تهديدات إيران.. آخر مسمار في نعش الاتفاق النووي
اعترف جون بولتون في مقال رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أن الأيام الأخيرة كانت إلى حد ما سوريالية، في إشارة إلى المخطط الإيراني لاغتياله واغتيال العديد من المواطنين الأمريكيين الآخرين على التراب الأمريكي.
رغم محاولات الاعتداء، واصل البيت الأبيض سياسة الاستسلام الخاصة به وأشارت تقارير إلى أنه قدم المزيد من التنازلات إلى إيران لحسن الحظ، تابع بولتون، وبصفته خريج وزارة العدل في إدارة رونالد ريغان، رأى مرة أخرى العمل الشجاع والمجتهد والبالغ الكفاءة لعملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي ومحامي وزارة العدل الذي كشفوا وتتبعوا مؤامرات إيران الإجرامية. وبفضل الرئيس الأمريكي جو بايدن، يشير بولتون إلى أنه حصل مجدداً على حماية الخدمة السرية كما كان الأمر حين خدم كمستشار للأمن القومي.
معنى جديد للسوريالية
لكن ما يعطي السوريالية معنى جديداً بالكامل هو أن البيت الأبيض بقيادة بايدن، وفي مواجهة حملة إيران الواسعة للإرهاب المناهض للولايات المتحدة والذي يرقى إلى العمل الحربي، لا يزال مهووساً بمكابدة العناء لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني. وصلت جهود الحرس الثوري لاستهداف بولتون إلى حد رفع وزارة العدل تهماً جنائية ضد شهرام پورصافي والتي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي. ومن المثير للاهتمام أن سرد الوثائق الاتهامية لسلوك پورصافي الإجرامي انتهى في أواخر أبريل (نيسان)، بالتوازي مع اعتراف وزير الخارجية أنتوني بلينكن لأول مرة بتهديدات إيرانية تطال مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، خلال شهادة أمام الكونغرس.
التفسير المنطقي الوحيد
ثمة عدد كبير من الموظفين العامين السابقين الذين تراقبهم إيران، من بينهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو ووزير الدفاع السابق مارك إسبر وآخرون ليس من المناسب ذكر أسمائهم لكن تم الإبلاغ عن المخاطر المحدقة بهم على نطاق واسع. مر ما يقارب أربعة أشهر بين تأكيد بلينكن العلني للتهديد الإيراني وتوجيه التهم الجنائية. التفسير المنطقي الوحيد حسب بولتون هو أن الرئيس خشي من أن يؤدي الكشف عن الاتهامات إلى تهديد هدفه الرامي إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي والذي يسترعي كل جهده واهتمامه.
لا تعتدي على المسؤولين وحسب
أضاف الكاتب أن جهود إيران الخبيثة لا تتوقف عند المسؤولين الرسميين. منذ أسابيع وحسب، وصل عميل إيراني مسلح برشاش أك-47 إلى منزل الناشطة الأمريكية-الإيرانية الأصل مسيح علي نجاد في بروكلين قاصداً قتلها وفقاً لمكتب التحقيقات الفيديرالي. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الإعلام الإيراني أشاد بالاعتداء على الروائي سلمان رشدي ونقلت عن مستشار فريق التفاوض الإيراني محمد مرندي تغريدته التي جاء فيها: “لن أذرف الدموع على كاتب ينشر كراهية لا تنتهي وازدراء للمسلمين والإسلام” وقد أشار ضمناً إلى أن الهجوم كان راية زائفة أمريكية.
بايدن يواصل سياسته المفضلة… الاستسلام
قد تكون محاولات اغتيال علي نجاد ورشدي مصادفة وقد لا تكون كذلك. إلى جانب القائمة الواسعة من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين المعرضين للخطر، ليس هذا الأمر مسألة صغيرة، إلا بالنسبة إلى إدارة بايدن على ما يبدو. يواجه الأمريكيون تهديداً منسقاً ضد أمريكا نفسها، لا تهديدات منفصلة ضد أفراد عشوائيين. لا تخشى إيران الردع الأمريكي حسب بولتون.
في الأسابيع الأخيرة، وبالرغم من محاولات الاعتداء، واصل البيت الأبيض سياسة الاستسلام الخاصة به وأشارت تقارير إلى أنه قدم المزيد من التنازلات إلى إيران. تشمل هذه الإجراءات تبييض العرقلة الإيرانية الطويلة المدى لجهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء التحقيقات الضرورية وإضعاف نطاق وفاعلية العقوبات الأمريكية على الحرس الثوري نفسه الذي يحاول تنفيذ اغتيالات عدة.
كانت كافية لدفن الاتفاق
يمكن تفسير هذه السياسة من الناحية التحليلية بكون بايدن يضع البرنامج النووي الإيراني في صومعة ونشاطاتها الإرهابية في أخرى، متعاملاً معهما كمسألتين منفصلتين. ويوضح بولتون أن بايدن منخرط في مغالطة ديبلوماسية كلاسيكية تقوم على إسقاط تصوره الخاص على طريقة تفكير أعدائه، ظاناً أن هؤلاء ينظرون إلى العالم بالطريقة نفسها التي ينظر هو من خلالها إليه. الواقع في طهران نقيض ذلك بالضبط.
حقد آيات الله هو شامل مع كون الأسلحة النووية والاغتيالات والإرهاب عناصر في كامل طيف قدراتهم. من خلال الفشل في فهم النطاق الأوسع للتهديد الإيراني والفشل الواضح في ردعه، يهدد جهد بايدن الخطير في إعادة إحياء الاتفاق النووي مصالح أمريكا الأوسع. البراهين الجوهرية ضد اتفاق 2015 والتنازلات التي قدمها بايدن طوال 19 شهراً في المنصب يجب أن تكون كافية فعلاً لدفن الاتفاق لكن التهديد الأوسع الذي تمثله إيران يجب أن يكون المسمار الأخير في نعشه.
هذا ما يجب أن تركز عليه
إن سياسة بايدن الغريبة التي تجعل الاتفاق النووي أهم من القضايا الإيرانية الأخرى تعكس غريزة العلاقات التفصيلية بين واشنطن وطهران. البرنامج النووي الإيراني ليس سوى أحد أعراض المشكلة الحقيقية: النظام نفسه. “هذا ما يجب أن تركز الولايات المتحدة على إنهائه”، ختم بولتون.