تعنت وعبث الحوثي يترك ملايين اليمنيين فريسة للجوع
مؤخراً أطلقت عدد من الجهات الأممية والدولية تحذيرات بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، خصوصاً بعدما ارتفعت معدلات من يواجهون انعدام الأمن الغذائي بين اليمنيين.
أوضاع معيشية صعبة يعيشها اليمنيون في ظل تفاقم الحرب الاقتصادية التي تشنها الميليشيات الحوثية- ذراع إيران في اليمن. وتسببت هذه الحرب في ارتفاع أعداد اليمنيين الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 4 ملايين شخص خلال النصف الأول من العام الجاري 2023.
وتفيد بيانات أممية، أن الوضع الإنساني في اليمن بات الآن أسوأ من العام الماضي، بعدما ارتفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي هناك إلى قرابة 19 مليون شخص، مقارنة بنحو 16.2 مليون خلال 2022، وسط مخاوف من أن يتحول ما يكابده اليمنيون، إلى ما يمكن أن يُوصف بـ«أزمة إنسانية منسية»، لا تلقى ما يجب من اهتمام، من جانب المجتمع الدولي.
ونشر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن تقريرا مؤخرا، أكد فيه أن 638 ألف شخص انضموا مؤخرا إلى قائمة الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وبذلك يصل العدد الإجمالي للأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد والوخيم إلى 3.9 مليون شخص في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية فقط.
وتؤكد تقديرات دولية مستقلة، أن نصف حالات الوفاة التي سُجِلَت في اليمن على مدار أعوام الحرب الحوثية، تُعزى إلى الآثار غير المباشرة للصراع، من قبيل النقص الحاد في الغذاء، وتدني مستوى الرعاية الصحية، بجانب تدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل.
تقليص المساعدات
تدهور الوضع الاقتصادي في اليمن ترافق مع استمرار الميليشيات الحوثية في فرض قيودها على إيصال المساعدات الغذائية للمستحقين في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وهو ما دفع بتأزم الوضع الإنساني ووصوله إلى مستويات هائلة.
ووفقاً لبيانات وزعها مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن، سيتم تقليص حجم بعض الأنشطة والمساعدات بشكل إجباري مع حلول سبتمبر المقبل. ومطلع يوليو 2023، اضطر برنامج الأغذية العالمي، إلى خفض حصص المساعدات الغذائية المقدمة لأكثر من 10 ملايين يمني، بسبب نقص التمويل. وتضمن التقليص تحويل أكثر من 900 ألف مستفيد من قائمة المساعدات النقدية إلى المساعدات العينية.
وعزا المكتب هذه الإجراءات إلى نقص تمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي لم يتجاوز تمويلها حتى منتصف هذا العام 29 في المائة فقط.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن برنامج الأغذية العالمي، سيُضطر بحلول سبتمبر إلى قطع المساعدات الغذائية عن ما يصل إلى خمسة ملايين شخص. ناهيك عن تقليص أنشطة علاج سوء التغذية بنسبة 40 في المائة من الاحتياجات.
ووجهت الأمم المتحدة انتقاداً حاداً للميليشيات الحوثية وتسببها في عدم استقرار الاقتصاد من خلال منع صادرات النفط في المناطق الحكومية واستمرار إعاقة نقل البضائع التجارية إلى المناطق غير المحررة.
وأوضح تقرير مكتب الشؤون الإنسانية في اليمن، أنه من خلال استقرار الاقتصاد يمكن تقليل العدد الكبير للأشخاص المحتاجين، ورأت أن استئناف صادرات النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أمر بالغ الأهمية، لدفع رواتب القطاع العام. يجب معالجة استمرار إعاقة نقل البضائع التجارية من المناطق الحكومية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي.
وفق ما جاء في تقرير مكتب الشؤون الإنسانية، فإنه من الواجب أن تكون السلع التجارية قادرة على التدفق في جميع أنحاء البلاد دون عائق. وأن يتم عمل المزيد لتحسين دخل الأفراد وتحسين القوة الشرائية للناس وضمان توفير الخدمات الأساسية.
تجويع متعمد
رغم تراجع حدة المواجهات العسكرية خلال اتفاق الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة من أبريل حتى أكتوبر من العام 2022، إلا أنها لم تنعكس بشكل كافٍ على الأوضاع المعيشية لملايين اليمنيين، الذين لا يزالون محاصرين، ما بين الصراع المستمر والمجاعة التي تُحدق بكثير منهم.
فخلال العام ذاته الذي شهد إبرام الهدنة الأممية تم تسجيل أكثر من 901 حادثة متنوعة لتقييد ومنع وصول المساعدات الإنسانية للفئات الأكثر تضرراً والأشد احتياجاً وفقاً للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والنزاع المسلح.
وأضاف التقرير إن هذه الحوادث تنوعت بين تنفيذ هجمات على المنظمات الإنسانية والعاملين في المجال الإغاثي وفرض قيود على الحركة داخل البلاد، بالإضافة إلى تدخل السلطات في تنفيذ الأنشطة الإنسانية، خاصة في أمانة العاصمة ومحافظتي صعدة والحديدة، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين.
وأشار التقرير إلى أن أغلب هذه الحوادث وقعت في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين التي ارتكبت 601 حادثة منع وصول للمساعدات الإنسانية، وهو ما يمثل 66.7% من إجمالي الحوادث المسجلة خلال العام الماضي، فيما نُسبت 210 حوادث أو ما نسبته 23.3% لجهات مجهولة.
انحسار مخزون الغذاء
تزايد المخاوف وتحذيرات منظمات الإغاثة الدولية والتابعة للأمم المتحدة من تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن خلال العام الجاري، يؤكد أن ملايين اليمنيين سوف يواجهون الجوع ومزيداً من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتضخم الحاد، بسبب استمرار الصراع والحرب الاقتصادية الحوثية والفجوات الحادة في التمويل والتضخم العالمي والتأثير غير المباشر للحرب في أوكرانيا.
مصادر في الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، كشفت منتصف يونيو الماضي أن المخزون الغذائي لليمن من القمح والمواد الأساسية يكفي لنحو أربعة أشهر، إلا أن وزير الصناعة والتجارة محمد الأشول رد على هذه التسريبات بالقول إن المخزون السلعي في الحدود الآمنة وليس هناك أي شحة في المعروض خلال الأشهر القادمة.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن الاحتياج الفعلي لليمن من القمح والدقيق يقدر بنحو 3.8 مليون طن سنويا. ويحصل اليمن على 95 بالمئة من معظم احتياجاته الغذائية من مصادر خارجية.
تسريبات المصادر الحكومية، جاءت متوافقة مع بيان شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) في أحدث تقرير لها والذي أكد أن اليمن ستتصدر قائمة البلدان في انعدام الأمن الغذائي الحاد بحلول نهاية العام الجاري، وسيصبح أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية.
وأضاف التقرير، إن زيادة انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن سيجعل بين (50 – 55)% من السكان بحاجة للمساعدات الغذائية، أي أن نحو 18 مليون شخص سيعانون نقصاً حاداً في الغذاء، مع حلول ديسمبر 2023.
وأوضح التقرير أن استمرار الصراع والتدهور الاقتصادي ومحدودية فرص إدرار الدخل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن، سيؤدي إلى زيادة للشريحة السكانية الذين يعانون من المستوى الثالث من التصنيف المرحلي لانعدام الأمن الغذائي (الأزمة)، مع احتمال حدوث حالات الطوارئ (المستوى الرابع من التصنيف) بين عدد كبير من النازحين في محافظة مأرب.
فقدان سبل الحياة
وبحسب تصريحات نشرها موقع «ناشيونال وورلد نيوز» الإخباري لخبراء دوليين وأمميين، فإن وضع الاقتصاد اليمني الذي دمرته الحرب الحوثية أسهم بشكل هائل في تردي الوضع الإنساني، لا سيما في ظل القيود المفروضة على الاستيراد ونقل البضائع، والتراجع الحاد في قيمة العملة المحلية، وتباين سعر صرفها، بين المناطق اليمنية المختلفة.
ووفقاً للخبراء، فإن القيود والإجراءات المدمرة للاقتصاد اليمني دفعت بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، بعدما فقد كثير منهم سبل الحياة الضرورية وفرص العمل، وهو ما يجعلهم عاجزين عن شراء احتياجاتهم من الطعام، حتى وإن كان متوافراً أحياناً في الأسواق.
وقادت اعتداءات مليشيا الحوثي على المناطق الزراعية واستهدافها قوارب الصيد، وزرعها الذخائر والألغام الأرضية بالقرب من الحقول والشواطئ، إلى تراجع الإنتاج المحلي من الخضراوات والأسماك، وسط شح شديد في الخدمات الحيوية، وعدم توافر إمدادات كافية من المياه الصالحة للشرب.
ودعا الخبراء إلى ضرورة أن تقود الأمم المتحدة والوكالات الإغاثية التابعة لها، تحركاً جماعياً، يستهدف مد يد العون إلى اليمنيين المنكوبين بالصراع، بما يشمل منح تمويل مستدام للمنظمات الإنسانية المحلية، مع التركيز على دعم الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، وعلى رأسها النساء والنازحون.