعاً لا يمكن تجاوزه، مع كل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعة في اليمن”.
وحول تأثير ذلك على الرغم من قرارات مجلس الأمن ضد الحوثي التي تبناها الاتحاد الأوروبي، يقول علي: “قرارات مجلس الأمن تضعف بضعف التعاطي الدولي معها، هي قرارات في الأساس تستند للقانون الدولي في صياغتها وفي اتخاذها، لكنها تظل حبراً على ورق إذا ما أرادت الأطراف الدولية المؤثرة تجاوزها”.
تجميد وعقوبات
في مارس الماضي، وافق الاتحاد الأوروبي على عقوبات مجلس الأمن ضد مليشيات الحوثي بضمها إلى القائمة السوداء ضمن الجماعات الخاضعة للعقوبات، وذلك لتهديدها السلام والأمن والاستقرار في اليمن.
ويجمد الاتحاد الأوروبي بموجب العقوبات الجديدة أصول مليشيات الحوثي ويحظر تزويدها بالتمويل، في خطوة تطابق قراراً صادراً عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 28 فبراير الماضي، الذي صنف المليشيات جماعة إرهابية.
وصنف القرار الأممي الصادر تحت رقم “2624” جماعة الحوثي ككيان خاضع للتدابير المفروضة في الفقرة 14 من القرار 2216، التي تشير إلى حظر الأسلحة المستهدف.
أما القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي فقد وضعت، في عام 2014، عقب انقلاب الحوثي على السلطة في اليمن، بموجب عقوبات الكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن.