عُمال المهن في اليمن.. مآسي مبعثرة على الأرصفة
يمن الغد/ تقرير- خاص
“إذا لم أجد عمل اليوم، فليعن الله عائلتي على الجوع”.. قالها “رسام طه” واصابعه تخطف ما تبقى من لفافة سيجارة من بين أصابع زميله القاعد معه في حراج العمال على الرصيف في باب اليمن وسط صنعاء..
“رسام طه” يعمل نجارا في تشييد المباني ومع تذبذب الصرف وتكدس العمال في الحراج تظهر أزمة..
القرش الأبيض:
عُمال المهن اليومية، هم الأكثر تضررًا من الركود، بسبب اعتمادهم على الأجر اليومي في تأمين الغذاء لهم ولعائلاتهم، ومع انعدام فرص العمل تضاعفت معاناتهم.
“القرش الأبيض لليوم الأسود” من الأمثال اليمنية التي تحث على ثقافة الإدخار، إذ كان اليمني متسلحا بها، قبل اندلاع الحرب الممتدة منذ سنوات، وفي ظل الحرب لم تعد لثقافة الإدخار جدوى، إذ لا متسع للإدخار رغم استبعاد البيض واللحوم من موائد أغلب اليمنيين.
يشكو عُمال المهن اليومية المختلفة في اليمن من انعدام فرص العمل، وركود غير مسبوق في قطاع الأعمال بكافة المدن اليمنية؛ سوى في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، أو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية؛ في ظل تدهور الأوضاع المعيشية في بلد صُنف ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها بفعل استمرار الحرب منذ سنوات .
ركود غير مسبوق:
جابر عزيب ( 35 عامًا) ، أب ل6 أطفال، يعمل بالأجر اليومي بمهنة البناء في مدينة تعز، يشكو من ركود الأعمال بشكل غير مسبوق، وعدم تمكنه من الحصول على فرصة للعمل منذ فترة طويلة.
يقول فارس زاهد “يعمل في الكهرباء بالأجر اليومي” لـ”يمن الغد”: انه منذ مطلع العام الجاري، يذهب في الصباح الباكر إلى حراج العمال للبحث عن فرصة للعمل، لكن دون جدوى.
و يقول خليل عامل في البناء، لـ”يمن الغد”: إنه يضطر كل يوم للعودة من الحراج في جولة دار سلم جنوب صنعاء مشيًا على الأقدام إلى المنزل.
يقول سعيد الحرازي عامل في الحديد لـ”يمن الغد”: بأن توقف حالة الكساد التي ضربت قطاع الأعمال أجبرته على التوقف عن العمل، جعلته يعيش ظروفًا معيشية متدينة على غرار مئات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل في اليمن .
ويمر قطاع المقاولات في اليمن حاليًا بأسوأ مرحلة له منذ اندلاع الحرب في 21 سبتمبر 2014؛ إذ دخلت السوق العقارية وأعمال البناء في حالة ركود تامة منذ مطلع ديسمبر 2022 وانعكس ذلك سلبًا على حياة مئات الآلاف من عمال اليومية بمختلف المحافظات اليمنية.
تطورات سلبية:
وأدت الحرب المستمرة في البلاد منذ ثمان سنوات إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي بدورها انعكست سلبًا على حياة المواطنين، بمختلف مجالات حياتهم اليومية؛ خصوصًا شريحة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين، وصولًا إلى الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ سبع سنوات.
وبسبب الانقسامات المؤسسية، وتضارب القرارات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى استمرار الأعمال العدائية، وزيادة معدل الأسعار عالميًا، والظروف المناخية المناوئة من أمطار غزيرة وفيضانات، تقع اليمن تحت تهديد خطير للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية بالفعل.
يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن مصطفى نصر لمواطن: “أعمال الأجر اليومي من المهن التي تتأثر بشكل مباشر نتيجة للتطورات الاقتصادية في البلد بشكل سريع”.
وساهمت العوامل المناخية في إلحاق أضرار في أماكن الإيواء وأنهت سبل العيش، كما سهلت انتشار أمراض مثل الكوليرا، كل هذا في ظل انخفاض إنتاج النفط، وصعوبة ممارسة الأعمال بسبب انقطاع الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات، مع الأزمات العالمية من كوفيد 19 وحرب أوكرانيا، كلها عوامل قادت الاقتصاد اليمني إلى حالة من الركود، حسبما ذكر تقرير البنك الدولي الصادر في أبريل 2022.
يشير نصر إلى أن أعمال المهن تعتمد على مستوى دخل المواطنين وسعر صرف العملة المحلية والمؤشرات الاقتصادية.
ويضيف نصر: “في حال كان هناك تحسن في المؤشرات الاقتصادية، نجد أن هذه الأعمال ترتفع، لأن دخول الناس تتحسن، وبالتالي هي تعكس بصورة مباشرة حالة الوضع الاقتصادي”. ويكمل: “إن تراجع الأعمال الحرة خلال هذه الفترة يعكس حجم التدهور والركود الاقتصادي الحاصل في البلاد”.