محلياتمقالات

الحل النهائي بين جنوح الأماني وصخرة الواقع الموضوعي

باستثناء تجار الحروب والأزمات.. كلنا في اليمن مع السلام، كلنا تعبنا من الحروب وتضررنا من الأزمات، ونريد أن نعيش ونعمل ونستقر.. ونعلم أطفالنا، وكلنا نتمنى أن يتوصل الفرقاء، اليوم قبل الغد، إلى تسويات شاملة ونهائية لإحلال السلام والاستقرار في ربوع البلاد.

لكن؛ هذا لا يعني أن نفكر بطريقة الأمنيات، ونصدق الهراء الذي يتم تداوله مؤخرًا في هذا الشأن، على هامش المفاوضات التي تجريها أطراف إقليمية ودولية مع الجماعة الحوثية في صنعاء وعُمان والرياض وغيرها.

يمكن لمثل هذه المفاوضات أن تحلحل بعض الأمور الهامشية العالقة، كملف تبادل الأسرى، وحل مشكلة الناقلة صافر، كما يمكنها في أحسن الأحوال أن تحل جزئيًا بعض الأزمات الإنسانية، كفتح بعض المعابر أو تسليم رواتب الموظفين..
لكن هذا شيء، والحل الشامل النهائي شيء آخر.. لا يمكن لحل نهائي أن يتم معزولًا عن الواقع الموضوعي القائم على الأرض، والمتمثل في كون اليمن منقسمة بين طرفين متناحرين ومتباينين ومختلفين في كل شيء تقريبًا: المرجعيات والمنطلقات والمشاريع.. والتصورات عن وظيفة الدولة وشكل النظام.

هذا هو الواقع، وهذه هي المشكلة الموضوعية التي لا يمكن حلها إلا بشكل موضوعي واقعي يتضمن بالضرورة:
• تنازل جميع الأطراف عن السلطة والسلاح والسيطرة على الأرض.. لصالح “دولة” مدنية مؤسسية قائمة على الشراكة ومحايدة سياسيًا، وعلى مسافة واحدة من الجميع.
السؤال المهم هنا هو: هل أطراف المشكلة اليمنية جاهزة- نظريًا وعمليًا- لتحسين نواياها والثقة ببعضها، ومستعدة للتخلي عن إمكانياتها ومشاريعها والتضحية بمثل هذه التنازلات؟!
الإجابة: لا طبعًا، أن يقبل مثل هؤلاء الفرقاء أن يتشاركوا في إدارة حكومة ودولة مؤسسية واحدة.. هذا من سابع المستحيلات، وبالذات الجماعة الحوثية التي لن تقبل بتاتًا بالتنازل من أجل السلام والحل الشامل، حتى بجزء يسير من الأرض والسلطة والسلاح في مناطق سيطرتها، لصالح الأطراف الأخرى المنطوية في “إطار الشرعية”، والتي لن تقبل بدورها أن تتنازل بكل شيء وتعيش في ظل الكهنوت الحوثي.

وهذا يضعنا أمام الحقيقة الموضوعية الوحيدة اليوم، وهي أنه: لا يمكن لحل شامل نهائي في اليمن أن يتم إلا بحسم عسكري كامل لأحد الأطراف، وهي حقيقة تستند على فلسفة التاريخ ووقائعه، وبالذات التاريخ المتعلق بالأنظمة الإمامية في اليمن.

الحرب اليوم بين “القوى الجمهورية” و”الإمامة العائدة” هي امتداد للحروب بين الطرفين طوال ستينيات القرن الماضي. شهدت تلك الفترة الكثير من المؤتمرات والتفاوضات الدولية، ووُضِعت لها الكثير من الحلول والتسويات الجانحة..
لكن؛ في الأخير، فرض الواقع العسكري على الأرض أولويته الواقعية، ولم تصل القضية إلى حل شامل نهائي إلا بسقوط الطرف الإمامي، وانسحابه من المشهد، وتسليمه كل شيء للقوى الجمهورية، التي فتحت أحضانها للقوى الإمامية الناعمة، التي ظلت تعمل في الخفاء وصولًا إلى إعادة الحرب من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى