مع شروق الشمس تحمل الطفلة اليمنية شيماء وعاء بلاستيكيا أكبر من قدرتها على تحمله بحثاً عن المياه من أحد الآبار بريف محافظة تعز.
شيماء هي واحدة من ملايين اليمنيين الذين يقضون هذه الأوقات من يومياتهم في رحلات شاقة بحثا عن المياه أغلبهم من النساء والأطفال، حاملين معهم تلك الأوعية التي أصبحت جزء من طقوسهم.
يقول الطفل عمار أحمد (١٣ عاما)، “منذ قرابة الساعة أنتظر وصول المياه مع أصدقائي في رحلة المعاناة اليومية” ويضيف أن “المياه التي تصل إلى قريتي – بمديرية جبل حبشي – ملوثة، وغير صالحة للشرب بالإضافة إلى نسبة الملوحة العالية فيها”.
وتابع: “وضع الأسر ومنهم أسرتي في الحصول على المياه يرثى له، وأزمتنا في المياه قديمة ومستمرة”، مشيراً أن “عملية نقل المياه إلى منزلنا تتم على مراحل وبواسطة الدواب”.
وكما أجربت الحرب الأطفال على تحمل الجزء الأكبر من هذه المعاناة دفعت ظروف النزوح “ريم عبد الله أحمد” وهي أم لسبعة أطفال للحديث عن وضعها الحالي في ظل أزمة المياه وقالت إن أطفالها يعجزن أحيانا عن الاستحمام وغسل جلودهم ووجوههم التي لوحتها حرارة الشمس نتيجة المشاق ورحلة البحث عن المياه”.
ولتخفيف معاناتها عملت مريم جدولاً يومياً لأطفالها السبعة لجلب المياه لتوفير وسد حاجة منزلها من الماء من مسافة تبعد عنهم قرابة نصف ساعة.
الدمار البنيوي ومحطات المياه
مما لا شك فيه أن المياه تعد من أهم الموارد الحيوية في أي مجتمع، إلا أن الحرب التي تشهدها اليمن قد تسببت في تلوث المياه بشكل خطير وتهديد صحة المواطنين وسط غياب شبه كلي لأي جهود حقيقية للتصدي لهذه المشكلة المتفاقم.
نتيجة القصف المتكرر والدمار البنيوي الناتج عن الحرب، حيث تضررت العديد من محطات المياه والشبكات المائية في اليمن الأمر الذي تسبب بالطبع بتسرب المياه الملوثة واختلاطها بالمياه النقية، وهو أكثر ما زاد من خطر تلوث المياه وتدهور جودتها.
كذلك تتراكم النفايات والمخلفات الأخرى مثل الأسلحة والذخائر المتفجرة، في الأنهار والبحيرات والآبار، كان لها انعكاسا سلبًا على جودة المياه وزاد من خطر التسمم والتلوث الكيميائي حتى باتت هذه المخلفات تشكل تهديدًا للبيئة المائية وتعوق جهود تحسين جودة المياه.
وبسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي يعتمد عليه ضخ المياه، اضطر السكان إلى الاعتماد بشكل أكبر على آبار المياه الجوفية حيث جرى استغلال هذه الآبار بشكل غير مسؤول مما يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية.
مشاكل متراكمة
يحتل اليمن مع بعض الدول العربية مرتبة الأشد فقرا في مخزون المياه، حيث يعتبر ضمن البلدان التي تواجه أزمة حادة في عصب الحياة لأسباب مختلفة ومتعددة منها تلوث الأحواض الجوفية، والحفر العشوائي للآبار الارتوازية.
ويصف الخبير في مجال المياه عبده علي حسان، وضع المياه في اليمن الذي يشهد أسوء أزمة إنسانية قائلاً، “مخزون المياه الجوفية في تدهور وتناقص مستمر نتيجة الاستنزاف السريع له واعتماد طرق خاطئة في ري المزروعات (بالغمر) والحفر العشوائي للآبار بالإضافة إلى تعرض المياه الجوفية للتلوث في كثير من المناطق”.
وأشار حسان ف، إلى أن “نسبة هدر المياه بنظم الري التقليدي في ري المحاصيل الزراعية بلغ أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الاستهلاك”.
وأوضح أن “مصادر التلوث للمياه الجوفية متعددة وكثيرة منها مياه الصرف الصحي ومكبات القمامة والتي تحتوي على ملوثات متعددة وخطيرة تسقط عليها مياه الأمطار وتنقلها إلى المياه الجوفية”.
وأدت الحرب التي طال أمدها والنزوح الجماعي ونقص إمدادات مياه الشرب النظيفة فضلاً عن ارتفاع الأسعار وتهاوي العملة المحلية إلى تدهور الظروف المعيشية لمعظم الأسر وخاصة الأشد فقراً.
وقال الصليب الأحمر الدولي، في تقرير سابق، إن” أزمة المياه في اليمن تؤثر على ملايين البشر يوميا”، مشيراً أن “شبكة أنابيب المياه في اليمن الفقير لا تغطي إلا 30 بالمئة من السكان”.