“الإخفاء القسري” في اليمن.. أجساد تئن في عتمة زنازين الحوثي

يمر اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري وآلاف اليمنيين يقبعون خلف قضبان مليشيات الحوثي بعد تعرضهم لأبشع الجرائم التي توصف بأنها “جريمة ضد الإنسانية”.

ففي اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري، الذي صادف أمس الـ30 من أغسطس/آب، لا تزال مليشيات الحوثي الإرهابية تمارس أقبح أنواع الاعتقالات، والإخفاء القسري لآلاف المدنيين اليمنيين دون أي أسباب.

أحد أولئك عمار محمد الذي ترك أما خمسينية تعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار والتعب النفسي، بعد أن ظلّت لأكثر من أربع سنوات تائهة في البحث عنه وهو مخفى قسريا داخل أحد معتقلات مليشيات الحوثي الإرهابية.
أم عمار المنحدرة من أسرة تهامية بسيطة، تعيش في إحدى مناطق تهامة بمحافظة الحديدة غرب البلاد، وكان ابنها المختطف لدى المليشيات منذ 6 سنوات هو عائلها الوحيد، بعد أن فقدت زوجها بسبب إصابته بأحد الأمراض المزمنة.

وقالت: إن مليشيات الحوثي اختطفت ابنها من إحدى النقاط في مدينة الحديدة، وأخفته أكثر من 4 سنوات قسريا، ودون أن يعرفوا عنه شيئا أو مكان وجوده وأسباب اختطافه قبل أن تكشف أنه كان في زنازينها السرية.

وضاعف اختطاف ابنها عمار معاناتها وحالتها الصحية، إذ أصبحت عاجزة عن توفير الاحتياجات الأساسية لها ولأطفالها الثلاثة، إضافة إلى الابتزاز التي تتعرض له من مليشيات الحوثي.

انتهاكات الإخفاء القسري:

يعد الإخفاء القسري جريمة غير قانونية تتضمن احتجاز شخص ما دون موافقته أو دون إشعار أهله أو المسؤولين المعنيين بمكان وجوده وبمخالفة للقوانين المحلية والدولية.

رئيس مؤسسة مسار للتنمية وحقوق الإنسان باليمن ذي يزن السوائي قال إن الاختفاء القسري والانتهاكات التي تطول المخفيين قسريا يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان والقوانين والمعاهدات الدولية.

وأضاف الحقوقي اليمني -خلال حديثه لـ”العين الإخبارية”-، أن مليشيات الحوثي المتمردة أخفت آلاف المدنيين قسرياً منذ سنوات الحرب الأولى وما زالت مستمرة بعملية الإخفاء حتى الآن.

وهو ما تؤكده -وفق السوائي- الكثير من التقارير الحقوقية المحلية والدولية والتي تفيد بأن المليشيات الحوثية تقوم بممارسة الإخفاء القسري بشكل مستمر، ويتم احتجاز العديد من الأشخاص دون وجه حق، بمن فيهم النشطاء السياسيون والصحفيون والناشطون في مجال حقوق الإنسان.

وأشار السوائي إلى أنه قد يتم احتجازهم لفترات طويلة دون أي اتهام رسمي أو محاكمة عادلة، ويتلقون التعذيب النفسي والجسدي.

عواقب وخيمة:

وبحسب السوائي، فإن عواقب وخيمة تترتب على الاختفاء القسري على الأفراد وأسرهم والمجتمع بشكل عام، وتعاني أسرهم من عدم اليقين والقلق بشأن مصيرهم، كما أنها تتعرض للترهيب والتهديد من قبل مليشيات الحوثي.

بالإضافة إلى ذلك يتعرض المخفيّون قسريا للتعذيب والإيذاء الجسدي والنفسي من قبل المليشيات ومشرفي سجونها السرية.

ويعتبر الإخفاء القسري انتهاكًا صارخًا للقانون اليمني والقانون الدولي، فقد تمنع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية استخدام الاختفاء القسري وتدينه كجريمة.

وتتطلب مكافحة الاختفاء القسري، بحسب السوائي، تعاونًا فعالًا من السلطات المعنية والمجتمع الدولي، وعلى الحكومات إقرار قوانين صارمة لمنع الاختفاء القسري ومعاقبة المسؤولين عنه.

كما يجب على المجتمع الدولي الضغط على مليشيات الحوثي الامتناع عن استخدام هذه الممارسات غير القانونية والعمل على توفير الحماية للضحايا وتقديم المساعدة اللازمة لأسرهم، وفقا لحقوقيين.

أرقام مخيفة:

تُعد محاسبة مرتكبي جرائم الاعتقال والإخفاء القسري مطالب حقوقية دولية نصت عليها مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي جرّمت الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري أو التعرض لسمعة الإنسان وشخصه.

كما جرّمت تلك المواد الانتهاكات بحق المدنيين ووجوب حفظ كرامتهم واحترام حقوقهم في الحياة والحرية والأمان والتساوي أمام القانون، وضمنت حرية الرأي والتعبير دون مضايقة أو مساس بحريته.

وقالت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، في تقرير حديث، إنها سجلت نحو (2406) جرائم إخفاء قسري بحق المدنيين، قامت بها مليشيات الحوثي بينهم (133) امرأة، و(117) طفلا، في 17 محافظة يمنية، ورفضت الكشف عن مصيرهم منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2017 وحتى منتصف العام الجاري 2023.

وذكر التقرير أن جرائم الإخفاء القسري شملت (642) جريمة إخفاء قسري بحق فئات عمالية و(189) سياسيا، بالإضافة إلى (279) عسكريا، و(162) تربويا، و(53) ناشطا، و(71) طالبًا، و(88) تاجرًا، و(117) طفلاً، و(118) شخصية اجتماعية، و(31) إعلاميًا، و(39) واعظًا وخطيبا، و(13) أكاديميًا، و(133) امرأة، و(382) لاجئا من أفريقيا، و(52) محاميًا، و(37) طبيبًا.

وأوضح التقرير أن نحو (1937) مختطفاً تعرضوا لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي داخل معتقلات الحوثي، بينهم (117) طفلاً و(43) امرأة و(89) مسناً، خلال الفترة الزمنية ذاتها.

وأشارت إلى أن (394) مختطفاً تعرضوا لأشد وأقسى أنواع التعذيب المفضي إلى الموت بينهم (12) طفلاً و(9) نساء و(15) مسناً، ما أدى إلى مقتلهم داخل الزنازين الحوثية أو بعد إطلاق سراحهم بأيام فقط نتيجة تدهور حالتهم الصحية.

ونوهت إلى أن (32) مختطفاً في سجون مليشيات الحوثي تعرضوا للتصفية الجسدية، فيما انتحر آخرون، للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، كما سجل (79) حالة وفاة للمختطفين في سجون مليشيات الحوثي و(31) حالة وفاة لمختطفين بنوبات قلبية، بسبب الإهمال الطبي ورفض إسعافهم إلى المستشفيات.

وأوضح أن نحو (218) مختطفاً عذبوا في سجون الحوثي بينهم (26) طفلا و(12) امرأة و(49) مسناً حتى أصيبوا بشلل كلي ونصفي وآخرين بأمراض مزمنة وفقدان للذاكرة وإعاقات بصرية وسمعية، فيما تعرض نحو (1325) مختطفاَ لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة القاسية داخل سجون ميليشيا الحوثي.

وبحسب التقرير فإن المليشيات الحوثية تدير نحو (641) سجناً، منها (237) سجنًا رسميًا التي احتلتها المليشيات و(128) سجناً سريًا استحدثتها المليشيات الحوثية بعد انقلابها على الشرعية داخل أقبية المؤسسات الحكومية كالمواقع العسكرية، ويتوزع بقية العدد في المباني المدنية.

وتعيش عائلات المخفيين قسراً حالة من عدم الاستقرار والقلق والتوتر والشعور بالعزلة لعدم معرفتهم عن وضع أبنائهم المخفيين قسراً خاصة أطفالهم الذين حرموا من آبائهم لسنوات، ناهيك بما يترتب على حالة الإخفاء القسري من صعوبات مالية وعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية إن كان المخفي قسراً هو العائل الوحيد لأسرته، كما هو حال أم عمار.

Exit mobile version