استضاف دار أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع ليل الأحد الأديب والروائي اليمني عبدالحافظ الصمدي الحائز على درع بلقب أفضل كاتب للعام 2022 من ديوان العرب في جمهورية مصر العربية، في فقرة “أريب واللبيب” وقامت الكاتبة والإعلامية القديرة أمة السلام صالح بإدارة اللقاء.. نص اللقاء:
تُزهق روح القصيدة:
أمة السلام صالح: كما لو قطف المعنى من حافات العمر نقطف من بستان الأدب وقفة ينير فيها وجود الكاتب والروائي القدير الأستاذ عبد الحافظ الصمدي: “حين تُعلِن المصطلحات التمرُّد، يستبيح النَّص العواطف وتُزهق روح القصيدة بين الأصابع..”.”تسرق الأوجاع منها أجمل اللحظات، والقادم معبأ بالنحيب وحشد مهيب لجنازة واحدة بقتيلتين وضحايا آخرين على أرصفة الوداع.””أيِّة حياةٍ ياتُرى نعمِّرها على وطنٍ يلوذ من فجائعنا بالرحيل؟!”.لأن الحيرة تملكتنا ونحن ننتقي إقتباس لإحدى رواياته وكان كل مايكتبه عظيم اخترنا لكم هذا الاقتباس افتتاحًا لأمسيتنا الفريدة.. لنرحب جميعًا بالكاتب الروائي القدير: عبد الحافظ فأهلا ومرحبًا به.
– أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: رُحبًا بروائي قدير مثل الأستاذ عبدالحافظ، أريب وعائلته أكثر من سعداء باستضافتك.
* الصمدي: أهلا وسهلا بكم أحبائي.
** أمة السلام صالح: أهلًا ومرحبًا بكِ أنرتِ أمسيتنا حقًا.
* الصمدي: سعيد جداً بالحديث معكم.
** أمة السلام صالح: الكاتب القدير..الأعضاء الموقّرون..بدايةً نحن من سيقوم بتوجيه عدة أسئلة لضيف الليلة وسيقوم بالرّد عليها ثم بعد ذلك سنفسح لكم المجال لتسألون عمّا يجول في خواطركم من أسئلة عامة ولكن لوقتٍ محدد. وأتمنى منكم التفاعل. هيا بنا لنبدأ نغوص في أعماق أمسيتنا.
هيا بنا لنبدأ نغوص في أعماق أمسيتنا.. السؤال الأول أستاذنا القدير حدثنا عن بدايتك حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن!؟.
* الصمدي: كانت البداية في الريف غرب تعز حيث بدأت الكتابة مبتدئا على قصاصات الورق وكنت حينها لا أزال في التعليم الأساسي، ليقرأ لي الزملاء بالمدرسة وبعض من أبناء البلدة، وخلال مرحلة الثانوية من دراستي اتذكر أنني كتبت قصصاً متواضعة منها قصة “حتماً نفترق” وقصة “أحببت كفاً بالسُّمِّ أسقاني”.ومنذ دراستي الإعلام في الجامعة انشغلت بالعمل الصحفي عن استكمال بعض أعمالي الروائية وان كنت أكتب الشعر والمقالات الأدبية في عدد من الصحف اليمنية.في يوليو 2019 تعرضت للاعتقال بسبب العمل الصحفي وظليت وراء القضبان عشرة أشهر تعرضت خلالها للمحاكمة ثم الإفراج عني في مايو 2020 ومنذ خرجت من المعتقل عكفت على كتابة الروايات فصدرت لي رواية سائحة تحت الحرب عن دار عناوين بوكس في يوليو 2021 ثم رواية عفاريت سليمان عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع وبعدها رواية مجنون المدينة عن ديوان العرب أيضا وهي الرواية التي فازت بمسابقة الدار قبل ان تمنحني دار ديوان العرب درع أفضل كاتب للعام 2022، ثم طبع لي ذات الدار رواية “الحب في أرض ملغومة” ولدي رواية أخرى مخطوطة تحمل اسم “راقصة في المعبد”. وتظل الكتابة الصحفية اشبه بمغامرات نضالية ممتعة مهما كانت متعبة، فيما الكتابة بقالب القصة والرواية بين دفتي كتاب لا على أوراق الجرائد والمجلات، فهي تعني اكتمال الثورة ونضج الوعي في التنوير وإعلان واثق بأنه لم يعد هناك أصنام غير قابلة للرجم.
** أمة السلام صالح : كمن يحمل حلم ويسافر به شتى البلدان حتى يصل لله درك كم أنك عظيم.
* الصمدي: محبتي.
** أمة السلام صالح: ننتقل لسؤال الثاني
ذكرت أن لك كتابات في الشعر..هل يمكنك أن تعطينا أحدها..!؟* الصمدي: قصيدة هذيان.
هذيان
تفصلني عنك سنوات مُلبَّدة بالحنـــين
أحيا انتظارك على الجهة الأخرى لضوء القمـر
وبـينــي وبيـنك تمـتد أمــزان المطــر..
أمارس طقوس العرابيد وحدي
أصرخُ مثل المجانـــــين..
تتوهُ المدن..
وفي داخلي يدوِّي الأنــــين
هذيان يجوب جنبات السماء
تمتد طويلاً متاهات الرحيل
إذا ما انشقَّت الذكرى والقلب انفطـر..
أقاوم هذا الجنون..
وأرفض البقاء قرميدة
في لُعبة أتقن فيها فنون البلاء القـــدر”.
الجزائر في الغلاف:
** أمة السلام صالح: تتوه المدن.. أفصح الله لسانك. السؤال الثالث.. لماذا علم الجزائر في غلاف رواية سائحة تحت الحرب؟.عندما رأيت العلم أثار الموضوع حيرتي ولا بد أن الأصدقاء مثلي.
* الصمدي: ظهر علم دولة الجزائر الشقيقة على حقيبة السائحة في الغلاف لأن السائحة بطلة القصة، هي باحثة في التاريخ وخاصة في تاريخ الفنون، أحبت تاريخ اليمن وتعلمت قراءة المسند اليمني فقدمت من الجزائر وتنقلت في عدد من المناطق اليمنية برفقة باحث يمني زميلها في جامعة السوربون في باريس .. وتحت الحرب وبين النقوش الأثرية تختمتر المغامرة ويتصاعد لهيب العشق لتأتي المفاجأة مدوية.
** أمة السلام صالح: وماهي المفاجأة المدوية؟.
*الصمدي: هذا عنصر التشويق في الرواية، أن تتناسل الحبكة حبكات أخرى وأن تكون القصة بنهاية غير متوقعة للقارئ.
* أمة السلام صالح: لا مفر من قرأتها.. ننتقل لسؤال رابع.. أستاذ عبدالحافظ لك كتاباتٌ في الشعر والقصص القصيرة والمقالات وأيضاً في الروايات..فأين تجدُ نفسكَ أكثر…!؟.
* الصمدي: وجدت نفسي باكرا القصة ثم في المقالات والخواطر وحاليا أجد نفسي في الرواية.
** أمة السلام صالح: ولقد أجزت وأبدعت وتألقت حقًا. ننتقل لسؤال الخامس.. في رواية مجنون المدينة ماسر إلهامك لهذا العنوان وماحقيقته الشعورية في قلبك؟.
* الصمدي: سر التسمية مجنون المدينة ممكن للقارئ المتفحص أن يستشفه من هنا:”الفتاة العائدة من إيطاليا تغرق في ثأرات القبيلة، تتحسَّس أذنها المقضومة وهي ترى أباها حيًا ينثر أوجاعه على بقايا الكراتين، تنهار أمام مأساة عاشق تحمله الذكريات دونما قدر ويبحر بها بلا أشرعة، تغوص في كلماته: “حين تُعلِن المصطلحات التمرُّد، يستبيح النَّص العواطف وتُزهق روح القصيدة بين الأصابع..”.
تسرق الأوجاع منها أجمل اللحظات، والقادم معبأ بالنحيب وحشد مهيب لجنازة واحدة بقتيلتين وضحايا آخرين على أرصفة الوداع.
ليبرز التساؤل جليا: كيف وقع “الكبار” في فخ الرجل العجوز، ليعلن “مجنون المدينة” الإطاحة بالزعيم..؟!.
** أمة السلام صالح: عميق جدًا .
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: أثرت فضولنا للقراءة.
** أمة السلام صالح: فعلًا.. ننتقل لسؤال السادس أستاذنا العظيم.. “مجنون المدينة ” روايتك الفائزة كيف استوحيت فكرتها وبشكلٍ عام كيف برأيك يستوحي الروائي فكرة روايته…هل الواقع أم أنها أغلب ما يشوبها الخيال المفرط أم كلاهما !؟.
* الصمدي: عادة يستوحي الكاتب فكرته من الواقع والأحداث التي يعهدها فيستعين بالخيال كداعم لتجسيد الفكرة . وإن اختلفت أسماء الشخصيات فهي اسماء مستعارة للضحايا.وكما يقول أدباء إنَّ من سمات الرواية الأدبية، الأنانية المفرطة، على الكاتب أن يمنحها كل اهتمامه ووقته أو لا يقترب منها، فهي ليست صعبة ولا سهلة ولا حتى مستحيلة، تتطلب 10 بالمائة موهبة و90 بالمائة اجتهاد.في الرواية قد تجمع قضايا إنسانية مختلفة ومتفرقة لكي يتم سردها بقصة واحدة لتبرز المعاناة بشكل تحقق فيه أهداف القصة.استوحيت فكرة رواية “مجنون المدينة” من قضية واقعية وملحة وشائكة، فهي تعاطت بوقت مبكر مع قضية تهريب الآثار اليمنية وهي القضية الشائكة الأن والتي أثيرت مؤخرا بالتزامن مع خروج الرواية إلى النور. من المعلوم أن قضية تهريب الآثار اليمنية باتت ملحة بعدما أصبحت آثار اليمن تباع في المزادات العالمية في عواصم دول أوربا وإسرائيل، ومؤخرا طالبت اليمن المجتمع الدولي بالعمل على إجراءات من شأنها الإعادة الآمنة لآثار اليمنية.
رواية مجنون المدينة اتسمت بإثراء أكثر من روايتي سائحة تحت الحرب وعفاريت سليمان من حيث الوصف والسرد والحوار كما اتسمت بتقنية الفلاش باك بصورة أكبر وجمعت بين الواقع والفانتازيا والعشق والمغامرة مطاردة مع شبكة تهريب آثار وحرب أسطورية بين ممالك الجن، معركة أحد طرفيها بندقية والطرف الأخر قلم ويظل الإنتصار يساوم كثيرا حتى يقرر أي طرفا يكون له حليفا.إنها -حسب قراءة الدار-، ملحمة من الفانتازيا المثيرة وكأنها لم تكتب بيد كاتب واحد. اقتباسات من رواية مجنون المدينة:كان “ماهر” هو الآخر يدرك حجم الورطة التي يعيشانها معًا حين قال لها: “صدقيني إن المرأة التي كنت أحلم بها هي أنتِ لكن الرجل الذي تحلمين به ربما ليس أنا”، كوني روحي التي أحبها دون مقابل، كوني مثل كتاباتي التي صنعت تاريخي ورسمت لشخصيتي ملامحها وخلقت هويتي والانتماء، تحملني دونما قدر وأبحر بها بلا أشرعة، تربطني بها علاقة حميمية منذ أول وهلة للحنين حتى آخر دمعة للغروب.. لست مستعدَّا أن أخسرك حتى لو لم تكوني لي، فما بيننا ليس ضيقًا كخرم إبرة بل أعمق من البحر وفسيح كالسماء”.
لم ينتظر منها رداً، فعاجلها بإضافته: الحب أكبر من أن يظلَّ يتنفس تحت غطاء السرير ويموت إن هو تجاوز حافته.”هل كنتِ إلا إحدى المدائن التي لا تقبل التلوث بأخطائنا وتعاف أحبابها إذ يفسدون، فهذا جنون؛ رحيلك سيدتي جنون، ففي جنباتك ألف قلبٍ حنون وأطفال تصرخ بالبكاء تتوسلك البقاء، وألف شبَّان هنا ومنهم أنا، بالأسى يجهشون، وصارت كل العشائر محشراً واحداً يرجوك البقاء ويدعوك أن تمكثـين، حتى العصافير وكتاكيتنا الوديعة تدعوك التخلي عن هذا الجنون.وإليك هذه الاقتباسات من الرواية:- “أية حياةٍ ياتُرى، نعمِّرها على وطنٍ يلوذ من فجائعنا بالرحيل”.
– “خنجره ملطخ بدم البراءة، وأشلاء ضحاياه هنا والنحيب ممتد إلى حيث الجهة الأخرى لسقوط المطر”.
– إنَّها ليست مكتوبة على ورق إنَّها محفورة بالذاكِرة.. إنَّها قِصَّتي أنا، تبرهن كثيرًا: “إنَّ أول المتهمين بالخيانة والعمالة هم الأكثر ولاءً للوطن”.
علَّقت “.. “: تبدو مُهتمًا بهذه القِصَّة.. إنني شغوفة لسماعها منك.
مطَّ “..” شفتيه وراح يسرد تفاصيل الوجع الممتد لعشرات السنين لينكشف للفتاتين سِرَّاً ينبثق كالريح ليبرهن لهما كيف تكون تعرية الخونة الحقيقيين وإنصاف المتهمين ظُلماً بالخيانة:
– تبكيني الفرحة.. أليس للفرح صوت البكاء ودموعه؟.. ثم رفعت وجهها قليلاً من صدره لترى عيناها جزء من وجهه وأردفت: “هناك فاصل رقيق بين نغمة الأنين والحنين.. إنَّها صدفة مملوءة بالمفاجآت الجميلة، لقد جعلتهم ينسجون مصيرهم بهدوء ويخططون بإتقان لنهايتهم المشؤومة.
فارقت صدره بسرعة وأمسكت ذراعيه بيديها وهو واقف أمامها كشجرة النارجيل، وراحت تهزُّه وعلى وجهها إبتسامة تعبِّر عن الإعتزاز وهي تقول: “سأكون معك، أعِدْ تربيتي من جديد كيفما تشاء وانفخ في جسدي بعضاً من روحك.
** أمة السلام صالح: فخر كبير لنا حرفيًا تستحق الفوز. “أيِّة حياةٍ ياتُرى نعمِّرها على وطنٍ يلوذ من فجائعنا بالرحيل”.. عظيم ومذهل.
– مداخلة أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: كلام مشجع جدا ومفيد.
تقنيات جديدة:
** أمة السلام صالح: السؤال السابع- لديك عدة كتب أيهم الأقرب إلى قلبك والمفضل لديك!؟.
* الصمدي: رواية عفاريت سليمان وذلك لقالبها التشويقي وفكرتها الأكثر قربا من المعتمل في الواقع.
رواية عفاريت سليمان هي الحلقة التالية لرواية سائحة تحت الحرب بل هي تكملة لها عدا انها ركزت في مضمونها على الجانب الإنساني وبدت فيها تفاصيل الشخصيات والأماكن بصورة أوسع وفيها إثراء في الحوار ورصانة في الحبكة بشكل أقوى.. و اعتمدت على تقنية الفلاش باك أو ما يسمى بالاسترجاع الفني وفيها نوع من التجريب، حيث بدأت الرواية من الحدث الغامض والمثير وهذا الحدث مكانه المفترض في المنتصف لكنني عمدت على جعله البداية بطريقة تثير الاستغراب وتسحب القارئ للغوص في أعماق الرواية سيما وأن بدايتها كانت صادمة؛ حيث جاءت بهذه المقدمة: ” رفعت تنورتها وهي تنظر بين قدميها، ثمَّ أعادتها بسرعة وهي تضغطها على جسدها المُنهك بكلتا يديها المرتعشتين، وكأنَّها تحتضن طفلًا جريحًا.
بدأت تصرخ طالبة النجدة، ولا شيء يجيبها سوى صدى الصراخ المتردد في جنبات الصمت الثقيل.
سكتت برهة وهي تتنفس بقوة وكأنَّها أدركت عدم جدوى العويل، ثم أشاحت ببصرها بعيدًا نحو السلاح النائم في الكهف تحت التلَّة.
“نعيمة جبريل” الفتاة البالغة من العمر 24 عاماً- والتي يصفها أبناء قريتها بالممثلة الأميركية الشهيرة “أنجلينا جولي” بسبب التشابه الكبير بينهما في تقاسيم الجسد والملامح عدا أنَّ نعيمة ذات بِشرة سمراء-، تبدو قرَّرت المواجهة أخيرًا، لكن بسلاح لم يخطر على بال أحد، حتى رفيقاتها اللاتي هرعنَّ على صراخها أُُصِبنَّ بالدهشة.
يَحدُثُ هذا بعد لحظات فقط من لقاء جميل جمعها بحبيبها “سليمان سيف الفُريخ”؛ إذ كانت للتو، تقف على منتصف الحنين تقاوم وطأة لهفة ليس بمقدور المسافات ولا دوي الرصاصات أن تهزم نشوتها.
وهنا اعطيك اقتباسات من منتصف الرواية:
لحظات واشتعلت المدينة بالمواجهات ووصل الفارون من المعتقل إلى المكان المحدد سلفا، فأووا إلى جبل يعصمهم من الرصاص المُعربد في أزقة المدينة والقذائف التي تجوب السماء قبل أن تحطَّ برعبها ويتلاشى دويَّها على كارثة في انتظار الكارثة التالية”.
” ارتكبوا الجريمة ببطء وبكل اطمئنان وكأنَّهم يتجولون في حديقة فيغلاند، عدا أنَّ أيديهم لم تكُ في جيوبهم ولكنَّها كانت على الزناد. كان هذا قبل أن تتحوَّل قرى البلدة إلى مُنطلق لثورة مُسلَّحة أو كما يسميها ذو الأكتاف تمرُّدًا. بتثاقل الحيَّة الرقطاء وبدم بارد راح المجرمون يطلقون الرصاص تجاه الناس في البلدة، في قباب الغطارس المنطقة المهجورة بالحبيل والتي لجأ إليها الأهالي فرارًا من البطش والتنكيل، ساوى المجرمون بين الجميع في الرعب؛ لا فرق بين طفل وامرأة، شاب أو كهل، مُسلَّح أو أعزل، مرضى وأطباء، سافرات ومنقبات، جرحى وأصحاء، حتى المستغيثون بهم والمتوسلون الرحمة من قتلة لا يعرفونها، تم قتلهم، فتحوا النار على كل من يصادفوه في طريقهم، أحالوا المكان إلى كومة أشلاء مكتظة برائحة الدم والبارود.
هذه الليلة كانت المدينة على ذات العادة المتجددة فيها من حين لآخر.. ارتدت درع الشَّر وانتعلت حوافر الشرود وفتحت جنباتها لمراهقي ذوي النفوذ، والفارون من المعتقل والأهالي مبعثرون فيها يستنشقون رائحة البارود المتطاير، يتراقصون على ايقاعات تعزفها الرصاص، كلما أضاء لهم إنفجار قريب مشوا دون التفكير بالدوي القادم إن كان يحمل شظايا أم لا، يتمايلون مع تراجيديا الكارثة المقبلة، يتابعون تفاصيل حصيلة الحماقة الملعونة وتدفق الدم ولا تعنيهم إحصائيات الضحايا، ولا عدد سرب نازحين مرَّ قبل قليل من أمامهم مرتجفاً وأيديهم على أذانهم حذر الانفجارات المتتالية.
آخر فقرة في الرواية :
“وضجَّ المكان بالتصفيق مع نهاية أحداث الفيلم ليُسدل الستار عن واقع مرير وبقايا دموع تغفو على مآقي تنتظر في زوايا الجرح قدوم التعافي المتسلِّل من ثنايا الفجر بذراعين مفتوحتين تتماهيانِ مع العويل المتلاشي وتمتدُّ بينهما البُشرى كقوس قزح”.
وبالنسبة لرواية “سائحة تحت الحرب”، هي رواية اتسمت بجرأة الانطلاقة وسرعة أدب الرحلات.. ركزت في مضمونها على التاريخ اليمني إبان الحضارة الحميرية والفنون اليمنية القديمة وتضمنت مصطلحات لم يتضمنها المعجم السبئي -حسب قراءة الباحث التاريخي رياض الفرح- تخللتها قصة عشق مجنونة بين باحثة جزائرية وباحث يمني تعرفا على بعض في جامعة السوربون بباريس وهناك ابتدأت القصة لتشتعل على أنقاض معالم آثرية تندثر مع جنون المغامرة أثناء إجراء بحث تاريخي وسط الحرب المشتعلة كما تطرقت لبعض من قصص التاريخ الجزائري والمصري وانتهت الرواية بنهاية لا يتوقعها القارئ هي الحلقة الأولى واعتبرها ميلاد عهد جديد بالنسبة لي .
فمن ضمن تطرقها للتاريخين المصري والجزائري هذه اللفتة البسيطة: حيث البطلة ” لم تُبدِ ارتياحاً أن يصورها بالملكة “سيلينا” ابنة قيصر التي جرفتها الأقدار إلى عرش الجزائر بسلاسل الرومان وهي متقدة ثورة ضد ملوك روما وحنيناً لعرش أمها المقهورة “كليوباترا” في مصر .. فهي لا يهمها أن يكون كالملك “يوبا الثاني” الذي يمكنه أن يخلد حبها تاريخيًا ويبني لها هيكلًا ضخمًا شرق القصر.. كما فعلها “ابن عنابة” بمدينة تيبازة لتخليد قصة حب أمازيغية ـ فرعونية.. إذ أن هنالك فرق بين أحداث بدأت حلقاتها في الأربعين ما قبل الميلاد وواقعنا اليوم بعد الألفين عاماً من الميلاد.
مقتطفات من الرواية:
“أترجَّل اليوم عن سماوات عينيك في ذكرى معراجك المقدس، تلك ليلة غامضة امتدت طقوسها الحافلة بالحنين حتى منتصف العشق وتلاشت عند القُبلة الأخيرة من مطلع الفجر وكأنَّ قلبي أتقن دور البراق دون جناحين وظلَّ يُحلِّق في متاهات تنسجها الغيوم بين خيوط القمر وتراتيل الشهقة الأولى، وما أشرقت الشمس إلا وأنتِ حرفٌ أساسيٌ في الأبجدية.
كان الجو جميلاً وسط الصقيع المتسلل من غفوة الليل وزقزقة العصافير تحاول جاهدة أن تبدِّد شعوري بالتضجُّر والندم والحرج..
الورطة تزداد عمقاً والغسق كان يتلاشى شيئاً فشيئاً وأوراق الزرع في الوديان تستقبلني ببصيص يقاوم الغبش ولا زالت حبات الطلِّ على أوراقها..
الفجر كان يجثم بسطوة الصمت لم أرَ على امتداد الطريق سوى رجلين فقط أحدهما كان يتمتم بكلمات التسبيح وأصابعه تستمتعان بحبات مسبحة تتدلَّى من يده كعنقود عنب، وآخر كان يطارد القرود في الجبل حتى لا تفسد المحصول.
2500 سنة والشعب اليمني متمسك بالجنبية،وكأنها موضة العصر،فلا يمكن لهذا الشعب أن يتخلى عن سيادته وهويته وأراضيه مهما كانت محاولات الغزاة الجدد.
“تلك لحظة دافئة خلقت بعمري فصولاً أخرى للربيع وإن لم تنتبه لها عقارب الساعة”.
** أمة السلام صالح: نقف أمام نابغة روائية يمنية عظيمة نفخر بك حقًا.
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع- تعليقاً على النص “لحظات واشتعلت المدينة بالمواجهات..”-: يبدو أننا سنشتعل نحن لله در قلمك.
* الصمدي: شكرا.
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: ولكم أيها الفخر اليمني.
** أمة السلام صالح: ودًا ودًا.السؤال الثامن.. من كان الداعم الأول لك سواء في الشعر أو غيره؟.
* الصمدي: لا داعم لي سوى الأمل وإصغاء أمي -حفظها الله- لما كنت اكتبه على قصاصات وأنا في التعليم الاساسي، وكذا هي من لأجل عينيها تمرَّس قلمي على الكتابة، ولاحقا إطراء القراء على كتاباتي جعلني اكتشف قدراتي في الكتابة ودفعني للتأليف.وكذا هي من لأجل عينيها تمرَّس قلمي على الكتابة
** امة السلام: حفظها الله أمك.وأعلى الله قلمك أستاذنا، لله درها خلف كل رجل أم عظيمة- السؤال التاسع.. ما أقرب نص كتبته؟.
* الصمدي: عند مراجعة آخر عمل لي والمتمثل في مخطوطة رواية “راقصة في المعبد”، حذفت نصوصا وأضفت أخرى كان آخر نص أضفته على لسان شخصيتين من شخصيات الرواية هو هذا: ” ذكرى المدينة نتنفَّسها كمشروب طاقة ينعش فينا الندم، لكن القادم يولد من تاريخ أبيض بمفاهيم العتمة النكرة في مسودة وطن.
“ماضون بالأمل العريض المشبوب بالحنين وثورة وعي مُكَبَّلة بالقلق يتربَّص بها العابثون وبقدرات هائلة لإحداث التغيير، إلا إنَّها مُحاطة بالشَّك والخيانة ومُهددة بالشَّنق على قارعة اليقين”.خمسون عامآ وهم يرددون: “لن ترى الدنيا على أرضي وصيا” ثم ذهبوا للأوصياء بأنفسهم..
** أمة السلام صالح: “المشبوب بالحنين” لله مابقلمك من روح.– مداخلة من مشارك: ما أقرب نص من نصوصك إلى قلبك؟.
* الصمدي: 2500 سنة والشعب اليمني متمسك بالجنبية، وكأنها موضة العصر، فلا يمكن لهذا الشعب أن يتخلى عن سيادته وهويته وأراضيه مهما كانت محاولات الغزاة الجدد”.
** أمة السلام صالح: الله الله حقًا أتمنى ان يصعد حرفك إلى أعناق سادتنا. ننتقل السؤال العاشر”صناعة الإنتصار لا تقاس بالزمن ولا بعد الإنتكاسات لكنها قد تتلخص في النهاية في ستِ كلماتٍ فقط”…! ماذا تقصد بالست كلمات وماهي يا ترى !؟.
* الصمدي: الست الكلمات هي التي أنهى بها بطل الرواية القصة وفك بها آخر عقدة فيها، حين انتصر الحق بالقلم وبقوة القانون أمام فوضى البلطجة والكلاشكنوف.
الكتابة نشاط حميمي:
** أمة السلام: الأفكار التي لديك ليس كمثلها .ننتقل لسؤال الحادي عشر- ما نصيحتك للكتاب وخاصة المشاركين في أريب!؟
* الصمدي: يجب ان تكون الكتابة نشاطًا حميميًا متجددا جارفا فلا يجب التركيز على عنصر معين من عناصر القصة وإغفال العناصر الأخرى، فإن كان الكاتب يجيد عنصر السرد مثلاً فلا يصب جل اهتمامه فيه وينسى بقية الأركان والعناصر كالوصف والحوار والزمان والمكان والحبكة.والكاتب يجب ان يخلق له أسلوب يميزه عن بقية الكُتَّاب مع جعل الرواية أو القصة مكتملة الأركان والعناصر الأساسية.الخبرة الفنية تبرز في ابتكار أساليب سردية متنوعة، فمثلما النص النثري تتعمق فيه الرمزية ليخاطب الوجدان ويعمل على إيصال شعور معين يخالج وجدان الكاتب، فإن النص السردي يحتوي على بعض من عناصر تتمثل في الوصف والحوار والزمان والمكان والمشهد والحدث وكأن الكاتب من خلالها يرسم لوحة فنية، يُبلى ليجسد فيها صوت الرعد وزخات المطر وركض أناس في الشوارع وصوت صفير احتكاك إطارات عربة تفادت الإرتطام بأحدهم ووجوه أطفال مملوءة بالنشوة تستقبل من النوافذ المزن الساقط.
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: الله الله عليكم استفيدوا يا أهل أريب.
** أمة السلام صالح: السؤال الثاني عشر والأخير كيف يمكننا الحصول على مؤلفاتك في اليمن!؟
* الصمدي: للأسف حاليا غير متوفرة باليمن و كثير هنا يرسلوا يستفسروا عن المكتبات التي تتوفر فيها المؤلفات باليمن ويريدون اقتنائها وهي تتوفر في مكتبات مصر ومعارض الكتاب الدولية .وأنا بصدد حل هذه المعضلة لتوفيرها في اليمن.
** أمة السلام صالح: نتمنى ذلك حقًا وننتظر أن تشرق مكاتب اليمن بنور حرفك.
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: بالتوفيق لك يا مبدع، ولا شك أهل أريب من أوائل المتحمسين لقراءة رواياتك بعد هذا اللقاء الشيق، الذي قذفت لنا فيه من كل رواية ذروتها، ولم تفرج عن النور، جعلتنا نتحمس.
* الصمدي: كل الود.
– مداخلة من أَرِيْب لِلنَشرِ والتوزِيع: نتقدم للروائي عبدالحافظ الصمدي بخالص الشكر والتقدير، لا ستضافته في فقرة أريب واللبيب، كما نقدر عمله الجاد وإبداعه في رفع مستوى الأدب اليمني، زادكم الله إبداعا، ورفع قدركم في الدارين، نشكركم مجددا.وكذلك الشكر موصول للكاتبة أمة السلام صالح، لإعدادها وتنسيقها، وتعريفنا بشخصية يمنية مبدعة.
* الصمدي: شكرا لدار أريب وللاستاذة القديرة امة السلام صالح.