مقالات

صنعاء الصريعة بين “الجثث الجوعى” و”خطاب الشاشة”

في الوقت الذي كان الحوثي يطل من شاشة التلفاز ويتسرب صوته بين ذرات الأثير، حتى انساحت مسامع الأزقة والطرقات، كانت صنعاء على موعد جديد مع الموت، كانت الجثث المرعوبة جوعاً، والمتعبة من هول الحياة وسياط الحوثية الإرهابية، تنتظر في موعد غير مُعد له، الموت الذي استوطن المدينة وضواحيها، الموت بدافع الجوع، الموت الذي انبعث من أيام الإمامة عندما كانت صنعاء تودع أبناءها الجوعى أفواجا وأفواجا، يتكرر المشهد اليوم في زمن الإمامية الحوثية.
كان صوت الحوثي عبر مكبرات الصوت يزاحم الجثث الجوعى، يبحث عن منفذ إلى قلوبهم، يخترقها لعله يجد مأوىً له فيها، صوته الذي تجاهل معاناة الناس، ومطالب هؤلاء الذين تخلوا عن الحياة دفعة واحدة وهم يحاولون التقاطها في باب اليمن عبر صدقة زهيدة من أحد التجار، لكن الموت كان في المرصاد يدفعه اللامبالاة في صوت المكبر وهو “يرطن” بعيداً عن الحياة.
سقط العشرات من اليمنيين وهم يبحثون عن لقمة العيش، سقطوا كما غيرهم الذين يسقطون يومياً في البيوت والطرقات، إن ما حدث في باب اليمن هو صورة جماعية لليمنيين الذين ذهب الجوع بهم إلى الموت، لقد أتى عليهم الموت جماعياً، وقد تعب من حصدهم فرادى، إنه الموت الذي رافق ويرافق وسيستمر دوما متلازما مع بقاء المشهد الحوثي وصوته وسياطه وخناجره التي تنحر من الوريد إلى الوريد، ويده التي تسرق مؤون الجوعى، ومن ثم يرميهم عظماً للموت بشكل مدهش ومؤسف وحزين.
صنعاء الصريعة في مشهد حزين لا يتكرر إلا في ظل دوافع الموت الذي تصطحبه الإمامة، وها هي الحوثية تثير فواجعها، وتبعث فيها الخراب، تفتح للموت يفتك بها في كل وقت وبشتى الأساليب.
وحده الحوثي يطل من خلف الشاشة ويخاطب الناس المتعبين بالصبر وهو لا يعرف الصبر جوعاً، ولا يدرك أهوال الحياة التي يعيشها اليمنيون، هو يدرك الواقع الصعب، ولكنه يعتبر ذلك اختبار السماء للناس، بل يعتبره أسلوباً للتركيع.
الحوثي لديه هوس بالظهور على الشاشة، هوس بالحديث، لديه طفرة في البحث عن الذات المصطنعة، وهو الواقع الذي شاهدته الجثث الجوعى التي لاقت حتفها في باب اليمن، في الوقت الذي كان الحوثي يملأ الشاشة بصورته وينشر عبر الأثير حديثه.
رحم الله الذين سقطوا وهم يبحثون عن بعض الحياة في الصدقة، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.. والشفاء العاجل للجرحى.

زر الذهاب إلى الأعلى