
يمن الغد / تقرير – غدير الشرعبي
على إيقاعات الموسيقى والفرحةِ الصاخبة والضيوف الذين أكتظ بهم المكان، عاشت الطفلةُ رنا (17 عام) لحظاتٍ غامرةٍ بالفرح قبل 5 أعوام، وهي ترتدي فستان الفرح الأبيض متأهبةً تحت أصداء الزغاريد لتُزف إلى شريك حياتها الذي يكبرها بـ11 عام، بعد أن تمت مراسم الخطوبة من خلال التراضي بين عائلتها وعائلة زوجها دون الأخذ بالإعتبار بموافقتهما على هذا الزواج من عدمها.
لم تكن الطفلةُ المتوجة عروسًا في بواكير صباها على درايةٍ بما ينتظرها في عش الحياة الزوجية، كل ما ساورها في بادئ الأمر أنها ستعيش حياةً هانئةً مع زوجها؛ لكن الأيام التي صادفتها بعد الزواج كانت حُبلى بمفاجئات الظيم والقهر والندم، إذ وجدت الطفلةُ نفسها رهينة تعنيف الشريك منذ أول ليلة تقضيها مع زوجها.
5 سنوات تعنيف:
تقول رنا، إن زواجها من منير (اسم مستعار للزوج) البالغ حينها 28 عاما، تم من خلال صفقة بين العائلتين، حيث لم يكن زوجها ولا هي لهما قرار في هذا الزواج الذي رتبته العائلتان بالتراضي بينهما، ووقعت ضحيته رنا التي تعرضت على مدى 5 سنوات منذ أول يوم زواج لـ “تعنيف جسدي ولفظي”.
وأشارت إلى أن زوجها لم يستطع تقبلها كشريكة حياة، وظل دائما يصارحها بأنها غير مرغوبةٍ بالنسبة له، وينعتها بألفاظ نابية كما أنه كان دائما ما ينتزع رغباته منها “بطريقة عنفوانية مفترسة حيوانية” على حد تعبيرها؛ مشيرة إلى أنه “كان ينعت قربي منه بأنه جحيم بالنسبة له”.
رغم العذاب الذي ظل يحاصرها في منزل زوجها وفقدانها الحياة الهانئة التي عاشتها في رحاب أسرتها قبل زواجها المشؤوم، لم تلجأ رنا إلى أسرتها لتساعدها على الخلاص من شراك العنف اليومي الذي ظل طي الكتمان باختيارها كونها فضلت خوض هذه المأساة وحيدةً كي لا يتطور الأمر إلى الطلاق؛ إلا أن الطلاق كان في نهاية الأمر الخيار الأمثل الذي أنقذها من التعنيف وسوء المعاملة بعد 5 سنوات على زواجها.
عدم الاستسلام:
وأضافت رنا، أن فكرة الانتحار راودتها أكثر من مرة للخلاص من أيامها السوداء “كنت أراني ناقصه عن بقية البنات منبوذة بالأصح، بسبب أنهُ كان ينعتني بالقبيحة وسيئة الطباع، فكرت بالإنتحار كثيراً، إلا أنني كانت أمني النفس بحياة أفضل وأطمئنها بالخروج من هذا المأزق لأعيش حياتي بعيدًا عن سياط العنف الذي نال مني 5 أعوام”.
تشير رنا إلى أن “المرأة كرامتها أهم من أنها تتحمل بشاعة رجل”، ولأنها عاشت هذه التجربة القاسية، فهي تنصح الفتيات اللاتي يقعن في نفس ورطتها بالتحلي بالشجاعة وعدم الاستسلام “ألا يصبرن ويسكتن عن العنف”.
وترى عُلا السقاف، مؤسسة ورئيس تنفيذي لمنظمة بيئة السلام للتنمية، أن عوامل زيادة حالات تعنيف النساء كثيرة، منها ضعف الرقابة الحكومية وعدم وجود جهة تحمي النساء، إضافة إلى الوضع الاقتصادي السيئ وصغوط الحرب التي جعلت الأشخاص في حالة توتر وضغط.
التبليغ الفوري:
وأفادت أن ضعف معرفة النساء في آلية التبليغ، وعدم معرفتهن بحقوقهن يزيد من معاناتهن مع العنف؛ مبينةً أن الجهات الحكومية أيضا لا تتعامل بجدية مع البلاغات المقدمة حول قضايا العنف ضد المرأة.
وتنصح السقاف النساء اللائي يتعرضن للعنف بتقديم شكاوي قانونية وإبلاغ المنظمات الحقوقية التي تعمل في مناصرة النساء، خاصة “في حال كان ما تتعرض له المرأة مهدد لحياتها فيجب عدم التأخر في التبليغ”.
أثار نفسية:
الاخصائية النفسية، شيماء العز، ترى أن العنف ضد المرأة يسبب أثار نفسية كثيرة أهمها ظهور الميول الإنتحارية لديها، والتعرض للإصابة بالأكتئاب والشعور بالنقص، فضلا عن تعرضها للإضطرابات المسببة للقلق، وكذا ظهور إضطراب في عادات الأكل.
وأفادت شيماء العز، أن العنف ضد المرأة يؤثر على صحتها للمدى البعيد مثل الأمراض الأكثر شيوعاً لدى النساء، كالتهاب المفاصل، ومشاكل الجهاز الهضمي كقرحة المعدة والقولون، إضافة لمشاكل وأمراض جنسية، وحتى الإصابة بأمراض عقلية.
واوضحت أن الطريقة المُثلى للتخلص من اثار العنف الذي تعرضت له امرأة ما، تستوجب الخضوع لجلسات نفسية مُعتادة عن طريق التفريغ ورؤية الحياة بمنظور جيد بحذف الأفكار السلبية، وعلاج للصدمات على حسب مستوى الحالة.