القضية اليمنية: معركة “شرعية” أم “قوة وإرادة”!

من أقوى الأوراق السياسية التي تملكها ما تسمى “حكومة الشرعية” في اليمن. هي أنها، على الصعيد المحلي، امتداد لـ”شرعية انتخابية ودستورية”، وأنها، على الصعيد الدولي، تستند في مرجعيتها على المبادرة الخليجية، وقرارات دولية لمجلس الأمن الدولي. بخصوص القضية اليمنية.
لكن هذه الورقة. مهما كان لها تطبيقات عملية. هي جوهريا ورقة “نظرية”، “مؤقتة”، في مقابل سلطة الأمر الواقع للانقلاب المتمثل بالجماعة الحوثية، منذ ثمان سنوات، وهذه الجماعة مسيطرة على جزء كبير من المحافظات اليمنية، وأكبرها في عدد السكان، وأكثرها أهمية رمزية وسياسية. بداية بالعاصمة صنعاء.
والزمن يمر، وهذا ليس في صالح “حكومة الشرعية”، فشرعيتها النظرية تتآكل مع الزمن، لصالح “الشرعية العملية” للجماعة الحوثية، وكما في أي حالة انقلابية مشابهة، فإن سلطة الأمر الواقع، تفرض نفسها عمليا، على الداخل والخارج. وما لم يتم تغيير الواقع على الأرض، يكتسب الانقلاب مع الزمن، ومع اضطرار الآخرين للتعامل معه، الصفة القانونية “الشرعية”.
الشرعية مسألة نسبية، ومسألة وقت.. لا تظل إلى الأبد. لن ينتظر أحد إلى الأبد حكومة لا تحكم، وكما اضطر الشعب اليمني، في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، للتعامل مع هيئات وقرارات هذه الجماعة، سيضطر المجتمع الدولي عاجلا أو آجلا للتعامل مع هذه السلطة التي تسيطر على الأرض.
 بل إن بعضاً من أهم القوى الدولية، المعنية بالقضية اليمنية، على المستويات الإقليمية والدولية، على رأسها أمريكا والسعودية.. تتعامل مع هذه الجماعة، منذ سنوات، من فوق وتحت الطاولة، وبشكل مباشر، أو عبر وسطاء، من أجل مستقبل مصالحها مع اليمن.. بغض النظر عن رأي أو اطلاع أو مصلحة “حكومة الشرعية”.
صفوة القول: إن معركة حكومة الشرعية مع الجماعة الحوثية، ليست معركة بين حق وباطل، وخير وشر، وملائكة وشياطين، وشرعية ولا شرعية.. وحتى لو كانت لها أبعاد قانونية وأخلاقية من هذا القبيل، فالأصل فيها، كما في أي معركة بين سلطة سابقة وانقلاب.. ليس أي الطرفين على حق بل أيهما أقوى ومسيطر على الأرض.
يعرف الحوثيون هذه النقطة جيداً، ويراهنون فقط على استمرار سيطرتهم على الأرض وتفوقهم عسكرياً في الجبهات، وهم واثقون للغاية إن جماعتهم بهذا الشكل فقط ستكتسب الصفة الشرعية، فالمسألة ليست قانونية مطروحة على طاولة القضاء المحلي أو الدولي، ليصدر فيها حكماً بنزع الدولة والأرض من قبضة الميليشيات الحوثية، وإعادتها إلى كهوف مران، ومن ثمّ عودة الرئيس إلى صنعاء.
القضية اليمنية هي معركة بين إرادات، محكومة بقانون “الغلبة”. معركة بين قوى من أجل السيطرة على الأرض، من يسيطر على الأرض هو من يحكم، وسيتعامل معه الشعب والمجتمع الدولي. وسيكتسب الشرعية، بغض النظر عن المعايير القانونية والأخلاقية ونوعية المشاريع التي يحملها أيُّ من الطرفين.

Exit mobile version