خبراء: فوضى السلاح وانتشار المخدرات وراء ارتفاع جرائم القتل باليمن
شهدت المحافظات اليمنية المحررة، في الآونة الأخيرة، ارتفاع معدلات جرائم القتل بين أفراد المجتمع بدمٍ بارد، وعند العودة لأسباب ودوافع تلك الجرائم، يجد المتأمل فيها، أن أسبابها خلافات آنية لا ترتقي في حلها إلى الدخول في عراك بالأيادي، فكيف بها أن تصل إلى جرائم جنائية بسبب إزهاق الأرواح.
وحصلت “إرم نيوز” من مصادر أمنية خاصة، على إحصائية رسمية بعدد جرائم القتل، والتي بلغت منذ بداية العام الجاري، وحتى أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، (161) جريمة، في كافة المحافظات المحررة الـ”9″، وكانت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، شاهدة على (35) جريمة منها، فيما توزعت بقية الأرقام الأخرى، على باقي المحافظات.
وسجلت محافظة تعز جنوب غرب البلاد، العدد الأكبر في عدد جرائم القتل بـ(64) جريمة، فيما حلّت محافظة مأرب -شمال شرق- في المرتبة الثالثة بـ(21) جريمة، وجاءت محافظة لحج الجنوبية رابعاً بـ(19) جريمة، فيما سجلت محافظة الضالع وسط البلاد (8) جرائم قتل، بزيادة جريمة واحدة، عن محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن (7) جرائم، ووقعت في محافظة المهرة المحاذية لها شرقاً (4) جرائم، بينما سجلت محافظة شبوة المحاذية جنوب شرق البلاد (3) جرائم، ولم تشهد محافظة أبين تسجيل أي جريمة جنائية (قتل) على مدار الأشهر السبعة الماضية.
والأمر لا يقتصر فقط على المحافظات المحررة، بل إن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تشهد الكثير من الجرائم الجنائية، ليس فقط على مستوى أفراد المجتمع، بل يتعدى ذلك، إلى وقوع جرائم قتل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبمعدل مرتفع وعالِ.
ويعزو خبراء ومختصون، الوصول إلى مرحلة استخدام السلاح وإزهاق الأرواح، إلى تراكمات الضغوط النفسية التي يعاني منها المجتمع بسبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة، والتي تفاقمت بشكل واسع منذ حرب 2015، فضلاً عن انتشار المخدرات بمختلف أنواعها، بين الشباب، لا سيما حبوب الهلوسة، ومخدر الحشيش، علاوةً على انتشار السلاح الذي يسهُل الحصول عليه في أي زمان ومكان، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى والمختلفة.
*فوضى السلاح*
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة عدن الدكتور فضل الربيعي، بأن “ارتفاع معدل جرائم القتل، وبهذه الأرقام المخيفة والمفزعة -حد وصفه- تكمن أسبابها في عدة عوامل، أبرزها انتشار السلاح بين المواطنين، والذي ازداد بشكل كبير عقب الحرب”.
وقال الربيعي، خلال حديثه لـ”إرم نيوز”، إن: “الحروب، غالباً ما تترك أثرًا نفسيًّا سلبيًّا على أفراد المجتمع، سببت له صدمات وضغوطات نفسية وعقلية، إلى جانب سهولة الحصول على السلاح، الذي يتوفر عند كل الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية؛ ما أسهم في انتشار ظاهرة القتل بهذه الصورة غير المألوفة”.
وأضاف الربيعي: “النقطة الأخرى وهي مهمة جدًّا، وتتعلق بانتشار المخدرات، بشكل غير معهود، وهذا الأمر له تأثير واضح، في ارتكاب هذه الجرائم”، متابعًا: “وطالما الناس يعيشون في بيئات غير مستقرة، تسودها الفوضى، وتزداد فيها البطالة، تتنامى مثل هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة”.
وأشار الربيعي، إلى أنه: “يعوّل كثيرًا على الأجهزة الأمنية في اتخاذها أساليب رادعة، للحدّ من ازدياد جرائم القتل، من خلال إجراءات حازمة وصارمة، في العمل على القضاء على العوامل والأسباب التي سبق ذكرها، وتؤدي في الأخير، إلى وقوع الجرائم الجنائية”.
*غياب الردع*
بدورها، قالت أستاذة القانون الجنائي في كلية الحقوق بجامعة عدن الدكتورة هدى علوي، إن: “جرائم القتل التي تفشت في الفترة الأخيرة، تثير الفزع، وهي مؤشر مخيف لاختلال اخلاقيات المجتمع وقيم التسامح، وتؤدي إلى إقلاق السكينة العامة، وتصيب الناس بالصدمة، وتحدِث كثيرًا من البلبلة، حول الوضع الأمني وسلامة العلاقات الإنسانية”.
وأضافت، علوي، في سياق حديثها لـ”إرم نيوز”: “تتصدر عوامل الهياج النفسي والإفراط في ردود الفعل العدوانية، تجاه الآخر في ظل واقع معيشي مزر وهش ومجتمع يعاني ضنك العيش والتفكك والعوز وعدم الاستقرار، أهم الأسباب في تفشي ظاهرة جرائم القتل”.
وترى علوي، بأن انتشار جرائم القتل “تُخلّف انعكاسات اجتماعية عديدة، شديدة الخطورة، على السلم والأمن المجتمعيين، من خلال تغليب أسلوب الثأر والانتقام وتكريس ثقافة العنف، كما إنه يترتب عليها خلق حاضنة سلبية أو إيجابية للجاني من ناحية، والمجني عليه من ناحية أخرى، وتجنيد الظروف والامكانيات للتعامل مع المستجدات الطارئة، بكل معاناتها وتبعاتها وتكلفتها الباهظة”.
وأشارت إلى أن “جرائم القتل قد تستدعي، أحيانًا مبررات لخلق نزاع من نوع آخر، اجتماعي أو قبلي أو مناطقي، ونشوء خصومات لا تتلاشى بمجرد إصدار الأحكام القضائية؛ ما يجعل الحاجة ملحة للقيام بأدوار إضافية، لتحقيق المصالحة وجبر الضرر، وإصلاح ذات البين، وتعزيز مفهوم الدفاع الاجتماعي”.
وذكرت أستاذة القانون الجنائي أنه “لطالما كانت وظيفة العقاب هي الردع العام والخاص وتحقيق العدالة، فإن المراهنة على سلطة القانون ويقين تطبيقه على الجميع، هو صمام أمان للوقاية من الجريمة، جنبًا إلى جنب مع اجتثاث العوامل السياسية والاقتصادية، المؤدية إلى انتشار الفقر وانعدام سبل الحياة الكريمة والأمن الغذائي، واختلال ميزان العدل، وغياب هيبة مؤسسات الدولة، وتخليها عن مسؤولياتها العقدية تجاه المواطنين، وضعف أداء الأجهزة الأمنية”.
*أسباب متعددة*
من جانبه، قال استشاري الطب النفسي الدكتور خالد النهدي، إن: “تأثير الحرب، والأزمات المختلفة التي أعقبت تلك الفترة، من تدهور للخدمات وارتفاع للأسعار، وغيرها من انهيار اقتصاد البلاد، وبقاء الحال على ما هي عليه، لما يقارب من 9 سنوات، شكّل حالات من الصدمات النفسية وتراكمات الضغوطات، التي يصعب على المواطن تحمّلها”.
وأضاف النهدي، في حديث لـ”إرم نيوز”: “وبما أن مجتمعًا كالمجتمع اليمني، تغيب عنه الرعاية الصحية النفسية، فضلاً عن كون الغالبية تتهرب من الاعتراف بحاجتها لعلاج نفسي، أو حتى أنه لا يعلم أنه يحتاج لعلاج نفسي، كل تلك العوامل، تعمل على ظهور حالات الانفعال الشديد تجاه أمور بسيطة، لا يستدعي الأمر إلى التعامل معها بهذه الكيفية، من خلال الإفراط والمبالغة، في أخذ الحق، أو ما يظن أنه حق له”.
وتابع النهدي: “كما إن انتشار السلاح، وعدم الاعتراف باللجوء إلى القانون لأخذ الحق، في ظل التراكمات والضغوطات النفسية، عوامل أخرى في تفشي ظاهرة جرائم القتل الجنائية”. ونوه استشاري الطب النفسي، إلى أن “كل ذلك، لا يعفي الجاني، من جريمته، التي أقدم عليها، ولا يمكن للقانون معذرته، كونه يعاني نفسيًّا، إلا وفق ضوابط وشروط محددة وصارمة”.
*إدمان المخدرات*
إلى ذلك، قال نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات في أمن عدن النقيب إيهاب أحمد علي، إن “هناك انتشارًا واسعًا ومخيفًا لتعاطي المواد المخدرة، بين أفراد المجتمع، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، التي تمر بها البلاد، الأمر، الذي يتسبب بغياب الوعي، وحجم خطورة الإقدام على جرائم القتل، من قبل الجناة”.
وأفاد علي، خلال حديثه لـ”إرم نيوز”، بأن “تجار المخدرات، والحروب، دائمًا ما يستغلون الأوضاع الهشة التي تعيشها أي دولة تشهد حروبًا، ويقومون بإغراق الأسواق بالمخدرات بشتى أنواعها، ليؤدي ذلك إلى ىسهولة الحصول عليها”.
وذكر علي: “ويؤدي ارتفاع معدلات البطالة، بين الشباب، للجوء إلى تعاطي المخدرات وتناول الحشيش، للهروب من الواقع الصعب الذي يعيشون، وإدمان المخدرات عواقبه وخيمة للغاية، أبرزها انتشار ظاهرة جرائم القتل”.
وشدد المسؤول الأمني، على ضرورة “إنهاء حالة الحرب، في كل ربوع المحافظات اليمنية، والاحتكام إلى منطق العقل، فضلاً عن تقديم الدعم الكبير والكامل لإدارات مكافحات المخدرات، في جميع الإدارات الأمنية، كون القضاء على العوامل المؤدية إلى الوقوع في جرائم القتل، أهم الحلول وأبرزها للحد والقضاء على جرائم القتل بين أفراد المجتمع”.